آل سعود وتاريخ الخيانة
إبراهيم يحيى الديلمي
في حقبة الستينيات وقفت السعودية موقفاً معادياً ضد التيارات القومية التي بنت سياستها على أساس التحرر من الاستعمار والعداء الجدي لإسرائيل وهو الأمر الذي تجلى في تدخلها في حرب اليمن عام 1962م ومساندتها للملكيين برغم عدائها التاريخي لهم وذلك نكاية بعبدالناصر الذي كان حينها يتزعم التيار القومي، ومخافة أن يتسع المشروع القومي المناهض والمعادي لإسرائيل وللرجعية المتمثلة في الأنظمة الملكية والمشيخات التي أوجدها الاستعمار خدمة لمصالحه في المنطقة.
لقد فعلت السعودية حينها المستحيل لهزيمة عبدالناصر في اليمن ولكنها لم تفعل شيئا لفلسطين ولم تقدم أي دعم يذكر لعبدالناصر وغيره في حروبهم ضد إسرائيل.
في 1979م وقفت السعودية موقفاً عدائياً من الثورة الإسلامية في إيران وهي الثورة التي اتخذت من الموت لأمريكا وإسرائيل شعارا لها، كما أنها دفعت ومولت وبسخاء النظام العراقي آنذاك في حربه غير المبررة على إيران لقرابة الثمانية أعوام بحجة التصدي للمد الشيعي ومبدأ تصدير الثورة.
في 1990م وعقب الاحتلال العراقي للكويت حشدت السعودية كل طاقاتها من أجل تحرير الكويت وقبلت بدخول قوات ثلاثين دولة أجنبية إلى أراضيها بهدف تحرير الكويت وهو الأمر الذي يكشف تناقضها المريع في مواقفها إذ أنها لم تتخذ الموقف نفسه تجاه فلسطين قضية العرب الأولى.
في عام 2004م ساهمت السعودية وبشكل جلي وواضح في عملية عسكرية انطلقت من أراضيها وقادتها أمريكا وبريطانيا لإسقاط النظام العراقي ما أدى إلى وقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي وتحت رحمة الجماعات التكفيرية التي عاثت فيه إرهابا وقتلا وتدميرا ما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين، في الوقت الذي كان المئات من الفلسطينيين يقتلون بآلة الحرب الإسرائيلية في غزة.
في عام 2006م وعقب العدوان الإسرائيلي على لبنان ودخول مقاتلي حزب الله خط المواجهة المباشرة ضد إسرائيل لم تنحرف السعودية ولو قيد أنملة عن خطها التآمري المعروف ضد العرب فوقفت في الظاهر موقف المتفرج المشكك في قدرة حزب الله على المواجهة وهو ما ظهر في وصفها السخيف لهذه المواجهة من طرف حزب الله بالمغامرة بل ودفعت بعلمائها إلى إصدار الفتاوى بعدم جواز ( تحريم) دعم ونصرة حزب الله في حربه وتصديه للعدو الإسرائيلي كونه حزباً شيعياً مجوسياً وقتاله أولى من قتال اليهود مع أنها سبق وأن وقفت موقف الداعم والمساند للنظام الملكي في اليمن عقب ثورة 1962م ولنظام الشاه عقب قيام الثورة في إيران عام 1979م برغم أن كلا النظامين كانا على المذهب الشيعي المجوسي (حسب وصفها).
إبان ثورات الربيع العربي في 2011م ساهمت السعودية وأخواتها وبشكل كبير في الدفع ببلدان هذه الثورات إما إلى التبعية وإما إلى هاوية الفوضى والدمار وذلك في عدة حالات استدعت ذلك:
الأولى: إن كانت الأنظمة التي قامت عليها الثورات أنظمة معادية لإسرائيل وداعمة لحركات المقاومة الفلسطينية وذلك كما حدث في سوريا، فاللازم دعم مثل هذه الثورات بالمال والسلاح لذلك ظلت السعودية تقاتل في سوريا ما يقارب الخمسة أعوام عبر أدواتها داعش وأخواتها بدعوى تحرير الشعب السوري وقد أنفقت مئات مليارات الدولارات في حين أنها لم ترسل ولو صاروخا واحدا من أجل فلسطين.
الثانية: إذا أدت الثورة إلى إسقاط نظام عميل للغرب وإسرائيل واستبدلته بنظام جديد يهيمن عليه التيار الإخواني، وهو نظام إذا كان ظاهره الرضا بسياسات أمريكا وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة فباطنه دعم حركات المقاومة الفلسطينية وخصوصا حركة حماس الإخوانية، وهو ما تجلى في الحالة المصرية التي دفعت بالسعودية والإمارات إلى دعم الانقلاب والثورة المضادة على ذلك النظام وما تبعه بعد ذلك من تجريم كل الحركات والتيارات الإخوانية بما فيها حماس نفسها والسعي لخلق نظام بديل يكون تابعا لها ولسياسات أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
الثالثة: وهي الحالة اليمنية التي برزت فيها حركة أنصار الله كحركة صاعدة استطاعت أن تتصدر المشهد السياسي في اليمن منتهجة في سياستها نهج العداء الصريح لأمريكا وإسرائيل وحق اليمن في التمتع بسيادته واستقلاله بعيدا عن التبعية والانحناء للخارج، الأمر الذي دفع السعودية بعد فشل أدواتها في الداخل من كبح جماح الحوثيين وتجسيد مشروع الأقلمة إلى واقع، إلى شن حربها وعدوانها على اليمن مستعينة في ذلك بأدواتها في الداخل وبتحالف دولي وبعشرات الآلاف من المقاتلين من كل بقاع الدنيا ومازالت مستمرة فيه منذ ثلاثة أعوام وقد أنفقت قرابة الألفي مليار دولار.
دمرت وحاصرت ومازالت إلى اليوم تدمر وتحاصر بلداً بأكمله فقط لتحرر الشعب اليمني من الشعب اليمني وتعيد شرعية رجل انتهت شرعيته في حين أنها لم تفعل شيئا لفلسطين، لم تفعل شيئا إزاء القرار الترامبي الأخير الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل.