مرت العلاقات السودانية السعودية، بمراحل عديدة واتسمت بالشد والجذب في فترات عديدة، منذ أن وصل إلى الحكم في الخرطوم نظام الإنقاذ الوطني في يونيو 1989 بانقلاب عسكري، رحبت به في البداية مصر والسعودية.
وتكشف عملية البحث في دار الوثائق القومية السودانية عن قصة مثيرة شهدتها العلاقات بين البلدين خلال مرحلة العداء في سنوات التسعينات، إذ اتهمت حكومة السودان، السعودية بدعم متمردي الجنوب وقتها بسفينتي سلاح، بعد اعتراض الحكومة الكينية لهما أثناء رسوهما في ميناء ممبسا الكيني على شاطئ المحيط الهادي.
وبحسب صحيفة “العربي الجديد” اللندنية التي أعدت التقرير، لم يكن الاعتراض الكيني للسفينتين، الأول من نوعه، إذ كشفت صحيفة الإنقاذ الوطني السودانية والناطقة باسم النظام في يونيو من عام 1992 أن جيبوتي سبق وأن اعترضت السفينتين ورفضت إنزال حمولتيهما ولكن إغراءات أدت إلى موافقة الحكومة على السماح للسفينتين بمغادرة الميناء إلى البحر دون مصادرة الشحنة، التي رسمت على شاطئ ممبسا الكينية في 11 مايو من عام 1992.
وحملت بوليصتا الشحن السفينتين رقم 384498 و384500 وأكدت مصادر سودانية أن الشحنة خرجت من ميناء ينبع السعودي وفقاً لما جاء في تصريح رسمي بثته وكالة أنباء السودان (سونا) في يونيو من عام 1992 ونسبته إلى مصدر دبلوماسي أكد أن “هذه الحمولة مملوكة للحكومة السعودية وكانت ذاهبة إلى قوات جون قرنق لمقاتلة جيش الحكومة السودانية تحت واجهة أنها مساعدات خيرية ذاهبة إلى منظمة كمبوني، وشكر المصدر الحكومة الكينية على اعتراضها لشحنة السلاح وعدم رغبة كينيا في التورط في الدم السوداني.
ولفت الدبلوماسي السوداني في تصريحه، إلى أن السودان يمد حبل الصبر مع الحكومة السعودية من أجل العلاقات التاريخية وحتى لا تتضرر العلاقة مع الشعب السعودي قائلاً إن “الحكومة السودانية سكتت طويلاً على السعودية وتآمرها على السودان ودعمها للمعارضة سياسياً وإعلامياً لكن التطور الأخير وهو محاولة السعودية إزهاق أرواح السودانيين عبر الدعم بالسلاح هو ما دفعها لهذا الشيء”.
ردت الحكومة السعودية في منابرها الإعلامية الخارجية عبر جريدتي الحياة والشرق الأوسط، على البيان السوداني رافضة اتهامات السودان مؤكدة أنها “داعمة للسودان في كل المجالات، كما أنها أرسلت الإغاثات للسودان عندما نكب بالفيضانات عام 1988 وبلغت الإغاثات والمساعدات السعودية وقتها 300 مليون دولار وأكدت استمرار السعودية في دعم الشعب السوداني رغم أفعال حكومته”.
وجاء الرد السوداني على الرد السعودي عبر صحيفة السودان الحديث الرسمية، إذ قال مصدر رسمي سوداني في يونيو من عام 1992 إن “الحكومة السعودية التي تخوض الآن وحل التآمر على سلامة المواطنين من خلال تزويد المتمردين بأسلحة الدمار قد عمدت بالدخول في تفاصيل قروضها ومساعداتها من أجل إبعاد الأنظار عن الموضوع الأساسي وهو تآمرها على وحدة السودان وصون أرواح بنيه وبدلاً من أن تمد يدها وبذل جهدها في تحقيق السلام له طفقت تمول بأموال شعبها المسلم حركة التمرد المعادية لكل عربي ومسلم وإن حكومة السودان تملك الأدلة والوثائق الدامغة لفعلة الحكومة السعودية”.
ووفقا للقرير، فقد انتهت مسألة السفينتين على وقف السعودية لكل المشاريع التي كانت تمولها في السودان ودخلت العلاقة بين البلدين في حالة من البرودة أقرب إلى القطيعة، وبمرور الوقت استعادت العلاقات السودانية السعودية شيئاً من عافيتها في أواخر التسعينات غير أن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية الصادر في أغسطس من عام 1998 بعنوان “عمليات نقل السلاح لجميع الأطراف في السودان”، كشف أن مسألة الدعم السعودي للتمرد كانت أكبر كثيراً من شحنة سلاح ممبسا إذ وثقت المنظمة عبر زيارة قام بها باحثوها إلى معاقل الحركة الشعبية في جنوب السودان وجود صناديق سلاح وذخيرة سعودية ودونوا بيانات شحنة ألغام أرضية مضادة للدروع بلجيكية الصنع من طراز (بي ار بّ أم 3) إذ كانت بياناتها Ministry of Defence and Aviation, Dammam – Saudi Arabia, Exp. 5202, Package No. 12030.
وأكدت المنظمة في تقريرها أن وجود مثل هذه الشحنة في جنوب السودان يخالف التزامات السعودية والتي كانت قد أعلنت في عام 1996 أنه “لا توجد أي عمليات نقل سلاح غير مشروع تمر عبرها إذ إن وجود هذه العلامات على صناديق الأسلحة يشير إلى أن الحكومة السعودية قد أذنت بها، وأضافت المنظمة أنها ليست أول مرة تظهر فيها أسلحة سعودية في جنوب السودان فقد تم اكتشاف شحنة أسلحة تبلغ 120 مليون دولار أرسلتها شركة أميركية يمتلكها أمير سعودي وكانت تحتوي على مدافع هاورتز ومدافع هاون وذخائر دبابات”.
Next Post
قد يعجبك ايضا