كارثة كتمان الفساد مظلة له وشراكة معه
عبدالرحمن علي علي الزبيب
خطورة كتمان الفساد عن الشعب كونه محفزاً لتفشي الفساد واطئمنان الفاسد بأن فساده محجوب ومخفي ويستمر في خداع الشعب بقناع يخفي وجهه القبيح وستتحول أجهزة مكافحة الفساد إلى مظلة ومخازن للفساد وربما البعض قد يكون شريكا معه بإرادته وعلمه أو دونها بسبب كتمان الفساد .
لن تنجح أي جهود لمكافحة الفساد ما لم يتم تعزيز الشفافية الكاملة لوقائع وقضايا الفساد بلا استثناء باعتبار ذلك أسلوباً رادعاً وعقاباً شعبياً ورسمياً وفي نفس الوقت حقاً للمجني عليهم من جرائم الفساد وهم هنا جميع افراد الشعب باعتبار الفاسد ليس سوى سارق كبير يسرق أموال تعود ملكيتها لجميع افراد الشعب بلا استثناء ومن حقهم معرفة من ارتكب في أموالهم العامة جريمته وكتمان جرائم الفساد تعتبر مظلة وحماية للفاسدين وتشجيعهم لاستمرار وتكرار فسادهم لأن السارق يستمر في تكرار سرقته إذا لم يتم كشفه وفضحه وكذلك الفاسدين .
الاغرب من ذلك تبرير الجهات الرقابية الرسمية والقضائية بكتمان جرائم الفساد بأنه للمصلحة العامة واي مصلحة عامة في حماية الفاسدين ؟؟!
والبعض يبرر الكتمان من أجل اكتمال الإجراءات القانونية في وقائع الفساد حتى لاتفشل ويتم عرقلتها وهذا المبرر يناقضه الواقع حيث ان معظم جرائم الفساد احيطت بالكتمان والسرية الكاملة وتوقفت في ادراج المكاتب ومخازن الأجهزة الرقابية واستمرت لسنوات طويلة ولم تتحرك رغم كتمانها!
بسبب كتمان الفاسد اصبح الفساد في وطني اسطوانة مشروخة تستمر وتتكرر بلا حدود ولا قيود ولا خوف ولا رادع.
كتمان أي جريمة والتستر على مرتكبها يعتبر جريمة يعاقب عليه القانون، والفساد …
أليس جريمة؟!.. ولماذا لايعاقب من يكتمها ويتستر عليها ؟؟
كتمان الفساد أفرغ مكافحة الفساد من مضمونها وتحولت جميع أجهزة مكافحة الفساد إلى أجهزة مشلولة وعاجزة وقد تكون للأسف الشديد ربما متواطئة .
نتفاجأ بظهور ملفات فساد خطيرة تم كتمانها على الشعب لو ظهرت لتوقف الفساد وكشفت اقنعته وسيكون كرتاً محروقاً لاثقل له ولا أهمية.
كتمان الفساد يؤدي ليس فقط إلى شلل الأجهزة الرقابية والقضائية بل ويضعفها لأن ضغط الفاسدين عليها سيكون تأثيره اكبر بسبب الكتمان ولو تم النشر والإعلان عنها لتقلمت مخالب كثير من الفاسدين وارتفع مستوى الوعي المجتمعي بخطورة الفساد ووجوبية المكافحة وتعززت ثقة الشعب في الأجهزة الرقابية والقضائية لأن النشر سيعزز من الأمل في مكافحة الفساد وسيكسر تابوه الفساد وسيتم رفع أوراق التوت عن الفاسدين ليتم تعريتهم وهي خطوة كبيرة جداً ومؤثرة لتجفيف منابع الفساد واستئصاله لأن الأقنعة والقشور التي يتخفى بها الفساد والفاسدون بسبب كارثة الكتمان التي تصعب الإجراءات القانونية ضدهم بل ربما يؤدي الى استحالتها .
إيقاف واستئصال كارثة كتمان الفساد من جميع مفاصل مؤسسات الدولة ومنظوماتها القانونية سيؤدي إلى تعزيز النزاهة وحصر الفساد في زاوية ضيقة جداً وسيتساقط كثير من المنتفعين من كارثة الكتمان الذي أصبحوا طابوراً طويلاً يقوي ويعزز ويحمي الفاسدين بل وقد يبتزهم ليشارك في غنيمة الفساد ومن مصلحتهم استمرارية الفساد وكتمانه لأنه يحافظ وينمي مصدراً هاماً من مصادر دخلهم الشاذ واللامشروع .
الأخطر في كتمان الفساد هو تعزيز جريمة التستر على جرائم الفساد بنصوص قانونية شاذة منتشرة في جميع أجزاء المنظومة القانونية مثل السرطان تصنع مظلة كبيرة لحماية الفاسدين والتستر على جرائم الفساد وتصنع حاجزاً فولاذياً تحيط وتحمي الفاسدين وتكتم انفاس مكافحة الفساد بتكتيم وقائعه .
والأخطر من ذلك كله تجريم ومعاقبة من يفضح الفساد ويكشفه للشعب وبذلك تنعكس المعادلات ويتحول الفاسد الى حمل وديع ويستمر في خداع الشعب وفساده يتحول إلى مصلحة عامة بسبب كارثة كتمان الفساد .
هذا التصرف الشاذ في تجريم كاشفي الفساد للأسف الشديد تم تعزيزه في المنظومة القانونية لالزامية الكتمان أيضاً بحلف ايمان مغلظة بكتمان الفساد وعدم افشائه وإلزام قيادات الأجهزة الرقابية الرسمية بحلف يمين عند التعيين يلتزم بموجبها بكتمان الفساد .
لم تظهر هذه الثغرة الخطيرة في المنظومة القانونية الا عند رفض احد قيادات الأجهزة الرقابية حلف يمين كتمان الفساد عند تعيينه وانكشفت فضيحة الكتمان, ما يستوجب ان يتم إعادة النظر في كارثة الكتمان وقصقصة جميع النصوص القانونية الشاذة التي تحمي الفاسدين بتكتيم فسادهم واستبدالها بنصوص تفضح الفاسد وتعزز من الشفافية الشاملة بوقائع الفساد بلا استثناء وأن تكون هذه الخطوة الجريئة بداية طريق طويلة من تفكيك لأغطية كتمان الفساد تمهيداً لمكافحته واستئصاله .
كون الكتمان يحول بذلك ويحرف دور الأجهزة الرقابية من رقابة ومكافحة للفساد الى حصن حصين للفساد والفاسدين وملفاتهم .
لتستمر ملفات الفساد في مخازنها تضرب فيها العنبكوت شباكها ويواصل الفاسدون خداعهم لاطمئنانهم التام ان ملفات فسادهم مخزونة بين أيادٍ أمينة .
وفي الأخير :
نطالب بإلغاء واستئصال كارثة كتمان الفساد من جميع مفاصل مؤسسات الدولة ومنظوماتها القانونية وتعزيز الشفافية الكاملة في جميع وقائع الفساد بلا استثناء ليرتدع أي فاسد ويتوقف عن العبث بأموال الشعب, ومن يستمر في الايغال في فساده سيفضح ويتعرى ليتم خلس ظهره بسوط القانون واستعادة أموال الشعب المنهوبة .
بإلغاء كارثة كتمان الفساد على الأقل سيتوقف الفاسد عن الاستمرار في فساده لأنه فاسد .
ونؤكد على إيقاف كارثة كتمان الفساد لإيقاف لوبي المصالح والمنتفعين من كتمان الفساد والمتاجرين بالفساد وتتحول ملفات الفساد فقط إلى أدوات ابتزاز لتحقيق مصالح شخصية شاذة مقابل الحماية والكتمان وتحقيق شراكة بين عصابات الفساد والمنتفعين منه .
برفض كتمان الفساد ستسقط أوراق التلاعب بالفساد والمتعيشين منه وهؤلاء مصلحتهم تفشي الفساد وتطويره وكتمانه ليتم ابتزازه وتقاسم غنيمته معهم وستسقط كثير من الاقنعة التي كانت تخفي قبح وبشاعة الفساد بل وستتوقف كثير من مطابخ تجميل الفاسدين لأن غطاء الكتمان افتتح وفاحت رائحة الفساد الكريهة وظهر الوجه القبيح له والذي لن يقبل الشعب به وسيتم بذلك تحجيم الفساد واستئصاله ولن يتحقق ذلك ما لم يتم توقيف كارثة الكتمان لأن كتمان الفساد مظلة له وشراكة معه.
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com