روسيا .. وقفات لابد منها
عبدالفتاح البنوس
مما لاشك فيه بأن لغة المصالح والمنافع وسياسة النفوذ والتوسع هي التي باتت تتحكم في طبيعة العلاقات الثنائية بين الدول والأنظمة ، وخصوصا عندما تكون تلكم العلاقات بين دول عظمى مع دول نامية ، تماما كما هو حال العلاقات اليمنية الروسية ، ففي الوقت الذي نلمس من الأصدقاء الروس مواقف وتصريحات وتوجهات مناهضة للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على بلادنا ، مصحوبة بحالة ملموسة من التعاطف مع الملف اليمني، توج بتقديم الحكومة الروسية مساعدات إغاثية وإيوائية وطبية للتخفيف من معاناة المتضررين جراء العدوان الغاشم والحصار الجائر المفروض على شعبنا ، إلا أن هنالك الكثير من الغموض الذي ترتسم حوله الكثير من علامات الاستفهام يلف الموقف الروسي تجاه اليمن ، هذا الغموض الذي يلاحظ في عدم التفاعل الجاد مع الملف اليمني ، وإتسام مواقفها بالبرود مع بعض المواقف الخجولة التي لا ترتقي وحجم المعاناة التي يكابدها الشعب اليمني ، وفداحة الضرر الذي لحق بالوطن جراء استمرار العدوان ، بخلاف ما عليه الحال في التعاطي الروسي مع الملف السوري .
هناك من يرى بأن المصالح الروسية التي تمتلكها في سوريا هي سبب تدخلها في سوريا ووقوفها إلى جانب الشعب السوري وقيادته ، فالحكومة الروسية لها مصالح وتواجد عسكري في سوريا ، وتمتلك في طرطوس السورية قاعدة عسكرية ، وهناك استثمارات روسية ومصالح ومنافع متبادلة ، بخلاف ما عليه الحال مع اليمن ، فالسلطات الروسية بحسب محللين سياسيين لا تمتلك مصالح داخل اليمن كما سوريا ، وليس لها أي قواعد عسكرية ، ولا تمتلك أي امتيازات في الداخل اليمني ، كانت تتوقع بأن تحصل عليها وتحظى بها عقب الإطاحة بأذناب السعودية وخدام الولايات المتحدة الأمريكية ، وصعود القوى الوطنية المناهضة لمشاريع الهيمنة الأمريكية ومن أجل ذلك تمسك العصا من المنتصف ، فلا هي التي وقفت بقوتها وثقلها مع اليمن ولا هي التي أعلنت تماهيها وتأييدها للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الغاشم .
وهنا لا بد من وقفات مع بعض المواقف السلبية للسلطات والجانب الروسي تجاه اليمن واليمنيين ، الوقفة الأولى مع موضوع طباعة الأموال وقيام السلطات الروسية بتسليمها للفار هادي وحكومة الرياض الفندقية في حين أن قيادة البنك المركزي اليمني بصنعاء هي من قامت بالطباعة ودفعت تكاليفها ، إلا أن الحكومة الروسية أضفت على الخونة والعملاء والمرتزقة المشروعية ولم تعر الحكومة والسلطات اليمنية التي تمثل الشرعية الحقيقية أدنى اهتمام ، فكان هذا الموقف السلبي هو سبب تفاقم أزمة المرتبات والتي كانت المبالغ المطبوعة مخصصة لها ، الوقفة الثانية مع قناة روسيا اليوم ، هذه القناة التي تمثل الحكومة الروسية والناطقة بالعربية دائما ما تكون مواقفها وتوجهاتها وسياستها التحريرية متناغمة مع ما تطرحه وسائل إعلام العدوان ومنحازة لها ، بل وتتعمد التجني والإساءة للقوى الوطنية وتصوير الأحداث بخلاف ما هي عليه على أرض الواقع وكأنها نسخة من قناة العربية أو الحدث ، دون أن يكون هنالك أي مراجعات روسية لسياسة القناة التي من المفترض أن تتحلى بالحياد وعدم الانحياز في تعاطيها مع الملف اليمني ، رغم أنه كان من المفترض بها الانتصار للحقيقة وتسليط الضوء على مظلومية الشعب اليمني الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .
بالمختصر المفيد، نتطلع إلى أن يكون الموقف الروسي تجاه العدوان على بلادنا أكثر قوة وتأثيرا ، وأن يسهم في الدفع باتجاه وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء معاناة ملايين اليمنيين بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من العدوان والحصار ، نريد صلابة في الموقف الروسي ، مصحوبة بضغوطات قوية على الإدارة الأمريكية التي تمتلك قرار إيقاف العدوان لإجبارها على إيقاف العدوان، ولا بأس في خلق حراك دبلوماسي روسي أوروبي يعزز من هذا التوجه ويدفع بالأوضاع في اليمن نحو الانفراج، ووضع حد للهمجية والعربدة والإجرام والإرهاب والوحشية السعودية الإماراتية الأمريكية الداعشية التي تمارس بحق اليمنيين الأبرياء من النساء والرجال والأطفال منذ قرابة الثلاثة أعوام .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .