تجربة حركة التحرر الوطني الفيتنامية ( 11 )

 

عبدالجبار الحاج
البيان الختامي السياسي :
تطرق البيان الختامي، الذي شمل 12 فقرة، إلى أبرز مضامين الاتفاقيات، وأعاد تأكيدها، وخاصة ما يتعلق بوقف إطلاق النار، وخط الهدنة، والقواعد العسكرية، والأهداف الأجنبية، وحرية التنقل. كذلك تحدث البيان بقضيتَين رئيسيتَين، هما: احترام استقلال فيتنام وكمبوديا ولاوس وسيادتها ووحدة أراضيها، وإجراء الانتخابات العامة الحرة؛ إضافة إلى عزم فرنسا إجلاء قواتها من المنطقة.
باستعراض فقرات البيان يمكن إعطاء صورة أوضح :
في المقدمة، يشير إلى الاتفاقية العسكرية؛ كونها تنهي العمليات العسكرية في البلدان الثلاثة، وتنظم رقابة وإشرافاً دوليين على تنفيذها. ويعرب المؤتمرون عن سرورهم بإنهاء تلك العمليات وعن قناعتهم بأن هذه الاتفاقيات، سوف تؤدي دوراً في استقلال تلك الدول وسيادتها الكاملة. ثم يذكر البيان المواقف الإيجابية لكلّ من لاوس وكمبوديا، في خصوص الانتخابات العامة، المقررة عام 1955، وفقاً لأحكام دستوريهما، ومن طريق الاقتراع السري، واحترام الحريات السياسية للمواطنين.
يشير البيان، في الفقرات التالية، إلى تحريم إدخال قوات عسكرية وأسلحة وذخيرة إلى فيتنام، وفق الاتفاقية العسكرية وإلى تعهد كلّ من لاوس وكمبوديا بعدم طلب أيّ معونة أجنبية، إلا “بهدف الدفاع الفعال عن أراضيها”. كما يشير إلى منع إنشاء قواعد عسكرية أجنبية، أو الانضمام إلى تحالف عسكري، أو استخدام منطقتَي التجمع في عمليات: عسكرية أو سياسية، عدوانية؛ وإلى تعهد كلّ من لاوس وكمبوديا، ألا تنضمان إلى تحالف عسكري، وألا تسمحان بإنشاء قواعد أجنبية عسكرية في أراضيهما. بعد ذلك تأتي واحدة من أهم فقرات البيان، حيث يعترف المؤتمر، أن خط الهدنة العسكرية في خصوص فيتنام، والذي نصت عليه الاتفاقية العسكرية، هو مؤقت، ولا يمكن تفسيره على أنه حد سياسي أو إقليمي. ويعرب عن قناعته بأن تنفيذ ما جاء في هذا البيان وفي الاتفاقية العسكرية، يخلق الأساس للتوصل إلى تسوية سياسية في فيتنام، في المستقبل القريب.
والفقرة الأشد خطراً، هي الفقرة السابعة؛ لأنها تقبل أكثر من تفسير، وهي المتعلقة بالانتخابات العامة، تقول: إن تسوية المشاكل السياسية، على أساس احترام مبادئ الاستقلال والوحدة والوحدة الإقليمية، سوف تسمح للشعب الفيتنامي بأن يتمتع بالحريات السياسية، التي تضمنها المؤسسات الدستورية، التي ستنشأ نتيجة لانتخابات عامة حرة، من طريق الاقتراع السري؛ ولكي يضمن تحقيق تقدم كاف في عملية استرداد السلام، وتوافر كل الظروف المطلوبة لتأمين تعبير عن الإرادة الوطنية، عبر مؤسسات ديموقراطية؛ وأن يتم ذلك على أساس احترام مبادئ الاستقلال ووحدة الأراضي لفيتنام.
ونص البيان على عقد مشاورات بين السلطات المعنية، الممثلة للمنطقتَين، بدءاً من 20 يوليه 1955، وصاعداً. ثم تحدد الفقرة موعد الاستفتاء على الوحدة والانتخابات المذكورة في يوليه 1956، تحت إشراف لجنة دولية يطالب المؤتمر، بعد ذلك، بتطبيق النصوص الخاصة بحماية الأشخاص والممتلكات، وحرية انتقالهم إلى المنطقة، التي يرغبون في العيش فيها، بمنتهى الدقة. ويطلب من السلطات في المنطقتَين الفيتناميتَين، ولاوس وكمبوديا، منع الإجراءات الانتقامية: الفردية أو الجماعية، من الأشخاص أو عائلاتهم.
لفت المؤتمر، بعد ذلك، إلى بيان الحكومة الفرنسية، حول استعدادها لإجلاء قواتها من أراضي الدول الثلاث، بناء على طلب الحكومات المعنية وحول مراعاتها لمبدأ احترام استقلال تلك الدول وسيادتها ووحدة أراضيها، والامتناع عن أيّ تدخل في شؤونها الداخلية.
وفي الفقرة الأخيرة، يوافق الأعضاء على التشاور فيما بينهم، إذا ما دعت لذلك لجنة المراقبة الدولية لكي يتدارسوا الإجراءات اللازمة لضمان احترام وقف العمليات العسكرية .
…………….
يكاد المتابع لوقائع المعركة الحاسمة ، في ديان بيان فو ، التي سارع الفرنسيون أثنائها إلى تعجيل المفاوضات وتحريك مسار التسوية عبر مؤتمر جنيف في موضوعة الحرب الفيتنامية الفرنسية ، الذي خصيناه بهذا الإيضاح ، ذلك ان المؤتمرات العالمية للسلام التي كرست لوضع اتفاقات سلام في الموضوع الفيتنامي متعددة باختلاف مراحل الصراع واطرافه الاستعماريين الاختلالين .
الخلاصة التي التي أردتها هنا ، انه ، يكاد المتابع أن يجزم وهو يرى تتابع الهزائم، في مختلف مناطق الاشتباك ، مع قوات الفيت منه ، وسرعة تمدد وانتصارات الفيتت منه جنوبا ، انه لولا السرعة في سير جلسات المؤتمر وفي انجاز مخرجاته تباعا الى حين التوقيع على صيغة البيان والبنود والاتفاق الانهائي التي وضعت الخط 17 حدا للفصل بين القوات . لولا هذا كله لكان التقدم العسكري ومسار التحرير ، قد واصل الانتصار والتحرير ،إلى أقصى نقطة في الجنوب الفيتنامي ، هذا إذا سلمنا احتياطا بان سايجون عاصمة الجنوب وحدها قد تحتاج إلى عدة أشهر .
كانت هزيمة الفرنس وأمريكا من الخلف ، في معركة ديان بيان فو دافعا يجبر الفرنس على البحث عن تسوية ، هذا في حين انها ، استمرت ولم تدخر جهدا أو مخزونا أو جندا أو مالا لديها ، في تقديمه وتسخيره للمعركة .الى ان حدثت الهزيمة العسكرية الساحقة وإعلان قائد المعركة الميداني ، كريستيان كريستيو الاستسلام مع من تبقوا لديه من افراده وضباطه حوالي خمسة عشر الف .
هذه السرعة في مؤتمر جنيف ، فاجئت الفيت منه الذي أراد أن يوظف هزيمة المحتلين في ديان بيين فو ، إلى أقصى ما يمكن توظيفه .
لكن السرعة في انجاز المؤتمر هي من قطعت وأحرمت الفيت منه من توظيفه خاصة وقد تتباعت الهزائم من محافظة لا تشاو شمالا حيث ديان بيان فو جزءا منها ، وتوالت هزائم الفرنس متسارعة حتى خط 17 آخر أيام المؤتمر .
فوجئ الفيت منه ليس من الاستعجال الفرنسي قدر تفاجئهم من العجلة السوفييتية والصينية . أما ألفيت منه فلم يكن أمامهم سوى ان يظفروا بما تحقق ذلك ان قيام دولة فيتنام الديمقراطية وعاصمتها هانوي أمرا بات في حكم المنجز الذي سيصبح منجزا يبنى عليه استكمال التحرير والاستقلال ، ولكن أيضا بكلف مضاعفة مع تدخل أمريكا العسكري الاحتلالي الذي سيتجلى بوضوح في دعم نظام العميل دييم ، وتعطيل الاستفتاء حول الوحدة الفيتنامية الذي كان مقررا وعسكرة الوضع مجدد وهو ما سيتضح لاحقا ، مع العام 60 وتشكل معارضة سياسية وعسكرية فيتنامية جنوبية .باسم جبهة التحرير الوطني ، المختصرة بالفيتكنج . تلك مرحلة حرب التحرير التحرير الوطنية الفيتنامية التي ستمتد حتى هزيمة أمريكا الساحقة في ابريل 73 وذلك موضوعنا في الجزء الثاني .
عودة منا ، الى كواليس جنيف ، فان الخط الأمريكي ، الذي قدم دعما ولم يتردد في تقديم الدعم العسكري والمالي والخبراء، واتخذ موقفا سلبيا من المؤتمر منذ اللحظة الأولى وحتى بيان الإدارة الأمريكية منه . اذ كانت السياسة الأمريكية الداعمة للفرنس حريصة ان تفضي الأمور والنتائج إلى بقاء واستمرار الحرب الفرنسية الفيتنامية ، غطاء لأطماعها وتواجدها . وهو ما تكشفه ادوار أمريكا في دعمها السخي للفرنس ودور حاملات الطائرات والسفن الحرب والخبراء في الحرب مع فرنسا هنا . وهو ما سيتكشف أكثر في الجزء الثاني من هذا عنواننا محطات من تحربة حركة التحرر الفيتنامي .
فماهي أهم نتائج مؤتمر جنيف وما الموقف الأمريكي منها وما هو موقف فرنسا واي موقع أحرزته الصين وفرضت نفسها كدولة عظمى وأين السوفيت ..؟!
ثم ماهي مواقف الخذلان التي فاجئت الفيتناميين . وكيف استطاع الوفد الفيتنامي المتناغم مع ادائه العسكري ،من احراز تقدم مستمر في الميدان العسكري وتحقيق تقدم خلال المفاوضات حتى انه وصل وأحرز ، خلال المفاوضات ، تقدما عسكريا متسارعا فقد تمكن خلال فترة التفاوض هذه اي خلال شهر تقريبا ان يحرز تقدما عسكريا، محرزا تقدما من خط 13 عند بدء التفاوض وصولا إلى خط 17 عند إعلان بيان المؤتمر ونتائجه .

قد يعجبك ايضا