اليمني .. و سيكولوجية الاستقلال

 

 

علي احمد جاحز
النزعة للاستقلال والحرية والخصوصية ورفض التبعية وإباء الانقياد والخضوع ، سمة يمنية أصيلة متجذرة في تكوين الإنسان اليمني ولصيقة بثقافته وهويته ، وهذه السمات التحررية جعلت اليمن مجتمعا مختلفا كليا عن محيطه وهو اختلاف لافت ومؤثر وفاعل جعل اليمني حاضرا في كل مفاصل التغير التاريخي في المنطقة العربية وتجاوزها أيضا .
التاريخ مليء بالشواهد الجلية التي تضج بحضور الإنسان اليمني وبفاعلية الموقف والمشاركة في صناعة التاريخ ورسم صوره المتنوعة والانتقال به من مرحلة إلى أخرى ومن واقع إلى آخر ، سواء بريادة التغيير أو بالوقوف بوجه المشاريع التي تستهدف الأمة ، فأحيانا يكون اليمني داعيا ، وأحيانا يكون مدعوا ونصيرا.
من الثابت أن هذه الحقيقة لا ينكرها احد ولا يستطيع ان يتجاوزها احد ، لكن الذي يجب أن ندركه ونتذكره جيدا ونكرسه في ذهنية الناس هو السر وراء هذا الحضور اليمني والفاعلية التي لعبتها الشخصية اليمنية عبر التاريخ .
السر في تميز شخصية الإنسان اليمني وهيبته وعدم قدرة الآخرين على تجاوزه أو تجاهله ، هو في احترام اليمني لنفسه واعتزازه بكرامته وغيرته على حريته وعلى أرضه وهويته ومبادئه ، وتمرده على كل المشاريع التي حاولت عبر التاريخ أن تخضعه وتسلبه ذاته واستقلاله أو تفرض الوصاية عليه مهما كان المقابل الذي تقدمه تلك المشاريع .
واعتقد أن معظمنا قرأ أو سمع حكايات وقصصا وملاحم يمنية تشهد على ذلك ، سواء من عصور ما قبل الإسلام أو من عصور ما بعد الإسلام ، دولة سبأ كانت أنموذجا وذكر القرآن نبذة تشرح بتلخيص شخصية اليمني ورفضه الانقياد وراء دعوة نبي الله سليمان حتى عرف الحق واتبعه بإرادته وقناعته ، وأيضا سمعنا وقرأنا قصصا عن مواجهة الإنسان اليمني للغزو الحبشي وكيف تخلص منه، وحكايا كثيرة عن تبع وجيشه ومملكته التي وصلت أصقاع الجزيرة العربية .
لم يكن في المنطقة العربية حضارة أقدم من الحضارة اليمنية ولا نفوذ أقوى من نفوذ اليمنيين ، وحتى حين جاءت دول أخرى في المنطقة العربية كانت مدعومة من حضارات شرقية أو غربية أو نشأت تحت رعايتها ، بينما كانت الدولة اليمنية والنفوذ اليمني منطلقا من عمق يمني ومبنيا على أكتاف بطولة وحرية الإنسان اليمني .
حتى حين تأسست دول الخلافة الإسلامية ابتداء بدولة بني أمية ثم بني العباس ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المملوكية انتهاء بالدولة العثمانية ، رفض الإنسان اليمني أن يسلم لها وظلت اليمن بعيدة عن نفوذ كل تلك الدول انطلاقا من إيمانها وقناعتها بأنها ممالك باطل سلالية وأسرية وفاسدة وليست دولة حق تمثل المنهج الإلهي القرآني القويم ، وحين حاولت تلك الدول فرض وصايتها بالقوة على اليمن قوبلت بمواجهة شديدة ولم تستقر أمام بأس الإنسان اليمني .
ومثلما تؤكد صفحات التاريخ أن اليمن والإنسان اليمني كان ملاذ العرب وقت الأزمات والهجمات وصاحب المبادرة في دعم ورفد محيطه بالمال والرجال والمؤن ، فإن التاريخ يقول أيضا أن اليمن والإنسان اليمني ظل موضع جدل داخل أروقة السياسة وموضع تهيب وحذر وخوف المشاريع التي تهدف للسيطرة على المنطقة العربية ، يخافون منه ويحاصرونه بمؤامراتهم ومحاولاتهم لاحتوائه وإضعافه لإدراكهم انه رافعة التحرك ومصدر الإزعاج والقلق لهم ولمشاريعهم لأن تحركه سوف يفشلها.
هذه السمة اليمنية الأصيلة وإن غيبت لعقود مظلمة عقب ثورة 26 سبتمبر تحت وصاية السعودية التي أخضعت اليمن منطلقة من ذات الخوف والقلق ، لاتزال حية ونشاهد ونلمس كل يوم عودتها إلى التحرك ، بل أن العدوان إنما شن على اليمن بعد سلسلة محاولات لإعادتها إلى حظيرة الإخضاع والانقياد ، انطلاقا من ذات الإدراك المتكئ على قراءة عميقة لتكوين الإنسان اليمني وشخصيته ونزعته التحررية وخطرها على مشروع التفتيت الأمريكي الذي يستهدف المنطقة .
أمريكا تدرك جيدا أن خروج اليمن من تحت عباءة الوصاية والإخضاع سوف يشكل رافعة لتحرر عربي كامل وهذا ترى فيه خطرا كبيرا على مشروعها ، وعلى وجود الكيانات التي تستخدمها أصلا .
المفيد هنا .. أننا كيمنيين معنيون أن نحمل هذه الروح اليمنية الأصيلة ونحافظ على مكسبنا الكبير في استعادة شخصيتنا وهويتنا وسمتنا التحررية الاستقلالية ولا نسمح لأي مشروع مهما كان ومهما يكن حامله أن يعيدنا إلى حضن الوصاية والتبعية ، فاللوحة التي رسمناها بدماء الشهداء وتضحيات وبطولات الرجال أعادت اليمن إلى مكانه الحقيقي في التاريخ البشري ، ومحت النقطة السوداء التي لطخت الصورة الناصعة لبضعة عقود .

 

قد يعجبك ايضا