فجّر قرار السلطات السعودية رفع أسعار الوقود، في أول أيام العام الجديد 2018، موجة غضب عاتية في صفوف السعوديين، خاصة أنه تزامن مع زيادات أخرى شملت غالبية البضائع والخدمات؛ بفعل تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
وعلاوة على حالة الغضب الشعبي، دفعت الزيادة في أسعار الوقود خبراء وصحفيين اقتصاديين إلى التحذير من آثار القرار في القدرة الشرائية للمستهلك ونِسَب ادخاره، الأمر الذي سيترك تبعات سلبية على اقتصاد البلاد الذي يعيش حالة انكماش تقتضي إطلاق سياسات تحفيزية لا ضريبية.
وقرّرت السلطات السعودية، الاثنين 1 يناير 2018، رفع أسعار البنزين، بنسب تراوحت بين 82 و126%.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، قالت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية، إن بنزين 91 سيباع بسعر 1.37 ريال (الدولار يساوي 3.75 ريالات) للتر بدلاً من 0.75 ريال، بزيادة قدرها 82.6%، وسيباع بنزين 95 بسعر 2.04 ريال للتر بدلاً من 0.90 ريال، بزيادة قدرها 126.6%.
وسيظلّ سعر الكيروسين والديزل للشاحنات دون تغيير؛ حيث بقي الأول عند سعر 0.47 ريال للتر الواحد، والثاني عند سعر 0.64 ريال للتر، وقد أشارت الوزارة إلى أن هذه الأسعار تشتمل على ضريبة القيمة المضافة.
وما إن أعلنت الحكومة هذه الأسعار حتى تفجّرت حالة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً للقرار ولـ “سياسات الحكومة السعودية التي تقود المواطنين نحو مزيد من الظروف الاقتصادية السيئة”.
واتّهم مغرّدون مسؤولي السعودية بـ “نهب أموالهم ودفعهم نحو كارثة اقتصادية، بينما هم ينعمون بحياة رغيدة في قصورهم”.
انتقاد وتساؤلات
الصحفي والكاتب السعودي فارس المحيميد، قال في تغريدة له عبر “تويتر”: إن “رفع قيمة الوقود مشكلة ستعاني منها فئة كانت تُعاني مالياً قبل الزيادة، ومنهم طلاب الجامعات والموظفون ذوو الدخل المحدود. أعان الله الجميع على زيادة هذه التكلفة”.
في حين كتب الصحفي تركي الشلهوب، على حسابه في موقع “تويتر”: “450 مليار دولار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 450 مليون دولار ثمن اللوحة، و100 مليون دولار لإيفانكا ترامب، و500 مليون دولار ثمناً لليخت، و300 مليون دولار ثمن شراء قصر بفرنسا، وعشرات المليارات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولبنان”.
وأضاف الشلهوب متسائلاً: “كيف يتم تعويض هذه المبالغ الضخمة؟”، ليجيب على نفسه في ذات التغريدة قائلاً: عبر “فرض ضرائب، ورفع أسعار الوقود، ورفع أسعار الكهرباء، ورفع أسعار السلع والخدمات”.
وكان الكاتب الصحفي السعودي يشير في حديثه عن اللوحة واليخت والقصر إلى أنباء نقلتها وسائل إعلام غربية، بينها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مؤخراً، حول شراء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للوحة المسيح المخلّص للرسام ليوناردو دافنشي، من مزاد في نيويورك، واقتنائه يختاً بقيمة 550 مليون دولار، وقصر لويس الرابع عشر في فرنسا، الذي وُصف بأنه المنزل الأغلى في العالم، بسعر وصل إلى 300 مليون دولار.
عبد الله محمد الصالح، الخبير في التنمية الاقتصادية، هو الآخر انتقد قرار زيادة أسعار الوقود في السعودية، وقال عبر “تويتر”: “ما ذنب المواطن السعودي الذي يعيش على بحر من النفط أن يُبتلى برفع أسعار البنزين؟ لماذا لا يفكّر صانع القرار بحال المواطن الذي يشتكي من أن الراتب ما يكفي حاجته”.
وأضاف الصالح: “إلى متى وسياسة التقشّف من نصيب المواطن، وسياسة البذخ من هواية الأمراء وأرباب الفساد. التاريخ لن يرحم من أضاع الثروة”.
دعاية كاذبة
وفي تغريدة أخرى قال الصالح: “عشرات الأمسيات تردّد: عاش سلمان! وألبومات في تعظيم: عاش محمد (بن سلمان)، وتطبيل لميزانية السعودية للعام 2018. كنّا نحذّر ونبيّن أن هذا كله كذب وتدليس على الشعب السعودي، وكانت النتيجة المتوقعة رفع أسعار البنزين، والمواطن السعودي يصرخ الراتب ما يكفي الحاجة”.
وفي تواصل للتغريدات الغاضبة، قال السعودي عمر بن عبد العزيز: “المواطن ليس مغفّلاً. تنفحه بالوعود الكاذبة، ثم تسرق علاوته وبدلاته، ثم ترفع أسعار السلع والكهرباء والماء. طالما اشتركت معه في جيبه وجب عليك أن تشركه في الحكم والإدارة”.
ونشر المئات من الناشطين السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، مستذكرين الأحوال الاقتصادية “الجيدة” التي عاشتها المملكة والمواطنون السعوديون في عهده.
وانعكست تداعيات القرار على الأرض؛ فشهدت معظم محطات الوقود بالمملكة زحاماً شديداً من آلاف المواطنين لتعبئة البنزين قبل فرض الأسعار الجديدة.
وفي تعليقه على القرار السعودي، قال الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن “الدافع وراء رفع أسعار الوقود بهذا الشكل الكبير نابع من الالتزام بوصايا صندوق النقد الدولي تحت وهم تنوّع الاقتصاد السعودي”.
وأضاف الصاوي، في حديث لـ “الخليج أونلاين”، أن ما تم “هو خطوة في اتجاه تحرير كامل لأسعار السلع والخدمات في السوق السعودية لكي تتساوى مع الأسعار العالمية، إلا أن هذه المعادلة منقوصة، وتستلزم أن ترتفع الأجور لتصبح مثل الأجور العالمية، وتكون هناك محاسبه للحكومة على الإيرادات والنفقات”.
تداعيات سلبية
وحول تأثيرات القرار رأى المختص الاقتصادي أن التداعيات ستكون شديدة السلبية على المواطنين والمقيمين في المملكة؛ بسبب ارتفاع معدلات التضخّم.
وأشار إلى أن الوقود يمثل 30% من تكلفة جميع السلع والخدمات، ومن ثم فإن رفع أسعاره سيتسبّب بلا شك برفع أسعار كافة السلع والخدمات في السوق السعودية.
ولا يستبعد الصاوي أن ترتفع خلال الفترة المقبلة أسعار الكهرباء والمياه وخدمات وسلع أخرى كثيرة بالمملكة.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي وليد سيف، إن زيادة أسعار الوقود بهذا الشكل المبالغ فيه “ستتسبب بخفض القدرة الشرائية للمستلهكين خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيقود إلى مزيد من الانكماش للاقتصاد السعودي الاستهلاكي”.
وأضاف سيف في حديثه لـ “الخليج أونلاين”، أن “رفع أسعار الوقود وما سيتبعه من ارتفعات لسلع وخدمات أخرى خلال المستقبل القريب يأتي في إطار سياسة الحكومة السعودية لزيادة إيراداتها العامة، فهي وضعت أضخم موازنة في تاريخها للعام 2018، ومن ثم يجب تغطية نفقات هذه الموازنة بأي طريقة”.
وفي 19 ديسمبر 2017، أعلن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، موازنة موسّعة للعام 2018، بإجمالي نفقات عامة بلغ 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار)، مع تسجيل عجز بقيمة 195 مليار ريال (52 مليار دولار).
ولكن سياسة الضرائب، بحسب المحلل الاقتصادي، لا تتناسب مع اقتصاد السعودية؛ الذي يعاني من حالة انكماش في الوقت الحالي تتطلّب منه سياسة تحفيزية لدعم النشاط الاقتصادي في البلاد وليس سياسة ضريبية ستتسبب في حالة ركود.
وكانت وزارة المالية السعودية قد أعلنت، الشهر الماضي، أن اقتصاد المملكة سيشهد انكماشاً بنسبة 0.5% في إجمالي الناتج الداخلي لعام 2017، في أداء لم يسبق له مثيل منذ العام 2009؛ وذلك بسبب الصعوبات الاقتصادية في المملكة الناتجة عن انخفاض العائدات النفطية بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وبالتزامن مع رفع أسعار الوقود، بدأت السعودية، مطلع الشهر الجاري، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات.
والقيمة المضافة ضريبة غير مباشرة يدفعها المستهلك، وتُفرض على الفارق بين سعر الشراء من المصنع وسعر البيع للمستهلك.
وفرض الضريبة الجديدة يأتي في إطار محاولات المملكة لتعزيز الإيرادات المالية غير النفطية، في ظل تراجع أسعار النفط.
وكانت جميع الدول الخليجية الست (السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان) قد اتّفقت على بدء تطبيق الضريبة في الأول من يناير 2018، إلا أن السعودية والإمارات فقط بدأتا بتطبيقها.
وتتوقع شركة “إرنست آند يونغ” العالمية، تحقيق دول الخليج الست إيرادات تفوق 25 مليار دولار سنوياً بعد التطبيق الكامل لضريبة القيمة المضافة وحدها.