تحقيق /عبد الناصر الهلالي –
كان الأب الستيني يجلس على كرسي الانتظار بإحدى غرف قسم شرطة الجراف..
في اليوم الأول من زيارته للقسم تم القبض على (18) طفلا تتراوح أعمارهم بين (سبع) سنوات’و(13) عاما..أحد هؤلاء الأطفال هو ابن ذلك الرجل الجالس على الكرسي منذ الصباح الباكر بانتظار تسلم ابنه الجانح بحسب الضابط الذي قبض على الأطفال في سوق تجاري بشارع الستين.
تلقى الرجل الكثير من الأسئلة من رئيس القسم..الأسئلة تلك لا تخلو من التوبيخ له على فعل إهمال ابنه خارج المنزل لأيام حتى تم القبض عليه متلبسا بالسرقة.
لم يكن يبدو على وجه الرجل ملامح الخجل’ وكل ما هنالك محاولات لإقناع القسم أن فعلا كهذا لن يتكرر’مقابل الإفراج عن الطفل.
كالعقيد عبد السلام أبو الرجال مدير البحث الجنائي بأمانة العاصمة يرى أن عودة المسروقات إلى أصحابها ’أو تنازل صاحب الحق’مقابل التزام ولي الأمر خطيا بعدم تكرار فعل كهذا من قبل ابنه كفيل بالإفراج عنه.
ويروي أبو الرجال قصة عن أحد الأحداث الذين تم إيصالهم إلى البحث الجنائي في الأمانة بتهمة قيام الطفل بسرقة (300) ألف ريال من أحد المتاجر وبعد التحقيق مع الطفل سلم ما تبقى معه من الفلوس’وتنازل التاجر عن بقية المبلغ والتزم والد الطفل الذي تم إحضاره إلى البحث خطيا بعدم تكرار ولده للسرقة مرة أخرى’وتم الإفراج عن الطفل.
ويقول الضابط الذي قبض على عشرات الأطفال الذين يرتكبون أفعالاٍ مجرمة قانونا:”نجد الأطفال الجانحين في الأسواق الكبيرة والجولات ينامون في الشوارع والأسواق المفتوحة كأسواق الخضار’والفواكه”.
ويضيف:”غالبا ما يأتي هؤلاء الأطفال من الأرياف بسبب الفقر’وتخلي الأسر عن تربية أبنائها ’ويجدون في المدينة مكاناٍ واسعاٍ للتفسخ’والجنوح إلى الجريمة”.
تتسع دائرة الأطفال في شوارع المدن مع اتساع رقعة الفقر في اليمن بحسب منظمات إنسانية إذ وصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن (10) ملايين طفل’ويقدر المسح الأخير لعمالة الأطفال الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء في العام 2009م أن عدد الأطفال الذين يعملون في مهن مختلفة مليون وستمائة ألف طفل.
وأغلب الأطفال لا يجدون عملا في ظل الوضع المتردي لسوق العمل فيجنحون إلى السرقة حيث يستغلهم في ذلك أشخاص يستخدمونهم لذلك ’ناهيك عن تسخيرهم في المنحنى الثاني في التسول ويقول مسؤول في الشرطة: إن من يكافحون التسول يسرقون هؤلاء الأطفال الذين يتسولون في الجولات ’والشوارع عموما.
وتشير الإحصاءات السنوية إلى أن جريمة السرقة التي تتصدر الجرائم التي يرتكبها الأحداث بنسبة تصل إلى (25%).
هذه الأمور إلى جانب افتقاد الأطفال لوضع حياتي يحفظ لهم حياة نصف إنسانية تدفعهم في الأغلب إلى العمل ’ثم التسول’يلي ذلك السرقة بحسب أخصائي علم الاجتماع نائف الحكيمي.
في شارع النصر كان يقف (خمسة) أطفال ’بأقدام حافية’وملابس مهلهلة بجوار بوفية..حاولوا مرارا من صاحب البوفية مساعدتهم بوجبة عشاء لا تتجاوز ال(مائتي) ريال’وعند رفض الرجل قالت طفلة في السابعة من العمر تكبر بقية الأطفال:”أنتم تخلونا نشحت من الناس على شأن الخبز”.
مثل هذه التصرفات يضطر بعض الأطفال للحصول على كسرة خبز بأي طريقة كانت دون التفكير بعواقب الفعل المجرم قانونا.
ويجد البحث الجنائي وأقسام الشرطة صعوبة في التعامل مع الأحداث بعد القبض عليهم إذ لا يوجد في السجون اليمنية أقسام للأحداث في مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء رقم (376) للعام 2007م القاضي بفصل الأحداث عن الكبار في السجن المركزي بصنعاء’ وبقية سجون الجمهورية ما يؤثر على نفسياٍ تهم’ فيلجأ البحث إلى إحضار أولياء الأمور وحل المشاكل التي يقترفها أبناؤهم ما أمكن’ ومن لم يجد البحث لهم أولياء أمور يتم تسليمهم إلى النيابة’وهناك كما يقول نائب مدير بحث الأمانة العقيد زيد الشامي يسجنون في سجون خاصة بهم ’وهذه السجون مجهزة بتمويل من منظمات خاصة برعاية الطفولة كمنظمة (اليونيسف).
البحث الجنائي والمحاكم يجدون في الأغلب صعوبة كبيرة في التواصل مع أسر كل الجانحين’وهذا يؤدي في المطلق إلى زج الأحداث في السجون دون مراعاة سنهم غير القانونية.
ويشير التقرير الإحصائي السنوي لمصلحة السجون الصادر عن المصلحة في العام2012م إلى أن إجمالي السجناء الأحداث في السجون المركزية بالمحافظات (204) سجناء ذكور ’بنسبة بلغت (1,8%) من إجمالي السجناء المودعين في السجون المركزية بالمحافظات.
ويعد هذا الرقم حسب مصادر أمنية صغيرا مقابل الأطفال الجانحين في عموم المدن اليمنية الذين يتم القبض عليهم في الأسواق والمراكز التجارية الكبيرة التي يكثر فيها (نشالون) من الأطفال.
تخلي الأسر اليمنية عن أبنائها وتركهم عرضة للتسكع في الشوارع تنتج تصرفات غير سوية في الغالب بحسب أخصائي علم الاجتماع نائف الحكيمي.
ويقول الحكيمي:”الأسر قد لا تلقي بالا لتصرفات أبنائها في المنزل وهي في الأساس تصرفات خاطئة يجعل من الطفل ينحى إلى ما هو أبعد من الأخطاء المسكوت عنها داخل الأسرة”.
ويضيف:”كما أن الفقر يلعب دورا أساسيا لانحراف الأطفال عندما يجبرون على الخروج بحثا عن الحياة في كسرة الخبز”.
غير أن الرجل الستيني الذي ذهب لاستلام ولده من قسم الشرطة لم يكن سببه الفقر بحسب حديث والده الذي لا يتورع في وصف أبنه بأبشع الألفاظ التي لا يمكن ذكرها وينهي ذلك بالمخذول.
سوء التربية والأوضاع الإنسانية التي تعيشها الأسر وراء خروج الكثير من الأطفال إلى الشوارع والمكوث فيها لأيام دون العودة إلى المنازل’أما أطفال الأرياف قد لا يعودون إلى قراهم إلا بعد أشهر هذا إن عادوا..وفي المجمل يتعرض الأطفال في الشوارع للاستغلال متعدد الأوجه.
السجون اليمنية تفتقر لعدم وجود التأهيل النفسي للأطفال الجانحين عموما وقد يقضي الطفل سنوات في السجن دون محاكمته’وعند خروجه يكون أكثر احترافاٍ للإجرام لأنه يخرج إلى الشارع في الأغلب بحسب مصادر أمنية .