*لم يقتصر دور المرأة على الدور الاجتماعي والتوعوي، بل شاركت في تنفيذ العمليات الفدائية
*سجلت أنصع صفحات الكفاح المسلح والنضال السياسي ضد الاستعمار في جنوب الوطن
إعداد/ رجــاء عاطف – زهور السعيدي
شهدت اليمن خلال الثورة أدوارا بطولية للمرأة اليمنية،التي كانت تعتبر الوجه الآخر من الثورة والثوار في الريف والمدينة لمرحلة النضال وحرب التحرير، وكان لها مواقف ايجابية ومشرفة في نصرة ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر التي اندلعت أولى شراراتها من على قمم جبال ردفان والضالع ،حيث كان لها مشاركات فاعلة إبان فترة الكفاح المسلح إلى جانب أخيها الرجل كونهم عاشوا حياة قاسية ومأساوية عانوا فيها أشكال الذل والاضطهاد والفقر والتخلف والظلم من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه والحكم الإمامي المستبد لفترة طويلة من الزمن حتى قامت الثورة السبتمبرية والأكتوبرية وأعلنت الجمهورية وبزغ فجر الحرية في الـ 30 من نوفمبر 67م برحيل آخر جندي بريطاني من الجزء الجنوبي من الوطن اليمني ولقد سجل لها التاريخ أدوارها في تلبية النداء والواجب الوطني، أدوارها دفعها إلى ذلك حبها وشعورها الوطني الذي كان أقوى من محاولات الاستعمار البريطاني ،وقد تعددت أدوارهن في الحرب والعملية الثورية وكانت حينها ذات أهمية وضرورة لنجاح الثورة .
في هذه التناولة وبمناسبة العيد الـ 54 الثورة لـ 14 من أكتوبر سنتتبع أهم الأدوار البطولية للنساء المناضلات اللاتي أثبتن جداره في الدفاع عن وطنهن والولاء له وتقديم تضحيات فدائية عظيمة من أجل الحصول على الاستقلال.. فإلى التفاصيل:
كان للمرأة اليمنية دور بطولي في النضال ومرحلة حرب التحرير وتحقيق الاستقلال في جنوب البلاد في فترة الكفاح المسلح، حيث كان دورها في الريف لا يقل عن دور الرجل فقاتلت معه ببطولة وشجاعة لا يستهان بها ،خاصة أمام ما شهدته مناطق الضالع وردفان من عدوان الانجليز وقصفهم للمناطق بالطائرات ضد العزل من المواطنين وكان ذلك القصف محفزا لتثور المرأة في هذه المناطق لتعين أخاها الرجل للثورة على الانجليز فقد حملت السلاح وآزرته في القيام بالرد على القصف الجوي وقامت بتقديم العون والمساعدة للفدائيين والثوار خلال انتقالهم إلى القرى وأعالي الجبال وفي منازلهن كل ما يحتاجونه من طعام وماء وأيضا إرساله إلى مواقع الثورة السرية،وكذلك عمل الإسعافات الأولية لهم ،وتمريضهم والاحتفاظ ببعض الأدوية في منازلهن لمثل هذه الأمور، والتوجه إلى المدن لشراء متطلباتهم من أدوية، وأيضا إخفاء السلاح والثوار في حقولهن ومنازلهن أثناء مرور دوريات الاحتلال ،ونقل الأسلحة الثقيلة إليهم كمدافع الهاون والرشاشات،حيث كانت تفكك أجزاؤها وقطعها ويتم وضعها داخل أعواد القصب، وحملها إلى المواقع المحددة، كما كانت المرأة بمثابة ساعي البريد تقوم بنقل الرسائل الخاصة والمعلومات السرية بين الفرق الثورية المنتشرة في عدد من المناطق الريفية أو المدن، وبين القيادات وأفرادها وبين الثوار والمعتقلين السياسيين، و يخفين الرسائل بين خصلات شعر رؤوسهن خاصة عند ذهابهن لزيارة المعتقلين في السجون أو خلال تنقلهن من منطقة إلى أخرى بالرغم من وجود التفتيش الدقيق والرقابة المشددة .
دور سياسي
ولقد تطور وتنوع دور المرأة في المدينة حيث كان دورها هاما وحيويا منذ ما قبل قيام الثورة في التحاقها بالتعليم منذ عام 1925م ثم 1941م في مدينة الشيخ عثمان ،واتسم دورها بالطابع السياسي والتنظيمي، وقد انخرطت المرأة في تنظيم الجبهة القومية أثناء العمل السري منذ نشوء التنظيم، وكانت تقوم بتوزيع المنشورات في الشوارع والمقاهي والمدارس وفي كل مكان تستطيع الوصول إليه ، وتساهم بل تقوم بكثير من المسيرات الشعبية وتوزيع السلاح بين الفدائيين وأيضاً تقوم بمختلف المهمات النضالية التي كان يتعذر على الرجال القيام بها، فتنوع نشاطها في بداية نهوضها فكانت طالبة ثم عملت معلمة وممرضة في وقت كانت العادات والتقاليد تقف حائلا أمامها في التعليم والعمل واستطاعت أن تنال حظها لتفسح المجال لمن تأتي بعدها مما مكنها من المشاركة في مختلف أشكال النضال السلمي عبر النقابات خاصة مع تأسيس الحركة العمالية وقيام المؤتمر العمالي1956 م.
وعي المــــرأة
كان الجو العام السياسي لموقع ميناء عدن الاستراتيجي وقيام منشأة مصافي عدن بمدينة البريقة يشكل تجمعات مدنية اقتصادية واجتماعية مما رفع الوعي ومنه الثقافي – وأثر ذلك في المشاركة في الحياة العامة للمجتمع عامة والمرأة خاصة بدءا بالتعليم ثم العمل كمعلمة وممرضة في الجهات الحكومية ومنها الإذاعة والتلفزيون كما كان للدور التنويري مع ظهور الصحافة المحلية ووصول الكتب و الصحف القادمة من مصر وكان لذلك تأثير هام ،وشكل ذلك تمهيدا لمشاركة وطنية في الخروج بالمسيرات المنددة وهي بدايات لتكوين وعي المرأة في عدن باعتبار أنها بوتقة لصهر الثقافة وبالتالي انطلقت نحو التعليم والعمل والحياة الثقافية والمشاركة السياسية في المسيرات والجمعيات واتسمت الساحة بوجود عدد من التنظيمات التي اعتمدت الكفاح المسلح وكان هذا الدور يحتاج للارتقاء والاعتراف به وقد استقطبت النساء في هذا النشاط التنظيمي باعتبار أنه مشكل من عدة تجمعات وتم تدريبهم بتربية تنظيمية وطنية وقومية مؤثرة تعتمد على السرية بالنظر لخصوصية العمل من ناحية اجتماعية وسياسية وكان أن تكونت المراتب والخلايا التنظيمية النسوية المنفصلة عن الرجال حتى أصبحت هؤلاء النساء يستلمن التعليمات ويوجهن جماهير النساء, كانت شبكة من التواصل السري عبر آليات عديدة حينها كانت التلفونات محدودة ولم يكن هناك موبايلات ولكن دقة العمل والتطلع نحو هدف طرد المستعمر هو الهدف السامي بل أتذكر أن إحدى الأخوات كانت حاملا وهي تحمل معها قنابل وتمر هي وزجها بالسيارة عبر ثكنات الجيش البريطاني كما استفادت النساء من الشيدر (الحجاب ) والعادات التي تجعل الجندي البريطاني يحذر من أي تعامل قد يعرضه لغضب ورد فعل عنيف .
نموذج للنضال
كانت المرأة في الضالع بطبيعة المجتمع الرافض للعدوان والاحتلال لا تقل موقفا عن الرجل بل أن المناضلة (دُعره) خير نموذج وقد جرحت ونقلت إلى تعز ثم لمصر للعلاج وكذا المناضلة (شلعة)التي شاركت في القتال ضد الانجليز وقدمتا نموذجا مشرفا لنساء الضالع وعدد آخر من النساء ،فالمناضلة (مريم ) التي عرفت فيما بعد ب( دُعرة ) كانت تنمو وينمو معها الشعور بضرورة المقاومة والرفض للاستعمار ،وكما وصفتها إحدى الصحف المصرية في ستينات القرن الماضي- بأنها ضربت بتقاليد بلدها عرض الحائط تخلصت من الحجاب الذي كان يخفي وجهها، وحلقت شعرها وارتدت ملابس الرجال ووضعت في وسطها الخنجر وعلقت على كتفها البندقية ،و كانت دائماً ما تردد بأن بالها لن يهدأ حتى ترى كل وطنها العربي متحرراً من رجس المستعمر الأجنبي فقد شاركت في العديد من المعارك والاشتباكات بدءاً من انتفاضات القبائل في العامين 65، 75م ومعارك صرواح دفاعاً عن الثورة السبتمبرية الأم والتي أبلت فها بلاءً حسناً وأظهرت من الشجاعة والبسالة ما أبهر الرجال وكذا مشاركتها في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية في جبال المحابشة بحجة إلى جانب أخيها القائد الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة..
صور بطولية
وكانت دُعرة بالنسبة للمستعمر مصدر قلق وعدم استقرار وهو ما دفع قيادة الشرق الأوسط البريطانية إلى رصد مبلغ مائة ألف شلن لمن يقبض على دُعرة ويسلمها للانجليز ،وفي إحدى صور البطولة التي أبدتها المناضلة دُعرة في معركة التحرير، أنها في إحدى الليالي خرجت مع مجموعة من الفدائيين ليقوموا بهجوم مفاجئ على مقر القيادة البريطانية ودامت المعركة أكثر من ساعتين قتل خلالها الكثير من الجنود البريطانيين واشتعلت النيران في مخازن الذخيرة وأحرقت مصفحتين وأثناء تأهب الفدائيين للانسحاب أصيبت في ساقها واستمرت في الانسحاب ولكن أصيبت مرة أخرى في ساقها فسقطت على الأرض ولم تقو على الحركة ثم واصلت وهي جريحة راقدة خلف صخرة تطلق النار على الانجليز لتحمي انسحاب الفدائيين ولما نفذ رصاصها حطمت بندقيتها فوق الصخرة حتى لا يأخذها الإنجليز سليمة وأسرت المناضلة ونقلت إلى سجن عدن وبعدها أذاع راديو لندن وعدن أكثر من مرة نبأ القبض على الإرهابية دُعرة ولصقت منشورات داخل المعسكرات تزف هذا النبأ إلى الجنود والضباط الإنجليز واستجوبها الانجليز وحاول ضباط المخابرات البريطانية معرفة الطريقة الذي يتسلح بها جيش التحرير ومستوى التدريب على حرب العصابات الذي حصلوا عليه والجبهة التي تقوم بمساعدة المناضلين ولكنها أصرت على الصمت ومرت أيام وبعدها عثرت السلطات على خمسة حراس السجن مذبوحين وزنزانة البطلة خالية منها وعادت هذه المناضلة إلى جبهة القتال في ردفان توزع الموت على جنود الاستعمار وعلى أعوانه ،فكانت شخصية وطنية وقومية تتناقل أخبارها وسائل الإعلام المحلية والعربية..
حلم بعيد
ورغم الظروف القاسية آنذاك حصلت البعض من النساء على نصيب لا يستهان به من التعليم حيث كان يعد العلم بالنسبة للبعض حلما بعيد المنال ،ورغم ذلك هناك من قدمت روحها فداءً للاستقلال في فترة لم تكن تملك المرأة أمر نفسها وهي مازالت ترتدي الحجاب ولا تستطيع الخروج من المنزل بدون أن تستأذن من ولي أمرها ،وكما تحدثت الأخت أنيسة الصائغ- لصحيفة 26 سبتمبر: كان وجود المرأة في إطار تنظيم الجبهة القومية أثناء حرب التحرير خطوة أولى في طريق إثبات ذاتها وتحقيق تحررها أمام الحجاب الذي كان قيداً يحد من حريتها وإن كان في تلك الفترة قد خدم المرأة المناضلة كثيراً ،وكما ذكرت المناضلة عايدة سعيد في ذات السياق رغم مساوئه( الشيدر) إلا أن له حسنات بالنسبة لهن كمناضلات والمساعدة على التنكر وتسهيل حرية التنقل من مكان إلى آخر لأنه يخفي شخصيتهن وما يحملن من أسلحة ومنشورات وغيرها .
مهام صعبة
وإن من المهمات الجريئة والصعبة التي كانت تقوم بها المرأة دخول مساجد الرجال- حيث لم يكن يوجد مساجد للنساء- وأخذ الميكرفون ثم إذاعة بيانات الجبهة القومية من إعلان وفاة شهيد إلى التنديد والتشهير بالمواقف المخزية لبعض العملاء والمأجورين ثم تعميم خبر إعدامهم وأخيراً الأخبار عن العمليات الفدائية لمناضلي الجبهة القومية ،وقد تعرضت المرحومة زهرة هبة الله علي بعد أن انتهت من إذاعة منشور للجبهة القومية من على منبر مسجد الزعفران لمحاصرة جنود الانجليز للمسجد ولكنها ،وكما تحدثت الاخت أنيسة الصائغ لم تهتز بل ابتسمت ولم تترك المسجد إلا بعد أن ترك الجنود الانجليز المسجد ،وأن من المواقف الشجاعة لبعض الفدائيات كانت الأخت أنيسة صالح حاملاً وتنزل يومياً لتوزع المنشورات وقد هجم عليها الجنود وحاولوا ربطها بمقدمة دبابة كانت واقفة بالقرب من فرزة أبين ووقفت بجلد وهي تضع الكيس وفيه المنشورات على بطنها تحت الحجاب ولولا نجدة الرفاق لكان الجنود قد أجهضوها ومع ذلك استمرت في توزيع المنشورات كل يوم بدون مبالاة ،وكان كل همها أن تؤدي واجبها .
إعلان الانضمام في التنظيمات
وحسب وثائق أرشيف حرب التحرير،التي ذكرتها صحيفة 26 سبتمبر فإن أعداداً كبيرة من النساء التحقن بالكفاح ضد المستعمر البريطاني سراً من خلال موقعهن في جمعية المرأة العربية،وعند الإعلان عن قيام ثورة أكتوبر عام 1963م، وإعلان الكفاح المسلح ضد المستعمر حتى نيل الاستقلال، نشأت التنظيمات السياسية والفصائل المسلحة للقيام بهذه المهمة وقيادة الكفاح المسلح والعمل الفدائي، ومثَّل ذلك نقطة تحول كبيرة في مسيرة نضال الشعب اليمني وتحرره ،الأمر الذي دفع بالعديد من النساء اليمنيات المناضلات إلى إعلان انضمامهن إلى التنظيمات والفصائل المناهضة للمستعمر- حيث انضمت بعض المناضلات اللواتي كن في التنظيم النسائي السري إلى جمعية المرأة العربية ليمارسن نشاطهن العلني ضمن هذه الجمعية التي كان مصرحاً لها بالعمل العلني، وكان من أوائل تلك المناضلات، الأخوات: زهرة هبة الله(نعمة)، عائدة علي سعيد، نجوى مكاوي(خالدة)، فتحية باسنيد (سلمى)، أنيسة محمد سعيد الصائغ (خديجة).
كانت هذه المجموعة من أوائل النساء اللواتي انضممن إلى الجمعية ليمارسن النشاط التنظيمي واستقطاب النساء المناصرات والعضوات للجبهة القومية، كما انضمت كثير من النقابيات في النقابات العمالية (النقابات الست) المشهورة وعلى رأسها نقابة المعلمين وانضمت إليها ابرز ست معلمات، هن: ثريا منقوش (رجاء)، فوزية محمد جعفر الشاذلي (وفاء)، فطوم علي احمد، أنيسة احمد سالم ،آمنة عثمان يافعي (سعاد)، رجاء احمد سعيد، واللواتي عملن في صفوف المعلمات على كسب العناصر المؤمنة بالكفاح المسلح للانضمام إلى التنظيم السري للجبهة القومية.
عمليات فدائية
ولم يقتصر دور المرأة في المسيرة النضالية، على الدور الاجتماعي والتوعوي، بل أنها شاركت في تنفيذ العمليات الفدائية، بالإضافة إلى أن نجاح معظم العمليات الفدائية ضد القواعد العسكرية والمراكز والمنشآت الحيوية للمستعمر البريطاني، كان يعود الفضل في ذلك للمرأة بمختلف المحافظات، وبالمدن كانت النساء المناضلات يعملن على تهيئة الظروف المناسبة والآمنة لتنفيذ العمليات المسلحة ضد الاستعمار،حيث مرت الجبهة القومية بأزمة مالية في عام 1966م جراء قطع المعونات والأسلحة بسبب واقعة فك الدمج القسري، فتولى القطاع النسائي القيام بحملة تبرعات كبيرة..
شرف الاستشهاد
وفي مدينة عدن وتحديدا في معارك التحرير حظيت العديد من قياداته بشرف الاستشهاد والاعتقال وقيادة دبابات القوات البريطانية عند سقوط مدينة كريتر في أيدي فدائيي الجبهة القومية ،قتلت خديجة الحوشبية برصاص الانجليز في منطقة الحواشب، ونجوى مكاوي وفوزية محمد جعفر اعتقلتا أثناء توزيعهن منشور الشهيد بدر في منطقة كريتر أمام فندق الجزيرة، وقد سحبت سيارتهما بدبابة بريطانية إلى شرطة خورمكسر، وقامت نجوى مكاوي بقيادة الدبابة البريطانية التي قتل فيها البريطانيون يوم سقوط مدينة كريتر في 20 يونيو 1967م ،وحكم على هاتين المناضلتين بالإعدام، أبان حملة الصراعات والاغتيالات بين الجبهة القومية وجبهة التحرير ،أما المناضلات، زهرة هبة الله وعائدة يافعي وأنيسة الصائغ، فتم محاصرتهن في مسجد الشيخ عبدالله بالزعفران من قبل قوات الاحتلال البريطانية عندما كن يذعن منشوراً عبر منبر المسجد وبقين طوال النهار معتقلات في المسجد حتى غادرته القوات البريطانية بعد مغرب ذلك اليوم، وهناك العديد من المناضلات مطمورات، تعرضن للضرب والاعتقال من قبل سلطات الاستعمار البريطاني، وبالذات عندما كن يقمن بالاعتصام أمام سجن المنصورة الذي كان فيه العديد من المعتقلين.
المرأة قائدة
كانت المرأة اليمنية في عدن قائدة للكثير من المظاهرات الجماهيرية المنظمة والعفوية وكانت تتقدم الحشود لتكون في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال وقناصتها ، ففي أكبر مظاهرة جماهيرية حاشدة في كريتر شارك فيها آلاف المواطنين من أبناء عدن قاطبة ،تقدمتها النساء .كان ذلك في 24 سبتمبر 1962م ،أي قبل قيام الثورة في المملكة المتوكلية اليمنية، حين احتشدت الجماهير رافضة تكوين الاتحاد الفيدرالي وضم عدن إليه وتم يومها حرق مبنى المجلس التشريعي في كريتر وقد راح في ذلك اليوم العديد من الشهداء وجرح المئات من المواطنين وزج بالعديد منهم في غياهب المعتقلات السياسية ،كانت رضية إحسان الله وصافيناز خليفة من ضمنهم وحكم عليهما بالسجن لبضعة أسابيع ، وهن رهن الاعتقال أضربت رضية إحسان عن الطعام تعبيراً عن احتجاجها على السياسة الاستعمارية القمعية ورفضها للاحتلال ،ونتيجة لأدوارهن البطولية المؤثرة في إسناد الثورة فإن المرأة وفي مستعمرة عدن تحديداً تعرضت لأنواع شتى من أساليب الإرهاب والتعذيب النفسي والجسدي حيث كانت منازلهن تتعرض للمداهمة والتفتيش كما اعتقل عدد كبير منهن وزج بهن في السجون بالإضافة إلى مواجهة المسيرات التي كن يقمن بها بالقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص.
شهيدة مظاهرة
وأخيرا سجل التاريخ أسماء نسائية عديدة كان لها شرف الرياده في النضال السياسي والاستشهاد، وهنا – لطيفة علي شوذري- التي استشهدت برصاص قناص بريطاني وهي في مقدمة مظاهرة سلمية معظمها من النساء في مدينة كريتر عام 1965م ، كانت من إحدى الأسر الفقيرة والوحيدة التي تعيل أسرتها ،وكما ذكرت عنها (رضية إحسان الله) والتي شهدت استشهادها وهي ( لطيفة ) رفيقة طفولتها بأنها عملت وهي في عمر الزهور كجندية في شرطة كريتر ، وفي الوقت نفسه كانت تنشط سراً في إحدى الخلايا الوطنية الفدائية، وأنها من أبرز المناضلات إبان الاحتلال وكانت من المغامرات الجريئات والجسورات اللاتي خضن العمل السياسي دون خوف من قمع جنود السلطة الاستعمارية وذاقت صنوف التعذيب النفسي وهي في زنازينهم ،دفعها إلى كل ذلك حب الوطن والتوق إلى الحرية من الاستعمار وكسر القيود التي كبلت المرأة دهراً.
وهكذا نجد أن المرأة اليمنية قد صنعت مع أخيها الرجل تاريخ انتصارات شعبنا منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر إلى الانتصار الذي تتوج بإعلان الاستقلال يوم الـ30 من نوفمبر 1967م ورحيل بريطانيا عن بلادنا إلى الأبد..