من وعي وثقافة الزيارة إلى محافظة صعدة..

 

 

عبدالفتاح حيدرة

زرت مدينة صعدة لمدة ثلاثة أيام برفقة عدد من الزملاء، كيمني لا أخفيكم أنني كنت متخوفا من الكتابة عن صعدة، حتى لا يحسب ذلك في إطار الفرز والتلميع المناطقي والتجاذب والتأطير السياسي الذي يحاول البعض أن يحشرنا فيه عنوة، لكنني وجدت في صعدة هوية وعي ومعرفة جديدة هي التي دفعتني للكتابة، بعد أن تحدثت مع بسطاء الناس في الأسواق والمساجد ورياض الشهداء والمنازل المدمرة، إضافة إلى جلسة صغيرة متأخرة وغير متوقعة، مع أحد مثقفي أنصارالله واسمه (أبو زيد الظاهري)، الذي ظهر علينا فجأة بعد أن يئسنا من الالتقاء أو الجلوس كإعلاميين بأحد قيادات المحافظة، سواء من الجانب الرسمي أو من قيادات انصارالله الإشرافية في المحافظة ..
لا يهم فقد وجدت ضالتي في بسطاء الناس وفي شواهد قبور الشهداء، وفي المنازل ومؤسسات الدولة المدمرة، وفي حديث “أبو زيد”، ما وجدته في صعدة وكان لزاما عليّ أن اكتبه لكم وأدونه هو ذلك الإيمان والوعي الكلي في هذه المحافظة بمعرفة العدو الحقيقي، عدو الله والوطن والشعب اليمني والعالم العربي والإسلامي والإنسانية جمعاء..
وجدت انه لا تنوير ولا وعي بدون نزعة إنسانية، بل لا يستحق أي فكر تنويري أو وعي مجتمعي ساعة عناء إن لم يكن هاجسه الأول هو بناء وعي الإنسان وسعادته ومصيره وحفظ كرامته وشرفه على هذه الأرض، تلك السعادة والمصير والكرامة والشرف المرتبطة ارتباطاً كلياً وتاماً بوصول مجتمع هذا الإنسان إلى الإيمان المطلق واكتساب وعي الحكمة والمعرفة لمواجهة أعدائهم الحقيقيين، أعداء الحق والخير، أعداء الإنسانية (أمريكا وإسرائيل) وكافة أدواتهما..
وجدت كصحفي أن مهمة صاحب الإيمان أصعب من مهمة صاحب الوعي المثقف، لأن الثقافة والوعي هما معرفة، والمعرفة نوعان، معرفة مكتسبة ومعرفة قيم، المعرفة المكتسبة هي تلك التي يتلقاها الإنسان من الكتب والجامعات والمنظمات والندوات والسياسات التي فكر لها العدو، والتي يريد منها أن نكتسب ما يريده هو أن يضعفنا به، أما معرفة القيم فهي المعرفة الأقرب للإيمان المرسل بسببه هذا الإنسان للأرض، الإيمان الذي يحافظ على شرف وكرامة وسعادة ومصير الإنسان واستقلاله وسيادته وهويته ومهمته في اعمار الأرض، من خلال الوقوف مع الحق ضد الباطل ..
وجدت أن اليمنيين أصحاب تاريخ وتراكم تاريخي وصناع تاريخ عمروا الأرض وأنتجوا حضارات على الأرض بالإيمان ووعي الحكمة، الإيمان هو آخر مرحلة من مراحل التطور الإنساني وآخر مرحلة بناء وعي الإنسان وآخر مرحلة إدراك عقل الإنسان، وآخر معارف الإنسان، وآخر هدف لحياة ووجود الإنسان على الأرض، ولا يوجد بعد الإيمان شيء يمكن أن يكون مفيدا للإنسان لأن (الإيمان) يختزل كل قيم وصفات الخير الفردية من (شهامة وشرف وكرامة وصدق وكرم وأخلاق وشجاعة وإقدام وعلم .. الخ) في صفة مفردة واحدة وهي (الإيمان) ..
وكل ما يحتاجه ( الإيمان ) ليكتمل، هو هبة وعي الحكمة، والحكمة أيضا لها تراكم في المواصفات والصفات وخلاصة في القيم والممارسة ولا يمكن أن تمنح هبة الحكمة في وقت مبكر إلا لمن اصطفاه الله من الناس أو من صقلته (الخبرة والعادات والتقاليد والمعرفة والعلم والوعي والإدراك والجهد والعمل والممارسة)، ولا يوجد بعد وعي الحكمة شيء يمكن أن يكون مفيدا للإنسان لأن وعي (الحكمة) هو خلاصة تراكم المواصفات والصفات والقيم والممارسة، في نشر الوعي والإدراك والمعرفة والثقافة، وممارسة صفات القيم والمعارف والخبرة والعلم والوعي لينتصر الحق والخير على الشر والباطل ..
من حق اليمنيين اليوم ومن خلال ثوابت وصفات وقيم (الإيمان والحكمة) التي يمتلكونها أن يستعيدوا ما هو ممنوح لهم وما وهب لهم وما كسبوه من خلال تاريخهم ليخلقوا من جديد (مشروعهم اليمني) الذي صنع في يوم ما ممالك تبع وحمير وسبأ وذو ريدان وأروى، ومشروعهم الذي نشر رجاله الإسلام إلى كل بقاع الأرض، مشروعهم الذي صنع السيف اليماني وصدّر البن من ميناء المخا أول ميناء في التاريخ، مشروعهم الذي سميت اليمن من خلاله بالسعيدة، مشروعهم الذي من حقهم أن يدافعوا عنه ويحاربوا ويضحوا من أجله باطل وشر العالم كله ..
بعد اليوم سيتمنى العالم أن يكون لديهم إيمان اليمنيين بنصرة الحق والخير، وأن يكون لديهم حكماء مثل حكمة القادة اليمنيين، الذين يعرفون ويعون من عدوهم الحقيقي، اليوم من يريد أن يكون يمنياً عليه أن يتحلى بالإيمان اليمني ويتبع الحكمة اليمانية، أو عليه أن يعلم انه في صف عدو اليمنيين..
بالمناسبة..
هذا الوعي وهذا الإيمان لا يريد البعض أن يخرج من صعدة لليمن كلها.. يريده (هؤلاء البعض) حكرا لأنفسهم في صعدة فقط.. وهذا فرز لصعدة عن اليمن كلها..

 

قد يعجبك ايضا