الحرب السعودية على اليمن(1- 3)
> آل سعود… بطولة من ورق
إبراهيم محمد الهمداني
بعيداً عن منطق العمليات الحسابية ولغة الأرقام ومعطيات السوق المالية، هناك منظور آخر لحساب عمليتي الربح والخسارة في مختلف مجالات الحياة، استناداً إلى فلسفة أكثر شمولاً وعمقاً من جزئيات المال/ المادة وسطحيتها، وتزمينها الآني المتغير، وهي فلسفة صالحة لقراءة واختبار معظم المواقف في مجالات الحياة المختلفة، من خلال عرضها على معيار الفضيلة في منظومة القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية النبيلة، ومنهج الإخاء الإنساني.
بهذا المعيار يمكننا اختبار حقيقة مختلف الأعمال والمواقف والأنشطة الإنسانية، وتحديد طبيعة المنفعة التي حملتها التحولات الحضارية للجنس البشري، في مراحلها النهضوية المتعاقبة.
– الحرب في ميزان الفضيلة.. ربحٌ أم خسارة؟
مما لا شك فيه أن الحرب في طابعها العام لا تعدو كونها وسيلة عنف هدامة، تنافي مقتضيات الحياة السعيدة واشتراطات الأمن والاستقرار والسلام، وهو ما يجعلها مكروهة مذمومة في التصور الجمعي العام، وتعد مخالفة هذا التصور العام شذوذا مرضيا منافيا لطبيعة الفطرة الإنسانية، التي تأبى القتل لمجرد القتل فقط، غير أن الحرب تعد – من جانب آخر – ضرورة قصوى، نزولا عند مقتضيات حق البقاء والدفاع عن النفس، وكف الأذى ودفع الضرر، وهو ما أمرنا به الله تعالى في أكثر من موضع، من أجل قمع قوى الشر والطغيان، والحفاظ على النوع الإنساني، والناموس الإلهي للحياة، وإقامة الحق والشرع الإلهي، والسعي نحو تحرير الإنسان، وتعبيده لله تعالى وحده.
وهذا الطرح يجعلنا نتساءل: ما طبيعة الحرب السعودية على اليمن؟ وفي أيٍّ من السياقين السابقين يمكن أن نضعها؟؟.
أحدثت الحرب السعودية على اليمن جدلا واسعا على مستوى المشهد السياسي العالمي والإقليمي، وتعددت صورها وسياقاتها بتعدد الذرائع والمبررات المزعومة بشأنها؛ فمن كونها حربا دينية تحد من نفوذ (التشيع الفارسي) في اليمن، وتحد من خطر الفرس على الدين الإسلامي، إلى كونها حربا سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تهدف إلى الحد من اتساع جغرافيا تحالفات إيران وروسيا في المنطقة، إلى الادعاء بأنها حرب أخوية، هدفها إعادة الشرعية والقضاء على الانقلابيين، إلى غير ذلك من المبررات الواهية التي اتخذت صورا متعددة، اختلفت تبعا لها وجهات النظر نحو طبيعة الحرب وآليات تناولها وقراءة متغيراتها.
ونحن هنا نضع بين يدي القارئ الكريم طبيعة تلك الحرب كما أثبتتها الأحداث وسجلها الواقع؛ فالحرب على اليمن تم إعلانها من العاصمة الأمريكية واشنطن، على لسان وزير خارجية آل سعود، الذي آثر أن يعلنها من واشنطن وليس من الرياض عاصمة مملكة آل سعود، ولاختيار المكان دلالاته السياسية المستقبلية، وتلى ذلك الإعلان تأييد أمريكي وتعهد بالدعم اللوجستي، ومباركة إسرائيلية صهيونية وتشجيع ورضى تام، ومن خلال هذه الخيوط الأولية يتضح أن الحرب السعودية على اليمن، لم تكن رغبة سعودية ذاتية محضة، بغض النظر عن الأسباب الحقيقية أو الوهمية، وأنها – في حقيقتها – رغبة سعودية أمريكية صهيونية ثلاثية مشتركة، حسب الظهور الأولي للاعبين الرئيسيين فيها، ورغم أن هذه الحرب اتخذت صورة تحالف شكلي ومسمى عربي مفرغ، من أجل شرعنة اعتدائها على اليمن أرضا وإنسانا، إلا أنها سرعان ما ناقضت نفسها بإعلان الكيان الصهيوني اشتراكه مع السعودية بعدد من الطائرات المقاتلة، بعد إعلان أمريكا مشاركتها بتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي وتزويد الطائرات بالوقود والسلاح، وبذلك وغيره اتضح بما لا يدع مجالا للشك، خروج الحرب السعودية على اليمن عن طابعها المنتظم في سياق الشأن العربي الداخلي، وصبغتها العربية المزعومة، وذرائعها الدينية أو القومية، التي لا تعدو كونها شعارات فارغة المحتوى، ولا تعدو فوبيا إيران والتشيع كونها مظلة شمعية، حاولت الدول التي تبنت الحرب على اليمن التستر خلفها، والاختباء من وهج شمس الحقيقة تحتها، إذ يستحيل عقلا وواقعا أن تقف أمريكا وإسرائيل لنصرة مظلوم، أو لإعادة الحق إلى نصابه، أو لحماية الدين الإسلامي والقومية العربية، وهذا بحد ذاته ينسف كل تلك الصور الملفقة لطبيعة الحرب وأسبابها، ويحتم علينا البحث مرة أخرى – بعمق وروية – عن طبيعة تلك الحرب ومبرراتها الحقيقية، من خلال قراءة الأحداث والوقائع السياسية والعسكرية وتداعياتها، وانعكاساتها المحلية والإقليمية والعالمية، بعيدا عن التعصب المسبق، أو الاستسلام المطلق لمخرجات ماكينة الإعلام الإمبريالي.
أثبتت الوقائع والأحداث السياسية والتصريحات والمواقف الدولية، منذ بداية الحرب على اليمن وحتى الآن، أنها ذات طابع ثلاثي، تضافرت فيه وتكاتفت قوى مثلث العدوان السعودي المنفذ والأمريكي الداعم والصهيوني المشارك، بينما لا تعدو طبيعة تدخل القوى الأخرى – العربية – المنضوية تحت مسمى التحالف العربي، كونها لاعبا هامشيا، يؤدي دور الكومبارس، لإضفاء نوع من الشرعية والإجماع العربي ضد الشعب اليمني، بينما غاب ويغيب هذا الدور الهامشي والإجماع المزعوم، حين يتعلق الأمر بقضية القدس ونصرة الشعب الفلسطيني.
إذن: ما حقيقة الحرب على اليمن، وما الذي تريده السعودية من وراء تزعمها قيادة هذه الحرب، وما انعكاسات هذا الدور عليها مستقبلا، وهل اليمن فعلا خطر يهدد أمن المملكة السعودية؟؟؟.
طالما حدثتنا كتب التاريخ التي اهتمت بتاريخ المملكة السعودية، عن مراحل نشأتها وتوسعها واستقرارها، وطبيعة علاقاتها المرتبطة أساسا بالقوى الاستعمارية، وتفاصيل تلك العلاقات التي تحولت إلى صورة وصاية – بريطانية وأمريكية – على النظام السعودي، وقد وثقت تلك الوصاية عددا من المعاهدات والاتفاقيات السرية والعلنية، وهي في مجملها تنص على تعهد أمريكا بحماية النظام السعودي، وضمان استمرار الحكم في أسرة آل سعود، مقابل حصولها على نسبة من الثروات والامتيازات، وضمان استمرار مصالحها وعدم مخالفتها في القرار السياسي/ السيادي، بمعنى أن الحكم الفعلي يكون لأمريكا من خلال آل سعود، ولكن هل كان هناك خطر حقيقي يهدد أمن واستقرار المملكة، وهل كان هناك فعلا عدو يتربص بآل سعود، بحيث يتطلب الأمر حماية أمريكا والاستعانة بقواتها وأساطيلها؟! ألم يكن حماة الحرمين قادرين على حماية أنفسهم ومملكتهم؟ ألم يكن ارتباطهم بالمقدسات الدينية كفيلا بحمايتهم وكف طلب الثائرين عليهم، وفتح صفحة جديدة معهم – على الأقل – إجلالا لتلك المقدسات ومكانتها في الوجدان الجمعي الإسلامي؟؟!.