تضحيات وصمود أسطوري أذهل العالم
صلاح القرشي
في البداية سنتحدث عن الصمود الأسطوري الذي سجله شعبنا وقواه الحرة والحية وعلى رأسها حركة أنصار الله بقيادة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ،وعن العقيدة القتالية للمدافعين ، والوسائل العسكرية في الصمود ، وعن كيفية التغلب على الحصار في المجال العسكري خاصة وإفشال خطط العدوان.
لقد أصبح الجيش واللجان الشعبية بعد مرور ثلاث سنوات من الحرب أكثر قوة وأكثر تسليحا وأكثر عددا وتنظيما, مفشلاً بذلك كل خطط العدوان الذي بنى تدخله العسكري في اليمن على هدف الإجتثات في مدة زمنية من أسبوعين إلى شهر أو شهرين في الحد الأعلى. ، فكيف حدث هذا ؟
لقد كتبنا وتكلمنا واستعرضنا في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية طوال فترة العدوان عن لتوازن العسكري بين تحالف دول العدوان وبين القوى الوطنية التي تواجه هذا التحالف الغاشم وأخضعناها لعملية مقارنة طويلة بما يمتلكه كل طرف من أسلحة وجيوش في مختلف صنوف الأسلحة الجوية والبرية والبحرية ، ولا داعٍ هنا للتفصيل والإعادة ، فكل الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي بمن فيهم كبار المحللين العسكريين والاستراتيجيين يعلمون جيدا أن ميزان التوازن العسكري يميل وبقوة وبملايين المرات لصالح دول تحالف العدوان التي تمتلك أقوى الأسلحة الجوية والبرية والبحرية الأمريكية والأوربية تطورا وتدميرا وتقنيتا في العالم ، مدعومة بوسائل رصد ومراقبة لعشرات الأقمار العسكرية الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية والبريطانية ،ومدعومة أيضا بغرف عمليات حربية يشرف عليها ويقودها كبار الضباط والمستشارين الأمريكيين والبريطانيين ، مع تدخل مباشر للأجهزة الاستخبارية الأمريكية والفرنسية والبريطانية وغيرها في إمداد قوات التحالف ببنك للأهداف في اليمن.
وهذا كله لا يقارن مع الطرف الآخر المدافع الذي لا يملك سوى أسلحة روسية تقليدية وقديمة حيدت جميعا في بداية الحرب أو دمرت بفعل القوة النيرانية الضخمة والمتطورة للتحالف وأصبحت بدن غطاء جوي ، ولم يبق سبيل آخر للجيش واللجان الشعبية إلا الدفاع عن الوطن بما توفرت لديه من أسلحة الكلاشينكوف والأسلحة المتوسطة وبعض قطع صواريخ الكاتيوشا والمدفعية وصواريخ الكتف المضادة للدروع ، ورغم هذا الفارق الكبير استعصى على قوات التحالف الدخول إلى صنعاء واجتثاث من أسمتهم ” الانقلابيين “، كما كانت تعلن وأصبح هذا الهدف بعيد المنال عليهم بل ومن المستحيل أن يتحقق.
لقد تمثلت أهم عوامل الصمود لليمنيين على النحو التالي :
* أولا العقيدة القتالية للجيش واللجان الشعبية التي تقوم على التوكل المطلق على الله والثقة بنصره سبحانه وتعالى، والإيمان بعدالة القضية التي يدافعون من اجلها ، وفي حسن الخطط العسكرية التي يستخدمونها في مواجهة القوة الضخمة للتحالف وبفعل الخبرات التي تراكمت لديهم أثناء الحروب الست في صعدة، وازدادت هذه الخبرات تراكما خلال الثلاث السنوات السابقة من الحرب ضد التحالف العدواني ،
* ثانيا نجاح القيادة العسكرية والسياسية في توفير الذخيرة لسلاح المدافعين من خلال العمل على تنفيذ خطط تطوير صناعتها لكافة صنوف ذخائر الأسلحة المستخدمة وسلاح القنص ، وذلك للتخلص من الرقابة والحصار لدول التحالف التي راهنت على استنزاف الجيش واللجان الشعبية في سلاحه وذخيرته وقواته – أي عنصره البشري ، لكن الجيش واللجان نجحوا في ذلك وأصبحت أعداد الجيش واللجان الشعبية عشرات الآلاف بل مئات الآلاف وأكثر تدريبا وتنظيما. ،
* وثالثا عملت القوة الصاروخية في الجيش واللجان على تطوير مديات ومسافات صواريخها حتى أصبحت تضرب الرياض وأبو ظبي وهذا ادخل رادعاً جديداً على المعادلة العسكرية بين الطرفين، وبحيث أصبحت مختلف مدن المملكة السعودية والإمارات وكل الأهداف الاستراتيجية العسكرية ومنها الاقتصادية في مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية. ،
* رابعا نجحت القيادة السياسية والعسكرية والاستخبارية في المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية من الانشقاق والتفكك وخاصة وسط الكتلة الصلبة التي تدعم الجيش واللجان الشعبية والمتمثلة في القبائل اليمنية وخاصة في الهضبة الشمالية.
* خامسا انتشار وارتفاع ثقافة التضحية والشهادة في سبيل الله والوطن والعرض إلى أعلى المستويات وسط المجتمع اليمني، وأصبحت الأسر اليمنية تتفاخر بتقديم الشهداء وتحول المجتمع اليمني إلى خزان قوي وكبير في رفد الجبهات بالمقاتلين .
* سادسا وهو الأهم وجود قيادة ناجحة وشجاعة قادت معركة صمود هذا الشعب العظيم بكل جدارة واقتدار وبنجاح منقطع النظير في المعركة العسكرية.، وغيرها من العوامل المتعددة لا يسعنا هنا أن نفصل أكثر.
لكن باعتقادي إن أهم النتائج لهذه الحرب والمواجهات بين الطرفين خلال ثلاث سنوات من الحرب وصول دول تحالف العدوان إلى قناعة تقول إنه يستحيل اجتثاث حركة أنصار الله عسكريا من على الأرض اليمنية ، وستبقى المعركة العسكرية بين الكر والفر لعشرات السنوات القادمة مهما استقدموا من جيوش إضافية ، وان فاتورة تكلفة الحرب في اليمن الاقتصادية والعسكرية والسياسية باهظة في الكلفة لهم، حتى أنها أصبحت تهدد استمرار قوة وهيبة المملكة ومكانتها الإقليمية والدولية،.
_ فالسعودية لم تستطع حسم هذه الحرب لصالحها هي وتحالفها وبكل ما تملك من حلفاء و تفوق عسكري واقتصادي، مما عرض هيبتها ومكانتها في المنطقة للخطر.
_ والسعودية لم تستطع حسم خلافها مع قطر بل انها تعرضت للإذلال في هذا الملف والسبب يرجع إلى تداعيات الحرب في اليمن عليها .
_ والسعودية فقدت الكثير من قوتها وضعفت أوراقها في بقية ملفاتها المفتوحة في المنطقة مثل الملف اللبناني والسوري والعراقي والليبي ، والسبب يرجع إلى تداعيات الحرب في اليمن عليها .
_ والسعودية تتكبد أكثر من 200 مليون دولار يوميا في حربها في اليمن ، وهذا يعد اكبر استنزاف لها وتداعياته خطيرة على الاقتصاد السعودي .
_ والسعودية تعاني الكثير من الضعف في جبهتها الداخلية بسبب فقدان شعبها للثقة بجيشها وأمرائها بسبب عدم تمكنها من الانتصار في هذه الحرب .
_ والسعودية خسرت مئات المليارات لشراء الولاءات ومواقف الدول في العالم من اجل مساعدتها في حربها على اليمن واستمرار نظامها وعرشها خوفاً من التهاوي والسقوط، والملاحقة الدولية لقياداتها كمجرمي حرب بسبب مئات المجازر البشعة بحق المدنين كجرائم حرب بحق الإنسانية، والتي أصبحت ملفاتها جاهزة ومعدة ومستوفية لم يبق سوى تحريكها ضدها، وهذا سيحدث عند أي اختلال في التوازن الإقليمي ليس لصالحها ، أو أي هزة عنيفة تحدث لديها داخليا وخارجيا ، وستبقى هذه الملفات محل ابتزاز من قبل الدول الأخرى والمنظمات للسعودية ،
_ والسعودية خذلت أسيادها الأمريكيين والأوروبيين في إظهار مقدرتها على قيادة ما يسمى المحور الأمريكي في المنطقة العربية ( السني) والبقاء متربعة ومنفردة على سدة هذه القيادة ، وفشلت في أول اختبار ، وخاصة مع وجود محور آخر منافس ومتربص بها ويتطلع لأخذ دورها وهو محور (تركيا _قطر الإخوان المسلمين) وهذا ما يورقها على الدوام، وطبعا السبب تداعيات الحرب في اليمن عليها .
_والسعودية أصبحت مرتبكة في قراراتها وكثيرة الأخطاء حتى أنها خسرت معظم من كانوا يتعاطفون معها ويؤيدها ويتحالف معها في الداخل اليمني بسبب دجلها وغدرها بهم وافتضاح ويؤيدونها ويتحالفون ، وقد يكون ملف طرد المغتربين اليمنيين من السعودية القشة التي ستقصم ظهر البعير ، وهذا الملف سيولد الكراهية ضد السعودية، وستعود السعودية في نظر كل اليمنيين كما كانت العدو التاريخي لليمن ،
_ والسعودية ستخرج من هذه الحرب وهي لا تستطيع حماية مدنها وقصورها وقواعدها العسكرية وكل الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية فيها من صواريخ الجيش واللجان الشعبية ، وهو الذي يستطيع ضربها متى شاء وفي أي وقت ، يعني أن الملك السعودي وأمراء المملكة فقدوا حتى أمنهم داخل قصورهم ،
لكن في المقابل على حركة أنصار الله والجيش واللجان الشعبية عدم الاستسلام لخطة السعودية وتحالفها في الاستمرار في فرض خرائط عسكرية على الأرض اليمنية لكل قوة عسكرية على حدة وذات حدود معينة ، عليها كسر هذه الحدود والخطة ومهاجمة قوات التحالف في الأراضي اليمنية أينما كانت في عدن، في العند أو في الجزر أو في سقطرى أو شبوة أو المكلا وغيرها ،
كما عليها المهاجمة المستمرة والتوغل في جنوب المملكة وفي الأراضي اليمنية المحتلة في نجران وجيزان وعسير وغيرها ، وضرب الأهداف الاستراتيجية في السعودية والإمارات وتكبيدها الخسائر الكبيرة وفرض واقع عسكري آخر عليها ليس لصالحها لإجبارها على إنهاء عدوانها ومعالجة آثار كل ما قامت به في اليمن ،
أما إذا رضينا واستسلمنا لهذه الخارطة فإن تداعياتها خطيرة عليها وستنعكس على الجميع أيضا ، وخاصة سلطة صنعاء وحركة أنصار الله مستقبلا مهما كانت الحسابات.
أخيرا.. ما هو مستقبل الحرب ومستقبل العملية السياسية بين اليمنيين ؟
لا خيار أمام اليمنيين إلا الدفاع والاستمرار في الحرب طالما بقي العدوان مستمراً على اليمن.
لكن من المؤكد أن كل ما حدث خلال الثلاث سنوات من الحرب على اليمن وعلى ضوء ما تناولناه سابقا ، اعتقد انه سيحدث تغييرات جوهرية في خارطة التحالفات السياسية الداخلية وستتبدل القناعات السياسية لكثير من قيادة وقواعد المكونات السياسية اليمنية الداخلة في معمعة هذه الحرب منذ البداية مثلما تغير المزاج الشعبي اليمني كثيرا ضد التحالف وخاصة في المناطق الجنوبية والشرقية والوسطى ، وسيدفع هذا لتقارب بينها وبين القوى المدافعة وقد تتحالف معها أو تنضم إلى صفوفها.
هذا الأمل والتوقع يحذونا في ظل التوجه السياسي الناجح والمشجع لقيادة حركة أنصار الله حينما قطعت الشك باليقين عندما أعلن قائد الثورة التزام الحركة بالنظام الجمهوري وبوحدة الدولة اليمنية وبدستور الجمهورية اليمنية، مما جعل إمكانية التواصل والتلاقي بين اليمنيين ليس صعبا ، وكذلك امكانية توحد الجميع في حكومة وحدة وطنية واحدة مع الاعتراف بكل المظلوميات ومعالجة كل الأخطاء السابقة وضمان حيادية مؤسسات الدولة وان تكون ضمانة للجميع و…و..
سيشجع هذا التقارب أكثر بين اليمنيين ومكوناتهم وسيقطع الطريق أمام العدوان وأعوانه في الداخل، الذين حاولوا مرارا تصوير حركة أنصار الله على أنها حركة تسعى لقيام دولة هاشمية إمامية انفصالية في صنعاء ،
برأيي الآن، الكرة في ملعب القوى والمكونات الأخرى ، يجب أن يلاقوها في منتصف الطريق ويتحملون المسؤولية التاريخية في الوصول إلى الحلول والتقارب وتوحيد الجبهة الداخلية أكثر وأكثر للوطن اليمني من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله في سبيل طرد الغزاة.
وبالتالي هذا سيفشل خطط العدوان المتمثلة بجعل أي قوة سياسية وعسكرية في اليمن لا تستطيع حسم الحرب وإعادة توحيد الدولة اليمنية والشعب اليمني تحت راية وعلم الجمهورية كما جاء في تقرير خبراء لجنة الأمم المتحدة .
لا خيار أمام المكونات اليمنية إلا الاعتراف ببعضهم وبتساويهم في الحقوق والواجبات والمحافظة على الدولة الواحدة قبل أن ينزلقوا إلى حرب أهلية وتصفيات بينهم قد تستمر لعشرات السنين .
جبهة الوعي يجب أن تتسع بين اليمنيين ، واستغلال تغيرات مسارات هذه الحرب وانكشاف نوايا العدوان ، وما قام به العدوان يجب أن يستغل من الجميع في توحيد الروى والتقارب ، والتحريض المذهبي والطائفي بين اليمنيين يجب أن يوقف ويجرم في كل الوسائل من قبل كل المكونات والأطراف..
السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أكد في آخر مقابلة مع قناة الميادين اللبنانية حول الأزمة اليمنية على التسوية السلمية لهذه الأزمة بين اليمنيين وعدم جدوى الخيار العسكري ، وبالتالي سيتوحد اليمنيون في نهاية المطاف وقال إنه سوف يلتقي اليمنيون وسيكونون حكومة وحدة وطنية بينهم وجيشاً موحداً للدولة اليمنية الواحدة هذا ما يجب أن يتم ، وعلى كل الأطراف السعي نحو هذا الهدف.
بصريح العبارة يجب أن نحذر كل القوى والمكونات السياسية في الوطن بما فيها حركة أنصار الله،نقول لهم جميعا: الشعب اليمني قدم الكثير من التضحيات والأثمان الباهظة وليس مستعدا أبدا أن يقبل في أي حال من الأحوال التنازل أو القفز فوق هذه التضحيات والصمود.
_ الشعب اليمني ليس مستعدا للعودة إلى تحت الوصاية السعودية وهيمنتها عليه مرة أخرى وتدخلها في حياته والتحكم بمصيره،
_ والشعب اليمني ليس مستعدا بعد كل كل ما حدث أن يفرط بوحدة وطنه أو يتنازل عن أي شبر من أرضه في الجزر أو في أي مكان على ارض اليمن لأية دولة،
والشعب اليمني لم يقم بثوراته ويضحي كل هذه التضحيات من اجل تقسيم اليمن الى دويلات متناحرة وعميلة لدول العدوان. أو سلخ أي جزء من أرضه لصالح دولة أخرى .
سيواجه كل طرف سياسي بغضب وتمرد شعبي كاسح ضده في حالة قرر القفز على تضحيات اليمنيين وثوابت الوطن ، وستتحمل المسؤولية التاريخية أي قوة إن هي سكتت أو ساعدت في تقويض الدولة اليمنية الواحدة ووحدة شعبها.
أخيرا نقول، التحية والسلام لرجال الله في الميدان ، والرحمة والخلود لشهداء اليمن ، والشفاء للجرحى ، والنصر والعزة للشعب اليمني العظيم .