كشف تقرير سري صادر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” عن حراك داخل الأمم المتحدة بين كبار مسؤوليها من المعنيين بالشؤون الإنسانية والقوائم السوداء لمنتهكي الحقوق وبين المملكة السعودية والولايات المتحدة بشأن الانتهاكات في اليمن.
ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً وصفته بـ”السرّي” وصدر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، يتعلق “بانتهاكات جسيمة” ارتكبتها السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الأطفال في اليمن.
وقالت المجلة أن التقرير، “الذي حصلت عليه بشكل حصري” مكون من 41 صفحة، ذكر “أن التحالف العسكري بقيادة السعودية شن هجمات جوية في اليمن وارتكب “انتهاكات جسيمة” لحقوق الإنسان ضد الأطفال العام الماضي، وتسببت هجمات التحالف بمقتل 349 طفلاً وإصابة 333 آخرين”، مضيفة إن تقرير الأمين العام ذكر أيضاً “أن قتل الأطفال وتشويههم ما زال أكثر الانتهاكات انتشاراً لحقوق الأطفال في اليمن”.
“السعودية تتدخل لعدم نشره”
ووفقاً للمجلة الأمريكية فإن من شأن هذا التقرير أن يتم بموجبه إدراج دول التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد اليمن، ضمن القائمة السوداء للأمم المتحدة لمنتهكي حقوق الأطفال، بناءً على إثباتات في التقرير تؤكد ارتكابها “انتهاكات جسيمة” بحق الأطفال الذين قال التقرير الأممي عنهم إن أعدادهم تفوق أعداد من قضوا بالقصف الجوي بشكل عام خلال مدة التقرير المحددة بـ”العام الماضي”.
وكشفت المجلة نقلاً عن مصدرين رفيعين بالأمم المتحدة أن السعودية تضغط “بشكل سرّي” على الأمم المتحدة للدخول معها في مناقشات رفيعة المستوى قبل نشر التقرير، كما استخدمت السعودية علاقتها بالولايات المتحدة للضغط على الأمم المتحدة للتدخل بعدم إدراج دول التحالف في القائمة السوداء لمنتهكي الحقوق ومرتكبي الجرائم بحق الأطفال.
وأضاف المصدران الرفيعان بالأمم المتحدة إن الأمريكيين يقولون إنه “من الظلم توريط كل أعضاء التحالف، بما فيهم أولئك الذين لم يشتركوا في تلك الفظائع”، الأمر الذي يعدّ اعترافاً من الأمريكيين بوقوع جرائم حرب في اليمن من قبل التحالف الذي تدعمه.
وتسعى السعودية جاهدة لمنع نشر التقرير بأي شكل، بعد أن علمت أن رئيسة الفريق الذي أعدّ التقرير السرّي “فرجينيا غامبا” الممثلة الخاصة للأمين العام للأطفال التي تعرضت لانتهاكات أثناء الحروب، تعتزم إبلاغ كبار مسؤولي الأمم المتحدة وفقاً لتوصية بإضافة التحالف الذي تقوده السعودية إلى قائمة البلدان والكيانات التي تقتل وتشوه الأطفال، وفقاً لما أعلنته الاثنين الماضي، كما يضيف تقرير المجلة الأمريكية: إن القرار سيكون بعد ذلك بيد الأمين العام “غوتيريس” والذي سيعلن التقرير النهائي قبل نهاية الشهر الجاري.
“واشنطن تتدخل بطلب غريب ومثير”
يضيف تقرير الـ”فورين بوليسي” إن الولايات المتحدة بعد أن طلبت منها السعودية التدخل للضغط على مكتب الأمين العام لعدم نشر التقرير وعدم إدراج التحالف إلى القائمة السوداء، تمارس حالياً ضغوطاً كبيرة على الأمم المتحدة لإدراج أشخاص “أفراد” ضمن القائمة السوداء بدلاً من إدراج الدول، لكن – وبحسب ما نقله المصدران الأمميان الرفيعان للمجلة – لقي طلب الولايات المتحدة رفضاً من قبل مسؤولي الأمم المتحدة المعنيين الذين اعتبروا أن تحديد حالات “أشخاص” محددة أمر صعب ومعقد بسبب عدم نشر التحالف لمعلومات حول أسماء “الأفراد” الشخصيات التي تدير العمليات العسكرية التي تؤدي إلى انتهاكات، وهو ما قوبل بغضب من قبل المبعوثين الأمريكيين لدى الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن من شأن الطلب الذي تضغط من أجله واشنطن، من شأنه أن يضع شخصيات في حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي كمتهمين رئيسيين فيما يفلت مسؤولون في التحالف من العقاب والإدانة كونهم ينفذون ويعطون الأوامر العسكرية بناءً على طلب من الحكومة اليمنية الموالية للرياض، رغم أن ذلك لا يحدث في الحقيقة، حيث ينفذ التحالف ضربات جوية بدون علم الحكومة اليمنية الموالية لهم.
“الأمين العام في موقف صعب”
وبسبب التقرير الذي يدين التحالف فقد بات الأمين العام “أنطونيو غوتيريس” في موقف صعب ومحرج، كونه إذا اتخذ قراراً بإدراج التحالف القائمة السوداء، فسوف يواجه صعوبات من قبل الدول التي تم إدراجها القائمة كونها ستقطع دعمها المالي للأمم المتدة وعلى رأسها السعودية التي تقدم دعماً مالياً سنوياً كبيراً لهيئات الأممية العاملة في المجال الإنساني، ومن شأن انقطاع الدعم المالي السعودي عن الأمم المتحدة توقف العديد من المشاريع المدرجة ضمن برامج الأمم المتحدة في مجال الإغاثة والأعمال الإنسانية الأخرى في دول العالم الفقيرة.
ويضيف التقرير إن الأمين العام سعى في فبراير الماضي إلى إيجاد حل وسط، حيث اقترح على كبار مستشاريه أن تؤجل الأمم المتحدة نشر التقرير من ثلاثة إلى ستة أشهر للسماح لمنح التحالف فرصة لكي يحسن سلوكه تجاه الأطفال والمدنيين، غير أن مكتب محامي الأمم المتحدة للأطفال يخشى من أن يؤدي ذلك إلى تصاعد الانتقادات ضد الأمين العام وكبار مستشاريه.
وفي العام الماضي، أدرجت الأمم المتحدة، السعودية في القائمة السوداء باعتبار أنها من تقود التحالف الذي يقتل الأطفال في اليمن، ورداً على ذلك، هددت السعودية بخفض مئات الملايين من المساعدات التي تقدمها لبرامج المنظمة الدولية لمكافحة الفقر، في حال لم يتم إزالة التحالف من قائمة الأمم المتحدة السوداء، الأمر الذي دفع بالأمين العام السابق بان كي مون -مجبراً – لشطب التحالف بشكل مؤقت من القائمة.