السعودية تواصل انتهاك القرار “2216”
د.حبيب الرميمة
في مؤتمر “نيوم” الذي دشن مؤخراً، صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن حرب اليمن ستطول حتى تمنع المملكة قيام حزب الله آخر على حدودها – حد زعمه – وسواءً كان هذا التصريح يؤخذ من باب الواقعية السياسية أم من باب الغباء السياسي إلا أن هذا التصريح في المحصلة يكشف حقيقة وجوهر العدوان الذي يشنه هذا التحالف بقيادة آل سعود ضد اليمن، والاستهداف الممنهج للمدنيين، وتدمير بنيته التحتية ،وممارسة جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب ضد الأطفال والنساء، طوال ما يقارب الثلاث سنوات وما يقابل ذلك من صمت المنظمات الدولية وعلى وجهه الخصوص منظمة الأمم المتحدة، كما يؤكد أن ما يقوم به هذا التحالف من عدوان لايمت بأي صلة إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص القرار ( ٢٢١٦) لعام ٢٠١٥.
وقبل الخوض في ذلك نود أن نُذَكر في هذا المقام بنقطتين مهمتين حتى تتجلى الصورة كاملة حول كيفية استخدام القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة للمنظمة الأممية(الأمم المتحدة)لتمرير مشاريعها الخاصة والتي لا ترتبط في جوهرها بتطبيق مبادئ ميثاق المنظمة بقدر ما يتوافق مع مصالحها.
أولى تلك النقاط: الحرب العراقية الإيرانية أو بالأحرى العدوان العراقي على إيران.
فبعد سقوط حكم الشاه- الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية- في عام ١٩٧٩م ، شن نظام صدام حسين بدعم من الولايات المتحدة ودول الخليج وعلى رأسها نظام آل سعود حرباً على إيران بحجج ظاهرها نزاع حدودي بإعلان نظام صدام إلغاء اتفاقية الجزائر الموقعة بين البلدين ، والقيام بعمليات عسكرية تجاه الأراضي الإيرانية بما أسماه استعادة أراضي شط العرب —لكن جوهرها هو القضاء على الثورة الإسلامية في إيران لإعادة الحليف السابق ومنع نجاح الثورة ذات التوجه الإسلامي المغاير للسياسة الأمريكية…
وفقاً للظرف الراهن آنذاك — بصراع القطبين أو ما يطلق عليه الحرب الباردة. لم يسطع عدوان النظام العراقي من تحقيق أهدافه بفضل صمود الشعب الإيراني والتفافه حول ثورته ما انعكس سلبا على الحليف المنفذ —نظام صدام حسين — بضرورة الإطاحة به لأنه لا يمكن استمرار الوثوق به كحليف مثقل بالجرائم المخالفة للقانون الدولي وفشله في أداء مهمته رغم الإسناد المادي واللوجستي والتغطية الدولية على جرائمة فكان لابد من التخلص منه، خصوصا وأن أجواء الحرب الباردة باتت على وشك الانتهاء لصالح القطب الأمريكي فكان مخطط إغراق نظام صدام في غزو الكويت ومن ثم التذرع بتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة بضرورة وقوف المجتمع الدولي وفرض جزاءات دولية ضد نظام صدام وفقاً للفصل السابع إعمالاً لمبدأ التضامن بين الدول في مواجهة العدوان وهو ما يعرف بحرب الخليج الثانية،أفضى ذلك إلى استيلاء أساطيلها على مياه الخليج وبناء قواعد عدة في تلك الدول لينتهي الأمر باحتلال أمريكا للعراق بحجة امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة محرمة دوليا وهو ما يخالف الشرعية الدولية ويحتم على الولايات المتحدة استخدام قواتها لإسقاط هذا النظام الذي يشكل تحديا وتهديداً للأمن والسلم الدوليين والتي ثبت فيما بعد إنها حجج واهية وغير صحيحة.
النقطة الثانية : العدوان الإسرائيلي على لبنان ٢٠٠٦.
كان الهدف الحقيقي من هذا العدوان هو تدمير قدرات حزب الله العسكرية والحد من تعاظم قدراته لما يشكله من خطورة على حدوده الشمالية ،لكن الكيان الصهيوني شن هذا العدوان بذريعة استعادة الجنديين الاسرائيلين اللذين أسرهما حزب الله عند الحدود. ارتكب الكيان الصهيوني خلال هذا العدوان مجازر كثيرة وشن تدمير ممنهج للبنية التحتية المدنية خصوصاً في الضاحية الجنوبية خلال (٣٣ ) يوماً دون أي تحرك من المنظمات الدولية وحين بدأ الكيان الصهيوني يدرك أن سير المعركة لا تسير لصالحه تم تحريك الملف اللبناني داخل أروقة مجلس الأمن ليولد القرار (١٧٠١) بوقف إطلاق النار،أما عن الهدف الظاهري الذي شن من أجله العدوان-استعادة الأسيرين- فتم بعد ذلك وفقاً لصفقة تبادل أسرى بين الطرفين ليتضح أن هذا الهدف لم يكن السبب الجوهري لشن العدوان وأنه كان بالإمكان عقد مثل هذه الصفقة دون شن هذا العدوان.
يكاد الأمر في جوهره ينطبق بشأن العدوان الذي يشنه التحالف السعودي حالياً على اليمن منذ ما يقارب الثلاث سنوات بحجة واهية مزعومها إعادة شرعية عبد ربه منصور هادي. ارتكب خلالها هذا التحالف مئات المجازر وأنفقت فيه المملكة السعودية المليارات بحيث وقفت المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة أمام هذا العدوان وانتهاكاته للشرعية الدولية موقف المتخاذل حيناً والعاجز إلى حد التواطؤ حيناً آخر . وللإيضاح نعرض هنا لبعض العناصر الواردة في قرار مجلس الأمن رقم (٢٢١٦) لسنة ٢٠١٥م، بما يؤكد انتهاك تحالف العدوان للشرعية الدولية —مع إرجائنا إلى مناقشة ما ورد في هذا القرار تفصيلاً وماشاب هذا القرار من لبس لعدم مراعاته للضوابط القانونية المتسقة مع مقاصد وأهداف ميثاق الأمم المتحدة،وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالرسالة المنسوبة إلى عبدربه منصور هادي والشكوك القانونية التي تثار حولها ومدى اعتبارها وثيقة يستند إليها في دراسة منفصلة— ونناقش ذلك إجمالاً كالآتي:
في تاريخ (١٤إبريل) أي بعد أكثر من أسبوعين من شن تحالف العدوان ما أطلق عليها “عاصفة الحزم “ عقد مجلس الأمن اجتماعاً أحاط فيها المجلس رسالتين متطابقتين قدمتهما مندوبة قطر بتاريخ( ٢٦مارس ٢٠١٥م) مفادهما موافقة دول مجلس التعاون الخليجي القيام بالتدابير اللازمة بما فيها القيام بعمليات العسكري استجابة للرسالة الموجهة من عبد ربه منصور هادي بتاريخ (٢٤مارس) لحماية اليمن وشعبه —حد زعمهم— . وبالنظر إلى فحوى القرار (٢٢١٦) نجد أن القرار لم يؤيد بتاتاً أو يعطي إذناً لتلك العمليات العسكرية بل أنه أكد في فحواه “تأكيده من جديد التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية … ويكرر دعوته كل الأطراف والدول الأعضاء أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله …”
يمكن القول إن الجديد في قرار مجلس الأمن المشار إليه أعلاه عما سبقه من قرارات يمكن حصرها في ثلاث فقرات:
أولاً : هو عودة مجلس الأمن بتسمية عبد ربه منصور هادي (رئيس اليمن) بعد أن كان في قراره السابق القرار (٢٢٠٤ لسنة ٢٠١٥م ) بتاريخ(٢٤فبراير) لم يشر إليه بشكل ملطلق وإنما طالب جميع الأطراف اليمنية بعدم اللجوء إلى العنف والالتزام بالمرجعيات المقررة — مبادرة مجلس التعاون الخليجي ،ومخرجات الحوار الوطني ، واتفاق السلم والشراكة، وقرارات مجلس الأمن ،وتطلعات الشعب اليمني —.
ثانيا: عدم ذكر القرار لاتفاق السلم والشراكة واعتماد المرجعيات سابقة الذكر دون الإشارة إلى هذا الأخير (اتفاق السلم والشراكة).
ثانيا : حظر توريد الأسلحة لقيادات “حوثية” ونجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح أو أي جهات ترتبط بهم.
ثالثا: إذن مجلس الأمن لدول الجوار بجواز تفتيش السفن والطائرات في حالة الاشتباه بوجود بضائع يمكن أن تحمل أسلحة للأطراف المذكورة أعلاه.
مع تمسك القرار بوجوب التزام جميع الأطراف بتقديم وتسهيل المساعدات الإنسانية للشعب اليمني” وأن حرمان المدنيين تعسفاً من وصول المساعدات الإنسانية إليهم ومن المواد التي لاغنى لبقائهم على قيد الحياة بما في ذلك تعمد عرقلة إمدادات الإغاثة ووصولها يمكن إن يشكل إنتهاكاً للقانون الإنساني الدولي “
وعلى ضوء ذلك نجد أن القرار السابق لم يخول هذه الدول أي إذن صريح أو ضمني بشن هجمات عسكرية على اليمن،كما هو الحال في إذنه للتحالف الدولي بالقيام بعمليات عسكرية في ليبيا لإسقاط نظام القذافي ،والنزاع في يوغسلافيا،والعراق في تسعينيات القرن الماضي. وأن الإذن الوحيد الذي ورد في القرار هو السماح للدول بتفتيش السفن والطائرات على أراضيها في حال وجد سبب معقول للاشتباه بأنها تحمل بضائع بداخلها أسلحة لقوات الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح بمعنى أن هذا الإذن الاستثنائي مرتبط بالحد من تعاظم قدرات هذا الطرف لما من شأنه المساعدة وتسهيل الحوار بين الأطراف اليمنية… وإن كان ذلك حسب رأينا فيه قصور كبير خصوصاً وأن القرار لم يحظر الأسلحة على جميع الأطراف كما فعل في حالات أخرى… الأمر الذي سهل نقل الأسلحة إلى جماعات وتنظيمات إرهابية تقاتل جنباً إلى جنب مع قوات هادي!
هذه بعض العناصر الأساسية حول القرار( ٢٢١٦) والتي اتخذت منه دول العدوان ذريعة بشن حرب تدميرية طوال ما يقارب الثلاث سنوات—
الأمر الذي ما يجعل من هذه الدول مسؤولة بشكل مباشر عن خرقه المبادئ وقواعد الشرعية الدولية ويجعلها مسؤولة مسؤولية دولية لعدم الوفاء بالتزاماتها وخرقها أهم مبدأ من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وهو التزام أعضاء المنظمة (الدول) بعدم استخدام القوة ضد أي دولة أخرى إلا بإذن مسبق من الجهة المخولة لها ذلك (مجلس الأمن ) باعتباره الجهاز الملقى على عاتقه حفظ الأمن والسلم الدوليين. الأمر الذي يكشف أبعاد العدوان على اليمن، وأن الجوهر الحقيقي من هذا العدوان هو ما أفصح عنه ولي العهد السعودي بأن الحرب على اليمن سوف تستمر حتى لا تكرر تجربة حزب الله على حدوده الجنوبية —كما أشرنا سابقا— أضف إلى ذلك الخطوات الأحادية التي اتخذتها السعودية مؤخرا من إعلانها إغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية في تحد واضح وصريح للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار محل بحثنا وما أكد عليه من اعتبار مثل هذا العمل يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. وكذا الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها دول تحالف العدوان جراء استهدافها للمدنين وقصف المنشآت المدنية بما فيها المدارس والمستشفيات حتى بعد أن تم إدراجها في القائمة السوداء بعد أن ثبت للمنظمة وبموجب تقارير موثقة انتهاك ضرباتها الجوية لجرائم قتل ضد الأطفال إلا أن هذا الإجراء لم يحل دون استمرارها بارتكاب المزيد من المجازر والقيام بإجراءات أحادية مخالفة لمبادئ الشرعية الدولية والنظام الأساسي لمعاهدة روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وذلك باعتمادها على الغطاء الدولي الذي تمنحه لها بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. لنعود ونذكر إلى ما أسلفنا إليه أعلاه أن هذا الغطاء الدولي لنظام آل سعود أشبه بالغطاء الممنوح لنظام صدام حسين، وأن ما يقوم به تحالف العدوان من انتهاكات للشرعية الدولية لن يمر طال الزمان أم قصر.