إلى الإعلاميين العرب: قولوا شيئا عن اليمن!

 

عباس السيد

“مظلومية اليمنيين تتجاوز مظلومية الشعب الفلسطيني ” هكذا قارن السيد حسن نصرالله بين المظلوميتين في واحد من خطاباته. ولأنها كذلك ، يعتبر السيد نصرالله أن ” أعظم وأفضل وأشرف شيء عمله في حياته ، هو الخطاب الذي ألقاه ثاني يوم العدوان على اليمن ” .
تجاهل السيد نصر الله عقوداً من نضاله السياسي والجهادي داخل وخارج لبنان ، بما فيها من إنجازات وتضحيات ، وبدا له خطابه المندد بالعدوان السعودي الأمريكي وتضامنه مع الشعب اليمني ، هو العمل الأعظم والأفضل والأشرف في حياته.
السيد نصر الله لم يبالغ أبدا ، سواء في توصيفه للمظلومية اليمنية ، أو في عظمة موقفه منها. وهو بذلك يعبر عن نفسه كإنسان ، بعيد عن السياسة وحساباتها.
وهنا اسأل إخواننا الإعلاميين العرب :
– هل سمعتم عن شعب هو ضمن الأفقر في العالم ، تشن عليه حرب وحصار من تحالف دول هي الأغنى والأقوى في العالم لثلاث سنوات متواصلة ؟.
– هل سمعتم عن غارات جوية بأحدث الطائرات تستهدف حفلات أعراس ومراسم عزاء وأسواق شعبية، ومخيمات للنازحين وغيرها من الأهداف المدنية باستمرار؟.
– هل سمعتم عن شعب يعيش بدون كهرباء ولا خدمات مياه ولا مرتبات لسنوات ؟.
– أكثر من 13 ألف شهيد بينهم 5 آلاف طفل وامرأة . والجرحى يتجاوزون 22 ألفا. ـ أكثر من 400 ألف منزل دمرها القصف . والنازحون داخليا قرابة 3 ملايين . ليس هناك مجال للنزوح الخارجي ، فالبلد تحول بفعل الحصار البري والبحري والجوي إلى سجن كبير مساحته نصف مليون كيلو مترمربع . الخدمات الصحية شبه منهارة ، وحالات الإصابة بالكولوليرا وصلت إلى المليون.
لا حدود لمأساة اليمنيين والوضع الكارثي الذي يعيشونه ـ بحسب تقارير أممية ـ هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
الحرب على اليمن تشهد أكبر عملية تضليل وتزوير وتعتيم في التاريخ . ما يدور في اليمن ليست حربا ، إنها كارثة من صنع البشر، تتم فيها إبادة شعب .. نعم هذه ليست حربا ، والدول المتحالفة في الحرب على اليمن ليست دولا.
اليمن يواجه عصابات دولية ، عصابات بإمكانات دول ، عصابات حاكمة تقمع شعوبها ، وتغتصب السلطة في بلدانها ، ولا تخشى لوم أو محاسبة مؤسسات شعبية أو رسمية ، ولا نقد أحزاب منافسة .
” ديفيد ” والمظلومية اليمنية
قبل أشهر ، وجه الإعلامي في قناة ” i24″ ديفيد شوستر تحديا لزملائه في القنوات الإخبارية الأمريكية الشهيرة بأن ” يقولوا شيئا عن اليمن ” .
ديفيد الذي ينحدر من أصول يهودية ويعمل في قناة مملوكة ليهودي ، قطع برنامجه الإخباري ، ووجه التحدي لزملائه الذين حددهم بالإسم.
لا يمكن تفسير تعاطف الإعلامي الأمريكي ديفيد شوستر مع اليمنيين إلا أنه بدافع إحساسه بمظلومية اليمنيين ومعاناتهم بفعل الحرب والحصار ، وبدافع من مسؤوليته كصحفي وإنسان .
ديفيد آخر
في مقال له بموقع ميدل ايست آي ، وصف ” ديفيد هيرست ” بعضا من الحكام الذين يتصدرون قيادة تحالف الحرب على اليمن بأنهم : ” جيل جديد من الأشقياء الخليجيين الشباب ، الذين لا يُظهِرون التوقير والاحترام ، ويمارسون التفحيط، ويلتقطون صور السيلفي أمامك ، ثُمَّ تجدهم يظهرون في انقلابٍ ما قريباً منك”. وقال في وصفهم أيضا : ” طموحهم الجيوسياسي يتجاوز مقدراتهم ، يعتقدون حقاً أنَّ لديهم القدرة على فرض إرادتهم ليس على شظايا الدولة الفلسطينية فقط ، بل وعلى المنطقة ككل .. ينظرون إلى الليكود باعتباره شريكهم الطبيعي، وإلى جاريد كوشنر ـ صهر ترامب ـ باعتباره محاوِرهم الحصيف. ولا تحتوي قواميسهم مفردات التفكير، أو التدبُّر، أو التعاون، أو الاستشارة، أو التوافق .. ” .
من بيروت إلى صنعاء
لقد كان من حسن حظ اللبنانيين أنهم نجوا من مخطط مشابه ، وتمكنوا من استعادة رئيس حكومتهم الذي كان مختطفا في الرياض ، بينما فشل اليمنيون في استعادة رئيسهم وحكومتهم المختطفة منذ ثلاث سنوات ، وقد تحول المخطوفون إلى مجرد أدوات مسيرة لا تملك قرارها . فمثلما كانت استقالة الحريري بضغط سعودي ، كانت استقالة هادي وحكومته في يناير 2015م ، ثم عودتهما عن الاستقالة ، بضغوط سعودية أيضا .
وفقا لرؤية حكام الخليج ، لا فرق بين شعوب المنطقة ، وكلها أدنى من السعودية ، طالما أنها فقيرة ولا تنتج ملايين من براميل النفط ، واللبنانيون مجرد ” معلمو شوارما ” كما جاء في صحيفة عكاظ .
تضليل مستمر
التحالف الدولي بقيادة السعودية ، أعلن شن الحرب على اليمن قبل نحو ثلاث سنوات بذريعة ” استعادة الشرعية في اليمن ” فهل يستحق هذا الهدف ، كل هذا القتل والتدمير ؟.
ما يجري في اليمن ليست حربا من أجل استعادة ” الشرعية ” وليست حربا بين سنة وشيعة ، وليست حربا ضد ” الانقلابيين الحوثيين ” هذا جزء آخر من التضليل ، لا ينبغي لإعلامي عربي متابع أن يقع في فخه ، ويكتفي بمتابعة المعارك اليومية ورصد نتائجها من تقدم وانكسار وقتل وأسر .. فهذه الأخبار لا تقدم صورة حقيقية للحرب في وعلى اليمن . تلك مجرد أصداء للمعركة الحقيقية التي تدور في اليمن ، وهي معركة قذرة تستهدف التاريخ والجغرافيا اليمنية . وسيكون اليمن محظوظا إن اكتفى تحالف الحرب الذي تقوده السعودية بتحويله إلى صومال آخر ، هذا إن سُمح له بتنفيذ مخططه .
لم يترك التحالف لليمنيين من خيار سوى الصمود ، مهما كانت نتائجه ، فالموت صمودا في جبهات القتال ، أقل ألما من الموت بسكاكين ” داعش ” التي تقاتل تحت لواء الشرعية المدعومة من الخارج . وهو أيضا ـ الصمود ـ أقل تكلفة في الحسابات السياسية على اليمن ومستقبلها .
تضليل آخر
ما يعرف بالمحافظات والمناطق اليمنية المحررة ” التي تسيطر عليها قوات التحالف والفصائل المحلية الموالية لها والتابعة للشرعية المقيمة في الرياض ، وتشكل نحو 70 % من مساحة الجمهورية اليمنية ” تعيش واقعا مرعبا من نوع آخر. صحيح أنها لم تتأثر كثيرا بالحرب والحصار كالمحافظات الشمالية ، إلا أنها تساق إلى المجهول . السلطة الشرعية فيها ديكورية ، والقرار لضباط الاحتلال ، ولا صوت يعلو على صوت الميليشيا .
الرئيس هادي ، الذي يدعي التحالف دعم شرعيته ، يُمنع من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن ، والمحافظون والمسؤولون الذين يُعينهم هادي في تلك المناطق ، لا يتمكنون من ممارسة مهامهم . وعلى سبيل المثال ، لا يُسمح لمحافظ تعز بزيارة المديريات الساحلية المحررة والمطلة على باب المندب ، وقد باتت منطقة عسكرية مغلقة على القوات الإماراتية وميليشيات محلية موالية لها .
باختصار : المناطق ” المحررة ” هي في الحقيقة محتلة بامتياز ، لكن قوى الاحتلال لا تعلن عن ذلك بشكل رسمي ، أولا ، لأنها قوى متعددة ، وكل منها يعمل بالوكالة عن آخرين . وثانيا ، حتى لا يتحمل المسؤولية فيما قد تؤول إليه الأوضاع في تلك المناطق . وهذا الوضع يدفع الجيش واللجان الشعبية اليمنية ، وأبناء المحافظات الشمالية إلى المزيد من الصمود ليتجنبوا واقع ” المحافظات المحررة ” .
مفارقات
عرضت في هذا المقال مواقف الصحفيين ” ديفيد الأمريكي ، وديفيد البريطاني ” من الحرب على اليمن وما يعانيه اليمنيون ، وأختتمه هنا بموقف إعلامي عربي مسلم ، هو للكاتب الكويتي ناصر العبدلي ، والذي يرى أن التدخل السعودي في الحرب على اليمن وسوريا وحصار قطر أسبابها داخلية بحتة ، وترتبط ارتباطا عضويا بمشروع الإصلاح الذي يتبناه محمد بن سلمان في السعودية .
وقال العبدلي في مقاله الذي نشر في ” رأي اليوم ” الإلكترونية ، إن التدخل السعودي في تلك البلدان يُعد : ” إحدى أدوات الأمير الشاب في التأثير على الداخل ، إذ لم يكن من الممكن قبول دوره الجديد داخل أسرة آل سعود دون أن يكون هناك تحرك خارجي بهذا الحجم لإرباك خصوم دوره الجديد داخل الأسرة ، وشل المؤسسة الدينية تجاه أي تدابير مضادة يمكن أن تقوم بها بتحريض من أطراف في الأسرة بهدف إجهاض مشروع الإصلاح .” .
ويستطرد الكاتب سرد الصعوبات المحتملة أمام ” الأمير الشاب ” ويختتم مقاله : ” لكن مع كل ذلك هناك فرصة كبيرة لأن ينجح مشروع التحديث وتتحول المملكة إلى دولة طبيعية قائمة على مؤسسات حقيقية ” . !
لا يكترث العبدلي لما يحدث في اليمن من قتل وتدمير مستمر منذ ثلاث سنوات ، وينظر لكل تلك المأساة بأنها ” أداة بيد الأمير الشاب ” لتنفيذ برنامجه الاصلاحي لمملكته .! وهو بهذا الموقف يبدو وكأنه يصبغ للأمير سجادا أحمر من دماء اليمنيين ويبني له جسرا من ركام اليمن ، كي يصل بالأمير الشاب إلى العرش !.
وهنا تتجلى المفارقة بين ديفيد وناصر العبدلي ، بين نصر الله ، وناصر الشيطان ، بين الإنسان والحيوان .
ختاما : أدعو اخواننا الإعلاميين العرب إلى أن يقولوا شيئا عن اليمن ، ليس من أجل اليمن واليمنيين فقط ، بل من أجل أنفسهم ومن أجل أوطانهم ، فما يحدث في اليمن ليس سوى فصل من فصول المؤامرة التي تستهدف الجميع .

aassayed@gmail.com

 

قد يعجبك ايضا