حروب دول ومذاهب .. أم صراع شركات؟!

 

 

جمال الظاهري

تحت عنوان الربيع العربي افتتح المهرجان الذي لم تنته فصوله بعد, الاسم الجميل والدعوة المجانية للحضور كانت جاذب, وكان هناك جدار فاصل لم يكترث لوجوده غير القليل من الناس, جدار مرتفع وسميك بني بعناية ليحجب الرؤية إلا من ثقب صغير يسمح برؤية ما أرادوا هم أن نراه, ومع مرور السنين وتوالي الأحداث وتأخر الحسم أحدثت الأيام ثقوباً صغيرة أخرى في هذا الجدار توسعت يوماً بعد آخر, وصار بالإمكان تجميع هذه الأجزاء وتجميعها لتشكل الصورة الأكثر شمولية للتفاصيل ولما كان يحجبه الجدار الذي كان ظاهره الرحمة ومن قبله العذاب.
عرفنا تفاصيل الميدان وأسماء اللاعبين ومن يقف خلفهم من رعاة وممولين وبقليل من التأمل باستطاعتنا أن نستحضر بعض التفاصيل التي لم تتضح لنا بعد, ومن خلال هذا المقال سأحاول أن أزيح الستار عن بعض تفاصيل المشهد الكبير الذي كان الكثير فيه عبارة عن (كومبارس).
صحيح أن قطر انسحبت من التحالف ومن الميدان اليمني الذي يشهد المواجهات المباشرة مع المعتدين, هذا في الظاهر, ولكن معركتها لم تنته على الأرض اليمنية.
يخطئ من يظن أنها قد رفعت يدها, وصحيح أنها غير موجودة في الصراع المباشر ولكن الأصح أنها انتقلت من المشاركة الرمزية بالقوات العسكرية التي تتخذ منها ستاراً تخفي وراءه أطماعها وصراعها القوي جداً مع شركاء في التحالف الذي يأتي في طليعتهم الإماراتيون.
لماذا الإماراتيون قبل السعودية؟ لأن خلافها مع السعودية يتركز في التنافس إزاء تمدد فصائل وجماعات عقائدية وأصولية تطمح في تمكينها في العديد من البلدان وعن طريقها تستحوذ على قرار الشعوب وتسوق نفسها للعالم بأنها من يقرر وأن بيدها المفتاح الذي سيسهل لأي من قوى الهيمنة العالمية الحصول على ما تريده في أي قطر, ومع هذا التنافس إلا أنهما لم تصلا إلى مرحلة التصادم بين مصالحهما على اعتبار أن النتيجة لم تحسم مع الأنظمة والقوى الوطنية الأخرى التي وقفت في وجه هذا الطموح القطري السعودي اللذين التقيا على هدف واحد جعلهما يتفقان ويؤجلان الصدام إلى ما بعد النجاح في السيطرة أو على أقل تقدير انتهاء المناوئين وهزيمتهم.
أما صراعها مع الإمارات فهو صراع مصالح بالدرجة الأولى (صراع شركات واستثمارات ضخمة) فالدولتان لديهما فائض مالي كبير, واحتياجاتهما لمشاريع بنية تحتية واستثمارات في بلديهما غير مجد .. بل أن البلدين وصلا في هذا الجانب إلى مرحلة التخمة الفائضة التي يبحثان لها عن متنفس.
بمعنى أنهما سواء عبر أنظمة أو جماعات أو عبر التدخل المباشر يبحثان عن متنفس وأسواق جديدة لاستثمار هذه الثروة, – عبر مشاريع واتفاقيات أو عبر عملاء أو عبر سيطرة على الأرض أو على القرار في البلدان البكر, أو في البلدان التي لا تمتلك المال لإنشاء مشاريع من تلك التي تحتاج إلى تمويل كبير.
بالتأكيد لديهما استثمارات في دول متقدمة وكبيرة تدر عليهما بعوائد وفيرة ولكن هذه الاستثمارات تظل مهددة ومعرضة لمخاطر التقلبات السياسية وأغلب هذه الاستثمارات ليس لهم فيها بصمة تخبر عن صاحبها لأنها في الغالب استثمارات مصرفية أو عقارية جاهزة اشتروها ويحصلون إيراداتها, وهذا النوع من الاستثمار وفي السنوات الأخيرة بدأ يلاقي اعتراضات كثيرة وكبيرة من رجال أعمال ومؤسسات عملاقة واقتصاديين وسياسيين من أبناء البلدان التي يستثمرون أموالهم فيها على اعتبار أن الأموال الخليجية صارت تمثل لهم قلقاً ومنافساً قوياً يعرضهم ويعرض بلدانهم لفقدان أرباح كبيرة يجنيها الخليجيون.
من هنا بدأت فكرة البحث عن بلدان أخرى للاستثمار تحقق لهم الأمرين معاً ( الإعلان عن حضورهم القوي في الميدان الاقتصادي والسياسي العالمي عبر القيام بإنجاز مشاريع كبيرة وعملاقة ذات مردودات اقتصادية كبيرة وحضور قوي وطاغ في القرار السياسي الإقليمي عبر التبعية الاقتصادية وشراء الذمم وعقد الصفقات بينهم وبين حكومات هذه البلدان التي ستكون رهينة لأموالهم, وأيضا يكون أمامهم أكثر من خيار في توجيه ثرواتهم, بمعنى يكون لديهم البدائل في حال تهدد استثمارهم في البلدان التي لا تستطيع أن تسيطر على قرارها.
ولكي يكون هذا الطرح أكثر وضوحاً يكفي أن نستدل بمجالين رئيسيين شهدا تنافسا محموما ومحاولة للسيطرة على نشاطهما .. بل والاستحواذ عليه, (شركة موانئ دبي العالمية, وأساطيل النقل الجوية اللتين تمتلكهما الدولتان), إضافة إلى كم كبير من عقود التأجير للعديد من الموانئ التي حصلت عليها شركة موانئ دبي العالمية التي أصبح رأس مالها يفوق أكثر من الناتج القومي لأكثر من بلد عربي.
وبداية من أساطيل النقل الجوي, تمتلك الإمارات وكذلك قطر أكبر أسطولين في الإقليم ويسيطران على أغلب الرحلات فيه.. بل أنهما معاً عملا على تدمير أو إضعاف أي منافس آخر على مستوى المنطقة نتيجة لعدم التكافؤ في الإمكانيات لدى الآخرين قياساً بما يتميز به القطري والإماراتي), واليمن كانت أحد ضحايا هذا التنافس.
مجال آخر للنقل ولكنه أوسع وأشمل, النقل البحري, فشركة موانئ دبي اليوم تقدم نفسها كصاحب امتياز شبه حصري بين العالم القديم والجديد وبين الشرق والغرب والشمال والجنوب وفي اقل تقدير تسعى حالياً للاستحواذ على الملاحة والموانئ في ما كان يعرف قديما من تبادل بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا, ولذا كان لها هذا الحضور القوي والإنفاق الكبير في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية, من ليبيا ومروراً بمصر ونزولاً في الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر, في الشمال, كإسرائيل التي ثبت أنها مشتركة في الترتيب للدور الإماراتي, والسعودية عبر التحالفات وتبادل الأدوار في الشأن السياسي وغيره, وجيبوتي واريتريا والصومال.. حيث أنشأت عده قواعد ووقعت عدة اتفاقيات, وفي اليمن من وقت مبكر حيث استبقت الأحداث وقطعت الطريق على الجميع بتوقيع اتفاقية تأهيل وتطوير ميناء عدن, الذي كان ولا زال يمثل تهديداً مباشراً لموانئها ولكل خططها المستقبلية في حال حصلت اليمن على شريك يقدر الموقع الجغرافي ويعرف أهميته وما يمكن أن ينتج عن الاستثمار الكبير فيه, فسارعت إلى قفل هذا الباب عبر اتفاقية لم تلتزم بها, وكي لا يهدد موانئها التي ستتوقف في حال استغل وتوفرت لدى القائمين عليه بإعادته إلى الحياة والمكانة التي سبق واحتلها على المستوى العالمي.
ومع تغير المعطيات وانهيار النظام السياسي وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والتشرذم والضعف رأت أن الوقت صار مناسباً وبداية عبر شركاء محليين لم يستطيعوا أن يحسموا المواجهات مع منافسي الداخل فكان قرار التدخل المباشر مع الاستعانة بولاءات محلية, والتنسيق مع شركاء كبار كالأمريكان.
الطموح الإماراتي في هذا جلي وواضح ابتداء من الاستيلاء على المنافذ البحرية في حضرموت والمهرة ومروراً بشبوة وعدن والسيطرة المباشرة على الجزر الإستراتيجية على امتداد البحر العربي وباب المندب كـ (سقطرى وميون) والجزر الأخرى في البحر الأحمر.
بالتأكيد الصورة لم تكتمل بعد ولكن ملامحها وخطوطها الرئيسية وأجزاء منها قد اكتملت.
فأين التنافس القطري في هذا الشق (الموانئ والجزر وأساطيل الملاحة القطرية) قد يقول قائل, الأمر بسيط فقطر لم تكن بالاندفاع ولا بالجرأة التي أظهرتها الإمارات في السنوات الأخيرة, فيما قطر اختارت وسيلة أخرى, -العمل بهدوء- وعبر الترتيب مع شركاء محليين وإقليميين – كيانات سياسية محلية وأخرى غير أجنبية (تركيا) وتتذكرون الشركة الاستثمارية في مجال الصيد البحري والشحن والتعليب والتصدير- التي أنشأها الزنداني وإن كانت شركة مساهمة- إلا أن هذا لم يكن حائلاً لأن تستحوذ شركة تركية على أغلب أسهمها-, وكيف ذابت هذه الشركة ولم يدر عنها أحد حتى المساهمين الذين خسروا ما دفعوه.
ومن يعرف قطر يدرك أنه في حال استقر لها الوضع مع وجود الوفرة المالية فإن تأسيس وإنشاء شركات عملاقة تضاهي موانئ دبي وربما تفوقها ليس بالأمر الصعب, لأنه باستطاعتها أن تضخ أموالاً ضخمة في إنشاء البنية التحتية التي تحتاج وبالذات في الموانئ اليمنية الكثير لما تتميز به هذه الموانئ من تكوين جغرافي طبيعي يمتلك كل المميزات التي تحلم بها أي دولة أو شركة تعتزم إنشاء ميناء,, وبالنسبة للأسطول الملاحي لديها ما تبدأ به وباستطاعتها شراء ما تحتاجه مع زيادة النشاط الملاحي دون أن تشعر بأي عناء.
هذا هو واقع ومفردات الصراع الذي يدور في المنطقة العربية – قائظ ثروة – طموح سيادة – سلطات شابة مغامرة وطموحة – بيئة سياسية مواتية – غياب للمنافسين – وهزال وضعف وفقر لدى الممانعين الافتراضيين – شراكة عالمية وفي اقل تقدير عدم اعتراض من قبل قوى عظمى عالمية, ولا ننسى أعواناً فاعلين في الميدان ومسوغاً أو لنقل حصلوا على صك موافقة أممية وبالذات في ما يخص اليمن من قبل مجلس الأمن عبر وضع اليمن تحت البند السابع وإيكال المهمة لهم في تفسير القرار والعمل على فرضه بالقوة.
هذا قد يجلي الصورة أو بعضها ربما ولكن هناك حقيقة لا خلاف عليها تقول بأن هناك متعطشين ومتوحشين يسعون لوضع أقدامهم في نادي الكبار على حساب آخرين لم يعوا دورهم وأهمية موقعهم وما يمثله بالنسبة للعالم.. بل ولم يعملوا على تطوير ذاتهم بحيث يكونوا شركاء عمليين يمكنهم أن يبنوا شراكات في مشاريع كبيرة, مع آخرين كان سيسرهم أن يكونوا متواجدين في مثل هكذا مكان وهكذا مشاريع عملاقة ورابطة للقارات.

aldahry1@hotmail.com

قد يعجبك ايضا