شهيد القيم
احمد يحيى الديلمي
مر أكثر من عام على اختفائه، انقطعت أخباره عن شقيقته الوحيدة الموجودة في إحدى الدول الأوروبية ، اضطرت السفر إلى السعودية تتلهف لمعرفة أي شيء عن شقيقها الطيار في القوات الجوية ، اختفى فجأة وانقطعت أخباره عنها ، طرقت كل الأبواب ، سألت الزملاء القادة الأهل الأصدقاء حتى أهل الزوجة التي انفصل عنها قبل عام من الاختفاء ، وعلمت من الأسرة أنها تزوجت رجلاً آخر وسافرت لتعيش معه في ماليزيا ، كثرة التردد والإلحاح على قيادة القوات الجوية دفع القيادة إلى تأليف قصة ملفقة أكدت أن طائرة الأخ سقطت أثناء تنفيذ مهمة في اليمن ، اتصلت بي للتأكد من المعلومة لأني ظللت على صلة مع الأخ منذ عرفته في مدينة ليفربول البريطانية كان يدرس الطيران الحربي وأخته في كلية الطب، لفت انتباهي أحاديثه ومواقفه الصارمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالعروبة والإسلام مثلت بالنسبة له خطوطاً حمراء لا يمكن التساهل بشأنها أو المساومة عليها ، انتابني حزن وألم شديدان وأخته تطلب مني التأكد من المعلومة مع أني نفيت المعلومة جملةً وتفصيلاً ، إلا أني استوحيت من كلامها أشياء مريبة تحيط بها ، حدثتني بارتباك، الحذر والخوف واضحان في نبرات صوتها رغم أنها تتحدث معي من الأردن إلا أن حركة التصنت على الهواتف وتسجيل المكالمات أصابها بالرعب ، الرد من قبلي أفزعها أكثر قطع آخر خيط للأمل تعلقت به لفترة .. أجهشت بالبكاء وأنهت المكالمة .
حزنت كثيراً على ذلك الشاب الطموح المليء بالحيوية ، كان صادق الانتماء إلى العروبة في زمن تهاوت فيه الأنظمة وافتقد الناس للأخلاق أو تنازلوا عن قسط كبير منها لفرط ما سكن البعض من خوف اتقاءً للبطش والتنكيل اللذين جعلا الهزيمة الماحقة تستوطن النفوس وآخرين انزلقوا إلى مجاهل الجشع والطمع فتلوثت أرواحهم بالانحناء والخيانة وجوههم مثخنة بالذنوب والآثام .
أفقت من توابيت الحزن على اتصال آخر من الأخت تحدثت معي هذه المرة من مقر إقامتها في أوروبا قالت :
ليس بي رغبة في البكاء .. إنما رغبة في الفرح.
قلت : هلا عرفتي شيئاً عن أبو شهاب ، أجابت :
نعم يا أخي أحد زملائه أشفق علي جاء إلي في أوروبا ، روى لي تفاصيل القصة أبا شهاب كما عرفته ، قتله المجرمون ارتقى شهيداً لأنه تمسك بدينه وقيمه وعروبته رفض الخضوع والذل والاستسلام للهوان بعد أن قام بعدة غارات على إخوانه في اليمن مُكرهاً ، تكشفت له تفاصيل لعبة قذرة الطيار الذي يشاركه الطلعات قدمته القيادة على أنه أردني ، عرف بالصدفة أنه إسرائيلي جن جنونه ، تمرد على الأوامر وهدد بإعلان الفضيحة على رؤوس الأشهاد عقدوا له محاكمة عسكرية صورية وتمت تصفيته ودُفنت جُثته سراً ، الحمد لله أن أخي قضى شهيداً في سبيل القيم والمبادئ العظيمة ، أنا فخورة به ولست حزينة عليه .
لمعرفتي الأكيدة بالشهيد أيقنت أن أمثاله كثير وأن زوال نظام آل سعود بات وشيكاً إن شاء الله ، سلام الله عليك يا أبا شهاب شهيد القيم وسلام على روحك الطاهرة التي ارتقت إلى أعلى مراتب الخلود لأنك عرفت الحق انحزت إليه رفضت التفريط بالقيم أو المساومة عليها وليت زملاءك العروبيين يقتفون أثرك وإلى جنة الخلد إن شاء الله ..