إعداد / نزار علي
منذ انطلاق ثورة 14 أكتوبر الوطنية التحررية عام 1963م كانت تعز قاعدة خلفية لهذه الثورة العظيمة.
مدينة تعز بطبيعتها وهوائها وأهلها وجغرافيتها الممتدة والقريبة بل الأقرب إلى عدن ولحج.. هذه المدينة أضافت مع بداية العام 1963م إلى سماتها الإيجابية سمات أخرى, فمن جهة شهدت انتعاشاً اقتصادياً واجتماعياً أكبر.. ومن جهة ثانية تعددت وتعايشت فيها تيارات سياسية ذات توجهات فكرية وايديولوجية مختلفة, فيها ما هو وطني وقومي، واشتراكي علمي واسلامي.. ومن جهة ثالثة أصبحت تعز مدرسة وطنية لتربية وتدريب وتخريج كوادر وأفراد جيش التحرير والفدائيين لمنازلة قوات الاحتلال البريطاني في عدن والمناطق الجنوبية الأخرى .
الدكتور سلطان عبدالعزيز المعمري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة تعز يقول في دراسة تاريخية: شهدت تعز افتتاح عدد من معسكرات الإعداد والتدريب لأبناء مختلف مناطق الجنوب اليمني المحتل منذ 19 يناير 1839م ،التي بدأت عملياً منذ اوائل عام 1964م تستقبل وبشكل متتالٍ جماعات ودفع المتطوعين للالتحاق بصفوف جيش التحرير والقطاع الفدائي في مدينة عدن وجميع أفراد تلك الدفع كانت الأُطُر التنظيمية للجبهة القومية في الداخل هي من تختارهم وترسلهم إلى قيادات مكتب الجبهة في تعز والذي يتولى بدوره استقبالهم وتسليمهم إلى معسكرات التدريب المعدة سلفاً بالتنسيق مع قيادات الأجهزة الأمنية الشمالية في تعز.
مكتب رئيسي
وكانت الجبهة القومية آنذاك برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي قد افتتحت مكتبها الرئيسي في تعز في 3 يونيو عام 1964م والذي تفرعت عنه عدة مكاتب توزعت مهام العمل اليومي والاستراتيجي هي: مكتب الأمانة العامة – مكتب التنفيذي لاحقاً- المكتب العسكري، المكتب المالي، مكتب العمل الجماهيري، مكتب التنظيم الشعبي وارتباطاً بهذا أخذت تتوافد إلى تعز عناصر من قيادة فرع حركة القوميين العرب في اليمن لتنظيم وقيادة الأنشطة المختلفة للجبهة القومية في مدينة تعز.. المدينة التي أصبحت من يومها قاعدة متقدمة ورئيسية للجبهة منها ثم الإمداد البشري والعسكري لنصرة الثورة الأكتوبرية الوطنية التحررية المنطلقة شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء عام 1963م..وكان أمين عام الجبهة القومية حينها المناضل الفقيد قحطان محمد الشعبي الحاضر الأول إلى تعز عند افتتاح المكتب الرئيسي للجبهة في تعز في 3 يونيو 64م ومعه سالم زين محمد، ومحمد علي الصماتي ونجيب مليط، وناصر السقاف، ومحمد عبدالله المجعلي، وحسين عبدالله عبده، وأحمد حاجب.
وصول عناصر قيادية لحركة القوميين
في أوائل يونيو 1964م كان أول الواصلين من العناصر القيادية لحركة القوميين العرب:
– الجبهة القومية إلى تعز.
– علي أحمد ناصر السلامي.
– طه أحمد مقبل.
ثم وصل في أوائل يوليو 1964م محمد علي هثيم- عبدالباري قاسم- أبوبكر شفيق- سالم ربيع علي- علي ناصر محمد.. وفي بداية أغسطس كان وصول محمد سعيد مصعبين- ناصر صدح ولحق بهم في الوصول إلى تعز في 26 أغسطس عام 1965م علي محمد سالم الشعبي وآخرون غيرهم.. في هذا السياق وما إن بدأت المكاتب التابعة للجبهة القومية في تعز تباشر أعمالها حتى توافدت إلى المدينة العديد من المجموعات البشرية لتلقي التدريب في معسكرات صالة ثم العودة إلى مناطق المواجهة .، جبهات القتال في أرياف الجنوب والعمل الفدائي في عدن التي وصلت أول مجموعة منها للتدريب في تعز في يونيو 64م قوامها 40 فرداً وهم: علي صالح علي، صالح محمد الجابري، خالد عبدالله قاسم، صلاح الدين عبدالرحمن، أحمد علي العلواني ، عبدالكافي محمد عثمان، سالم صالح باجبح، السيد عبدالله علوي، حسين علي الصغير، عبدالله محمد الهيثمي، أحمد محمد محوري، أبوبكر شفيق، أحمد محمد سعيد، عبدربه علي الخضري، علي عوض أحمد، عبدالرب علي محمد، فضل محسن عبدالله، فضل عبدالله عوض، مهيوب علي غالب، (عبود) أحمد ناصر السعيدي، فارس سالم فتح، عبدالله أحمد الخامري، حسين الجابري، أحمد صالح محمد، علي محمد مقبل، عبدالعزيز عبدالولي ناشر، علي عمر حسين، علي محضار قاسم، علي حفيظ صالح، عبدالله محمد حفيظ، محمد صالح عبدالله، عمر قاسم فضل، عبده هزاع صلاح عبدالله قيس، سعيد عمر بن شملان، خالد أبوبكر بارأس، سلام أحمد عبدالله، علي بن أحمد عبدالله.
دفعة جديدة من ردفان
ووصلت دفعة جديدة من أبناء ردفان للتدريب مكونة من (19) مقاتلاً هم: أحمد محمد عبد محلاي، سعيد صالح سالم، مثنى صالح ثابت، ثابت ناصر دباه، فضل علي سالم، فضل سالم حسن، صالح ثابت ناصر، عبدالله علي حسين، حسين عيدروس، عاطف أحمد مثنى، قاسم عبد الله محسن، فضل عبد الكريم، محمد قاسم جيبوب، راجح حسين صالح، محمد راجح ثابت، وقاسم عبد الله سعيد، عثمان محمد نصر علي مثنى أحمد، عمر حسين نصر.
هؤلاء حلوا بدلاً عن الدفعة الأولى الذين أنهوا تدريبهم وتم إرسالهم إلى ساحة الكفاح المسلح في 1/ 11/ 1964م وكان عددهم 19 مقاتلاً.
هذا الإعداد والتجهيز لمقاتلي جيش التحرير والعمل الفدائي خلال سنوات النضال ضد الاحتلال البريطاني من جانب والعمل السياسي والتنظيمي والجماهيري- الشعبي مكن مقاتلو الجبهة بين 20 مايو- 2 أكتوبر 1967م من إسقاط الأنظمة السلاطينية الإقطاعية في 16 منطقة في جنوب اليمن المحتل وهي: كريتر 20/ 5/ 67 الضالع 22/ 5، الشعيب 25/ 5 ، المفلحي 12/ 8 لحج 13/ 8 ، دثينة 13/ 8، العواذل 27/ 8، زنجبار 28/ 5، العوالق السفلى 28/ 8، يافع العليا 2/ 9، مشيخة العقربي 2/ 9، العوالق العليا 2/ 9، سلطنة القعيطي 9/ 9، بيحان16/ 9، حريب 18/ 9، 19/ 9 طرد فلول، 2/ 10 الكثيري عام 1967م.
سبق ذلك نجاح الثورة الأكتوبرية بفتح أربع جبهات قتالية في العديد من أرياف الجنوب ومستعمرة عدن وذلك بين عامي 64 و76م واستمرت قيادات الجبهة القومية في الداخل باختيار المقاتلين من كل المناطق وإرسالهم إلى مكاتبها في تعز للتدريب على مختلف الأسلحة والعودة إلى مناطقهم وجبهاتهم القتالية.
مدينة تعز كان لها شرف احتضان الأنشطة السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية والجماهيرية الداعمة لثورة 14أكتوبر ضد التحالف الأنجلو سلاطيني في الجنوب اليمني.
تبرعات لصالح الثورة
وفي تعز جُمعت التبرعات لصالح الثورة التحررية 14أكتوبر وهذه حقائق ووقائع، يقول أ.د سلطان المعمري: نثبتها هنا اليوم ليس فحسب كمؤرخ وباحث أكاديمي، إنما أيضاً كشاهد عيان ومشارك في بعضها كطالب حينها بمدارس تعز التي شهدت أيضاً عقد أكثر من لقاء ومؤتمر تنظيمي لقيادة الثورة الأكتوبرية التحررية أثبتها هنا للتدليل أهمها: لقاء شباب الجبهة القومية المنتمين لحركة القوميين العرب في يونيو عام 1965م والذي حضره بحسب بعض المراجع الأستاذ الفقيد/ عبدالقادر سعيد طاهر، عبدالرحمن محمد سعيد، فيصل عبداللطيف الشعبي، محمد سعيد مصعبين، أحمد صالح الشاعر، سالم ربيع علي، عبدالله أحمد الخامري، عبدالملك إسماعيل، حسين عبده عبدالله، محمد البخيت، وحيدر أبوبكر العطاس الذي حضر من القاهرة كممثل للطلبة الدارسين في مصر، وسالم علي الكندي، وعبدالباري قاسم، عبدالحميد عبدالعزيز الشعبي.
تبع هذا عقد المؤتمر الأول للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في الفترة من 22 – 25يونيو عام 1965م بمكتب الجبهة الواقع يومها بحارة المستشفى الجمهوري في تعز والذي شارك فيه قحطان محمد الشعبي، عبدالفتاح إسماعيل، سالم زين محمد، عبدالله الخامري، جعفر علي عوض، طه أحمد مقبل، سيف الضالعي، فيصل عبداللطيف، علي محمد سالم الشعبي، ناصر علي صلاح، سالم ربيع علي، عبدالملك إسماعيل، محمد سعيد مصعبين، حسين عبدالله، عبدالباري قاسم، حيدر أبوبكر العطاس ، أحمد صالح الشاعر، محمود ناصر، حمد عبدالله المجعلي، محمود عبدالله عُشيش، علي أحمد ناصر عنتر، علي العامري، محمد علي الصماتي، صالح مصلح قاسم، قاسم الزومحي، ثابت علي مكسر، عبدالهادي باعوض، محمد عبيد، أحمد سالم عبيد، صالح الغزالي، محمود عمر سيف، محمد البخيت، عبدالحميد الشعبي، عبدالله محفوظ، مطهر الخلاقي، محمود ناصر، قاسم هزبر، السيد محمد عبيد، سالم الكندي ، محمد أحمد البيشي.
مؤتمر حُمرُه
وبعد ذلك جاء مؤتمر حُمرُه تواصلاً للقاءات والذي أقر الانسحاب من جبهة التحرير، وكان المؤتمر الأول قد أقر انعقاد هذا المؤتمر وهو الثاني للجبهة القومية وحضره 55 شخصاً حسب بعض المراجع بينهم علي سالم البيض، محمد صالح مطيع، نجوى مكاوي، سعيد الإبي، سالم صالح محمد، عبدالقادر أمين القرشي، عبدالرزاق شائف، علي شيخ عمر، سالم العكبري، وعبدالله مطلق، عوض الحامد، وغيرهم.. وكانت قيادة الجبهة في تعز قد أقرت عقد مؤتمر استثنائي في منطقة جبلة في 7نوفمبر عام 1966م.
شحن الإمدادات
من تعز قلعة الإمداد الرئيسية كان يتم إرسال كل شحنات ودفع الأسلحة بكل أنواعها وكمياتها المختلفة إلى كل جبهات الثوار ضد الاحتلال وكانت أول شحنة للأسلحة ترسل إلى جبهة ردفان في 9يونيو عام 1964م أدخلت براً على ظهور حوالي 127جملاً وحماراً وفي نوفمبر من العام أيضاً تم إدخال دفعة من الأسلحة براً إلى جبهة ردفان التي منها انطلقت الشرارة الأولى للثورة التي أشعلت السهل الجنوبي اليمني كله في وجه المستعمر الأجنبي وقواته المحتلة وأحرقت الأرض من تحت أقدامهم وإجبارهم لاحقاً على الرحيل بفضل استمرار الثورة ومواصلة مختلف أشكال الدعم لها وأهمها الأسلحة وتسليمها لمسؤولي المكتب العسكري للجبهة في تعز الذين كانوا يدخلونها بطرقهم الخاصة إلى الجبهات القتالية ومن الشهادات الدالة على الدور الهام لتعز في إعداد مقاتلي جيش التحرير والقطاع الفدائي ما جاء في كلمة الرئيس علي ناصر محمد الموجهة إلى مركز تريم للعمارة والتراث المنعقد يوم 13/ 10/ 2010م المكرس للذكرى الأربعينية لوفاة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر الذي قال عنه الرئيس علي ناصر محمد: إنه جسَّد القول بالفعل عندما شكل جهازاً أطلق عليه اسم عملية صلاح الدين ليشرف عليه من الضباط المصريين وفُتحت معسكرات التدريب وكان لي الشرف أني كنتُ من بين الذين التحقوا بهذه الدورات في تعز ومدرسة الصاعقة في مصر.
دفعة عدن
وإلى تعز كانت تصل دفع من المقاتلين للتدريب بما فيها جبهة عدن التي أرسلت أول دفعة أسلحة في بداية عام 1964م وفي يوليو من نفس العام تسلم المكتب العسكري للجبهة القومية في تعز الدفعة الثانية بينهم فدائيون لم ينصفهم أحد فيما بعد منهم الفقيد أحمد علي بن علي عمر «كاسترو».
وثائق تاريخية
وفي هذا الإطار هنالك العديد من الوثائق التاريخية التي تثبت حقيقة الدور الكبير والإسهام الفاعل لتعز وأبنائها في دعم انتصار ثورة أكتوبر التحررية 63 – 1967م وفي بناء وقيادة دولة الاستقلال الوطني في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً.
التنظيم الشعبي
وفي التنظيم الشعبي للقوى الثورية وجبهة التحرير في عدن منهم على سبيل المثال لا الحصر الشهيد عبدالفتاح اسماعيل، ومحمد سعيد عبدالله الشرجبي «محسن»، الفقيد عبدالعزيز عبدالولي، الفقيد سلطان القدسي، د.عبدالعزيز الدالي، الدكتور سلطان الصريمي، الشهيد والقائد النقابي والسياسي عبدالله عبدالمجيد الكليبي «السلفي»، الفقيد عبدالغني شمسان المعمري، الفقيد محسن عبده علوان الجرادي، ومحمد عبده علوان المعمري، والشهيد مهيوب غالب الشرعبي الشهير بـ «عبود»، وغيرهم العشرات بل المئات من المناضلين من كل مناطق لواء تعز.
“تعز”.. ومنبع البركان
اجتذبت عدن أعداداً كبيرة من أبناء لواء تعز بفعل سياسة البطش التي مارسها نظام الحكم الإمامي ودوافع أخرى كالمجاعات التي جعلت كثيراً منهم يهاجرون إلى بلدان وقارات العالم في النصف الأول من القرن العشرين ومارسوا التجارة ولامسوا متغيرات عالمية.
وفي عدن قابل الاستعمار أبناء تعز الوافدين بالتهميش ولذلك ذهب تجار تعز في عدن وخاصة تجار مناطق:«حيفان، الأعروق، الأعبوس، القريشة، بني شيبة، دبع» ومعهم تجار حضرموت من أمثال: باحميش بازرعة.. وبعض العلماء وفي مقدمتهم الشيخ أحمد العبادي والشيخ محمد بن سالم البيحاني بادروا إلى إنشاء مدارس خاصة بالأبناء من غير مواليد عدن وربما قبلت العدنيين أيضاً ومن أهم هذه المدارس كلية بلقيس ومعهد البيحاني ومدرسة بازرعة.. كما ألحقت مدارس أصغر ببعض مساجد حي الروضة والشيخ عثمان والمعلا دكة، وكان لهذه المدارس الأثر الكبير في استيعاب أبناء مواطني تعز والحجرية خصوصاً وأبناء مواطني المحميات.
هذا الإنجاز أردف به إنجاز آخر تمثل في إرسال بعض التجار والميسرين والمشائخ أبناءهم للدراسة في مصر سواء للدراسة الثانوية أو الجامعية.
وبعد ثورة 23يوليو عام 1952م منحت مصر عبدالناصر أبناء اليمن امتيازاً خاصاً في الدراسة على حسابها في مدارسها وجامعاتها، مما دفع الإمام أحمد حميد الدين إلى منح بعض هؤلاء مساعدات من الدولة لكسبهم إلى صفه وقطع الطريق على الآخرين في التأثير على هؤلاء الطلبة وأرسل موالين له إلى بلدان متفرقة.
وفي هذه المحاضن التعليم في مدارس عدن ومصر محاضن الجمعيات الأهلية في الداخل وتكوّن وعي وطني عارم بضرورة التخلص من الاستبداد والاستعمار وإخراج اليمن من التخلف الذي جثم عليها بسببها.
رأس الحربة
وكان أبناء تعز يمثلون رأس الحربة في هذه الجبهة والقطاع الأوسع من هذا التكوين حسب قول د. عبدالله محمد سعيد جامعة تعز الذي أضاف قائلاً: واحتك الطلبة اليمنيون في الخارج بالحركات الأدبية والسياسية ورأوا أن التغيير لن يكون إلا من خلال التجمع في تنظيم سياسي ولكن لم يكن أمامهم تنظيم واحد وأخص مصر بالذكر لكنها تنظيمات الإخوان المسلمين حركة القوميين العرب البعث التيار الناصري فذهب هؤلاء الطلبة يتعرفون في الانتماء إلى هذه التنظيمات ولكن جمعتهم قضية واحدة هي إنقاذ اليمن من أيدي الإمامة والاستعمار وكان أبناء تعز في مقدمة هؤلاء الذين ينخرطون في الانتماء لهذه التيارات وشكلوا الأغلبية في قيادة هذه التيارات.
إرهاصات الثورة صنعها تجار عدن وفي مقدمتهم تجار تعز ومتخرجو المدارس والجامعات في الداخل والخارج ويقع في مقدمة هؤلاء أبناء تعز، ثم الحركات السياسية التي وجد فيها أبناء تعز هدفهم وتطلعاتهم.
وعقب قيام ثورة 26سبتمبر 1962م استقبلت تعز آلاف الشباب من جميع البقاع لتعبئتهم وإرسالهم في قوافل الحرس الوطني إلى صنعاء لمواجهة أعداء الثورة، وعند انطلاق ثورة 14أكتوبر 63م ولقربها من عدن والقاعدة العسكرية البريطانية في العند وضعت تعز نفسها تحت تصرف الثوار الذين فتحوا جبهة الجنوب المحتل فكانت تعز قاعدة انطلاقهم في مسار العمل الفدائي والكفاح المسلح ضد الاستعمار، فكانت(تعز لب الوطن ومنبع البركان) والمدينة التي احتكت بتجارب الثورات.. واحتلت تعز مكانة متميزة في صفحات الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ،ففي ظل متغيرات ما بعد الحرب العالمية وتفجر ثورة 23يوليو 1952م بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر كانت المدينة تفتح في الجدار ثغرات للنور.
في أواخر عقد الخمسينيات استحدث ثقافة جديدة ثقافة ثورية تستقرئ تجارب الثوار في بلدان العالم من خلال تسلل كتب ثورية إلى تعز أضافت رافداً إلى جانب انتشار الراديو بين الناس في أجواء المد القومي العربي.. وأورد شاعر اليمن وأديبها الراحل عبدالله البردوني في اليمن الجمهوري عناوين كتب هي:«اللا منتمي» لكوني ولسن و«تاريخ الثورات» لنهرو «في سبيل البعث» لميشيل عفلق و«فلسفة الثورة» لجمال عبدالناصر، و«فاروق ملكاً» لأحمد بهاء الدين، و«النكبة والبناء»” لوليد قمحاوي، و«معالم الحياة العربية» لمنيف الرزاز.
هذه الكتب كانت تنقل بسرعة من القاهرة وبيروت إلى تعز بدءاً من عام 1957م عن طريق أفراد قياديين كانوا يوزعونها عن قصد على كل مثقف شرط أن تقرأ بسرعة لتنتقل إلى قُراء آخرين وكان الواحد منها يكفي مدرسة وكان التوزيع يركز على طلبة الثانوية والكليات العسكرية.. هذه الكتب جابت الوطن حتى عام 1960م حين دخلت عناوين جديدة أمثال: «الميثاق الوطني المصري» و«عاصفة على السكر» عن ثورة كوبا، و«باسم الحرية» لينكرو الزعيم الثوري الأفريقي وكتاب «عارنا في الجزائر» لساتر.. هذه الكتب عربية ومترجمة استدل البردوني على انتماءات موزعيها وتنظيماتهم السرية من يسار وقوميين: بعث وقوميين عرب وناصريين.. وفي تعز صدرت صحيفة الطليعة في عام 59 منتصف عام 1960م ورأس تحريرها عبدالله باذيب ما يشي بوجود تنظيم ماركسي امتد من تعز إلى غيرها من المدن، وكان تنظيم البعث العربي الاشتراكي قد ظهر عام 1957م وبعده حركة القوميين العرب عام 1959م.
جمال عبدالناصر من تعز: نحن هنا
في ابريل عام 1964م استقبلت تعز الزعيم العربي جمال عبدالناصر وصممت له المدينة استقبالاً عفوياً أُسطورياً وبقدر الحماس الثوري والحفاوة بهذا الزعيم جاء خطابه التحذيري الموجه للاستعمار مشحوناً بأقوى الكلمات المعبرة عن تلاحم الثورة العربية وعن الوجود المؤثر لمصر إلى جانب أبناء اليمن واليمنيين الثائرين ودعم مصر لتحرير الجنوب.. كلمات ناصر التي وصلت صاعقة من تعز إلى كل شارع وزقاق في مدينة عدن الباسلة ومن خلالها قال عبارته الشهيرة: «على بريطانيا العجوز أن تأخذ عصاها وترحل من عدن».. اللواء عبدالمنعم أحد القادة المصريين الذين ساهموا في الدفاع عن الثورة اليمنية ونصرتها وصف احتفاء الناس بزيارة تعز واستقبالهم له أنه أمر استثنائي وقال: إن المواطنين في تعز رفعوا السيارة التي كان يستقلها الزعيم جمال عبدالناصر وسار الناس مسافات طويلة مع الموكب استمر أربع ساعات.
مدينة تعز تحولت إلى ورشة عمل ثوري لنصرة ثورة 14 أكتوبر فكانت قبلة الثوار وحاضنة الثوار الذين تدربوا وتسلحوا فيها وبدعم عسكري ومادي ومعنوي من ثورة مصر عبدالناصر.. ومن تعز انطلقت قوافل المناضلين والسلاح إلى جبهات القتال والعمل الفدائي مثلما حمل الأثير البرامج الثورية من إذاعة تعز وخطط لعمليات فدائية أولها عملية صلاح الدين بمساعدة ضباط مصريين وهزت كيان الاحتلال.
تعز التي حمل أبناؤها مشاعل التغيير سواء بالانتصار للثورتين سبتمبر وأكتوبر أو بتوظيف القدرات والإمكانات التي امتاز بها أهلها في الداخل والخارج في مجال البناء والإعمار وأصابتها عاصفة هزيمة 5يونيو 1967م فرضت الهزيمة تعبيراً عن وعي ثوري عروبي ووحدوي وصدمت مرة ثانية عند حدوث انقلاب 5نوفمبر 1967م في صنعاء وحصار صنعاء 67-1968م بعد خروج القوات المصرية من اليمن واصطدم انقلاب 5نوفمبر 67م برفض شعبي جارف، حيث خرجت المدارس بمظاهرات قوية ولم ينته هذا الرفض في نهاية يوم 6يونيو بحل أخمدته رصاصات الجيش.. وكأن تعز كانت تدرك تماماً أن الصراع الجمهوري الملكي ووشائج القربى بين التقدميين في الصف الجمهوري وثوار 14أكتوبر لن تكون أقوى من وشائج القربي بين التقليديين من الجمهوريين والملكيين.
باحثون يرون اليوم أن إضعاف المعسكر الجمهوري كانت مقدماته تبدو في شكل رفض القوى التقليدية في لحظات مد ثوار الجنوب بالسلاح الذي قدمه التقدميون سراً.
وانتصرت ثورة 14أكتوبر بإعلان الاستقلال في 30نوفمبر 1967م واعترفت صنعاء باستقلال الجنوب حتى لا تضيف سلطة 5نوفمبر لنفسها خصماً جديداً وهي محاصرة.. وبدأ البحث عن لحمة الوطن المشطور وسط أول حرب شطرية في 1972م.
“راديو تعز”.. صوت الكفاح المسلح
في نهاية عام 1964م بثت إذاعة تعز برامجها الثورية الموجهة إلى أبطال الكفاح المسلح والفدائيين في جبهة الجنوب وأبناء اليمن في مناطق وصول البث، الإذاعة بدأت بثها من قصر الضيافة ثم وضع حجر الأساس لمبنى الإذاعة في الحوبان وكانت البداية بخبرات مصرية وطاقم يمني وفي نفس العام كان تلفزيون عدن بدأ البث إلى جانب إذاعة الجنوب العربي تحت سلطة الاستعمار، ولأن الأمية منعت الناس من الاستفادة من الصحف فقد كانت أجهزة الراديو في أيدي أعداد متزايدة من الناس بعكس ما كان في عقد الأربعينيات، حيث كانت أجهزة تلقى الإذاعات الدولية معدومة وبعد ثورة 26سبتمبر 1962م تغير الوضع فظهر الفرق كبيراً بين ظروف ثورة 1948م، وثورتي سبتمبر وأكتوبر 1963م إذا ثار الشعب في الشمال بمجرد إعلان بيان الثورة السبتمبرية من إذاعة صنعاء مقارنة بثورة 1948م وفي عام 1964م كانت ثورة يوليو في مصر قد بلغت 12عاماً وثورة 26سبتمبر عامين وثورة 14أكتوبر عام وتراكم الإرهاصات ودور إذاعة تعز المؤزر لها عمق الثقافة الثورية وجاء دعم مصر عبدالناصر ليعزز عوامل نجاح الثورة ضد الاحتلال البريطاني.. ففي مدينة تعز ذاتها كان للإذاعة الموجهة لدعم ثوار 14أكتوبر من الفاعلية والتأثير بحيث كان المواطنون يستقبلون برامجها طيلة ساعات إرسالها بنشوة ودون ملل حسب ما ذكره محمد محمد المجاهد صاحب كتاب ((تعز.. غصن نظير في دوحة التاريخ العربي)) وفي عدن كانت بعض الصحف كالأيام تتناول ما تبثه إذاعة تعز من أخبار وبيانات تفضح روايات إعلام الاحتلال في عدن وأخبار من وصلوا إلى تعز ومواقفهم الثورية وغير ذلك مما ذكره د. سيف علي مقبل في كتابه (دور عدن في الثورة التحررية المسلحة في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني 64 – 1967م).