إستراتيجية تفعيل أجهزة الدولة. من أين تبدأ؟

د. حبيب الرميمه
لاشك أن قرار نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء كان أحد أجندات التحالف الإرهابي للقضاء على ما تبقى من هيكلية مؤسسات الدولة أثناء العدوان – بعد هيكلة الجيش، والشروع في تمرير مشروع تقسيم اليمن إلى دويلات- وقد استخدمت دول تحالف العدوان الإرهابي هذه الورقة الاقتصادية بعد النجاح الكبير الذي حققته اللجنة الثورية في مواصلة صرف مرتبات موظفي الدولة في كافة المحافظات لمدة سنة ونصف من عمر العدوان دون أي انقطاع. ومما لاشك فيه أن هذه الجريمة “جريمة العقاب الجماعي ” المتمثلة في “قرار نقل البنك ” خلق وضع صعب واستثنائي استدعى التفكير بوضع الحلول البديلة لمجابهة هذا التحدي ،وكان من ضمن هذه الحلول هو اعتماد نظام البطاقة التموينية. والحقيقة أن اتباع هذا النظام وان كان في ظاهره يمثل حلا جزئيا لمجابهة صرف المرتبات إلا أن هذا النظام له تبعات مستقبلية خطيرة أهمها توغل رؤوس الأموال والقطاع الاقتصادي في دوائر الدولة وهو ما يؤدي إلى خلق لوبيات أو ما تسمى ” جماعة الضغط ” للتحكم في القرار السياسي وصولا إلى تطبيق نظام خصخصة مؤسسات الدولة – كأحد أهداف النظام الرأسمالي تماما كما هو الحاصل الآن في تحكم الشركات العملاقة بالقرار السياسي داخل أروقة الإدارة الأمريكية وكذا الحال بعد الحرب العالمية الثانية وتنفيذ الولايات المتحدة لخطة مارشال في أوروبا – هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى أن هذا النظام “نظام البطائق التموينية “يخلق تذمر داخل أوساط موظفي الدولة لعدم عدالته ،إذ أن صرف البطائق التموينية لايستند إلى أي معيار مؤسسي فهي تصرف بشكل عام سواء لمن هم ملتزمون بالدوام الرسمي أو لمن هم في بيوتهم والبعض تحول إلى القطاع الخاص والبعض هاجر خارج الوطن … لذا لابد من التفكير جديا بنظام آخر يتحاشى هفوات ومخاطر النظام الحالي ، نظاما يحقق نوع من العدالة من ناحية ويعمل على تصحيح التضخم الوظيفي في أجهزة الدولة في هذه الظروف الاستثنائية ،وهذا النظام – باعتقادي -يتمثل في تجميد بند المرتبات واعتماد بند الأجور والمكافآت بمعنى أن يكون الأجر مقابل العمل . ذلك أن الفرق بين الأجور والمرتبات أن هذا الأخير ” المرتب ” هو مبلغ مالي يدفع للموظف العام كأثر للفتوى الإدارية . أي أنه التزام ثابت بموجب ما يحوزه الموظف العام من مركز إداري ناتج عن علاقة بين طرفين الطرف الأول الدولة والطرف الثاني الموظف العام . وهو التزام في مجمله لا يرتبط بمدى ما يقوم به الموظف الإداري من أعمال تجاه الوظيفة التي يشغرها. كما أن التزام الدولة بدفع المرتب شهريا لايرتبط بمقابل عمل معين باستثناء ما تنص عليه بعض القوانين واللوائح المتعلقة بالخدمة العامة من جزاءات تدريجية في حالة إخلال الموظف العام بعمله مثل لفت النظر والخصم من الراتب … وعلى هذا فإن بند المرتبات يتم مناقشته إجمالا في الموازنة العامة على ضوء ما يحوزه الأشخاص من مراكز قانونية كأثر للفتوى الإدارية، وهو ما يلقي عبئاً كبيراً على كاهل الدولة. بينما الأجور هي عادة ما ترتبط بمقابل عمل معين . فالأجر يقابله عمل فعلي . والأحرى في مثل هذه الظروف تفعيل نظام الأجور ،بحيث تصرف الأجور مقابل الخدمة لمن يستحقها من العاملين الفعليين في القطاع الإداري للدولة ،بحيث تكون حافظة الدوام اليومي لموعد الدوام الرسمي (من الثامنة صباحا إلى الثانية ظهرا ) هي المعيار الفعلي لما يستحقه العاملين من أجور شهرية، وأن يتبع هذه الخطوة عدد من الخطوات تتعلق بوضع إستراتيجية متكاملة للأجور تحقق العدالة بين الموظفين ،وتراعي طبيعة العمل بين الفئات المختلفة داخل المؤسسة الادارية الواحدة، بحيث يضع مجلس الوزراء لائحة مالية لصرف الأجور لا تتجاوز ثلثي الراتب ، حسب الدرجة الوظيفية وتخول الجهات وضع اللوائح المالية لتوفير مدخولاتها وفقا للقانون وبما يستقيم مع استمرارها وتحسين أدائها….على أن ترحل المرتبات للموظفين الفعليين الملتزمين بالدوام كرقم حسابي إلى الجهة المالية المختصة بحيث يصبح واجب الدفع -كحق للموظف الفعلي- لايسقط بالتقادم بموجب ما تحدده القوانين الدولية من مسؤولية تحالف العدوان الإرهابي لممارستها جريمة عقاب جماعي لفئة مجتمعية معينة بنقل البنك المركزي كنوع من الحصار. ودون الخوض بتفاصيل هذه الاستراتيجية إلا أنها -حسب اعتقادي – الخيار الأمثل والمناسب لتفعيل أجهزة الدولة ،وفرصة مواتية لتحويل ما كان يخطط له التحالف الإرهابي من انهيار مؤسسات الدولة إلى إيجاد مؤسسات فعلية تستطيع الاستمرار والصمود في هذا الظرف الاستثنائي وتؤسس لمراحل مستقبلية تتلافى الأخطاء السابقة؟ وينبغي على هذه الإستراتيجية ألا تقتصر على السلك المدني وإنما تشمل السلك العسكري فتواجد أفراد القوات المسلحة والأمن كل بحسب موقعه ووفقا لكشوفات الانضباط هو المعيار لصرف الأجر الشهري المستحق. من يزور بعض المؤسسات الحكومية يجد ان “المولد الكهربائي” أصبح هو المعيار في الحضور والانصراف ،على سبيل المثال في وزارة التعليم العالي يرتبط الدوام بتشغيل المولد الكهربائي الساعة التاسعة صباحا وعند اطفائه الساعة الثانية عشرة ظهرا أصبح مؤشراً لانتهاء الدوام ! بالإضافة إلى الإنهاك في وجوه الموظفين في كثير من المؤسسات الحكومية لعدم وجود عائد مالي . فإذا كانت البطاقة التموينية تصرف فعليا وبما يساوي نصف الراتب فما المانع ان توجد استراتيجية جديدة تحل إشكالية العائد المالي – حسب ما أشرنا سابقا- وتؤسس لقيام مؤسسات دولة حقيقية تعتمد على الأجر مقابل العمل. هذه هي الخطوط العريضة التي نراها مجدية لتفعيل مؤسسات الدولة وتحسين أدائها وإيجاد الطرق الكفيلة بزيادة الدخل المالي للجهات الحكومية في هذا الظرف ،آملين من الجهات المختصة بحثها إيجابا وسلبا مع تأكيدنا على الاستعداد التام لمناقشتها تفصيلا وبما يزيل الشكوك التي قد تساور البعض حول مدى نجاحها. حفظ الله اليمن وأهله من كيد الكائدين وشر المعتدين.

 

 

قد يعجبك ايضا