إني أرى ما تحت الرماد
عباس الديلمي
لم يقطع علي ذرتي, ولكنه قطع حبل أفكاري عندما وجه حديثه إلى قائلاً : من يراك في حالة التأمل هذه يظنك تنظر في الرماد وترى ما تحته , فهل أنت ممن يرى ما تحت الرماد ؟؟
أجبته بنعم , بل وعرفت ماهيته وشممت رائحته , وهنا كان لابد من التوقف عن التأمل ويدور الحديث التالي :
*وهل أخافك ما تحت الرماد؟
* بل أزعجني وأقلقني ..
* إذن فأنت تعرف أن النار بالعودين تذكى
* وأعرف أيضا أن معظم النار من مستصغر الشر
* ولهذا تنزعج وتقلق, أليس كذلك؟؟
وكيف لا أنزعج وأقلق ممن يسمع بذلك , ولا يدرك أبعاده
*وهل هم من كبار القوم ووجهاء البلاد؟؟
*بل من صغارهم , ولا يتعدى كبيرهم نافخ كير
* إذن لا خوف منهم
*نافخ الكير إن لم يؤذ بالشرر المتطاير .. أذاك بالرماد المنفوخ
**وما الدافع لهم ياترى ؟؟
*أمور كثيرة تنسجم مع رواسبهم واحقادهم و………..
**سمعتك يوماً تقول : أن الإمام علي – كرم الله وجهه – قال ” عند الشدائد تذهب الأحقاد”
*ولهذا اتساءل وأقول ترى أي شدائد اكثر مما نحن فيه .. نحتاج أولئك لتذهب أحقادهم !!
**تبدو وكأنك لا تثق أن هناك من يقدم على إلجام وكبح أولئك النافخين ؟؟
لولا ثقتي بعقلاء القوم , لسمعت مني كلاماً آخر , خاصة ولنا تجارب مع عقلاء اليمن .
** إذن فما الذي يزعجك ويقلقك , مادام هناك عقلاء وكلمة سواء؟؟
*أخشى أن يتأخر المطلوب منهم في حينه , فيصدق المثل 🙁 في الصيف ضيعت اللبن) .
*تقصد أن يتأخر ما نطلبه من عقلاء القوم ؟؟
*نعم , وأن يأتي الاتفاق على ما يجب عمله , بعد فوات الأوان , فيكونوا كذينيك الصيادين الصينيين .
*وما حكاية هذين الصيادين ؟
*سأقص عليك حكايتهما ولعلها تختصر الحديث.
*” لقد خرجا للصيد فرأيا سربا من طيور الحبارى, فقال الأول لزميله : هذه الطيور ممتلئة جداً, وإذا أصبنا واحداً منها وطبخناه فسيكون طعمه لذيذاً بالتأكيد , ولكن زميله خالفه في الرأي وقال : لا , بل سيكون لذيذاً إذا شويناه , ووضعا السهام جانبا , ودخلا في نقاش طويل عريض , يحاول كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره .. وأخيرا وجدا حلا وسطا هو أن يقسما الطير نصفين , نصف يطبخ والآخر يشوى , واتفقا على ذلك وأخذ كل منهما سهمه ليطلقه لصيد الفريسة , لكن بعد فوات الأوان, فقد غادرت طيور الحبارى منذ وقت طويل ”
وهكذا توصل الرجلان إلى الاتفاق ولكن بعد أن فات الفوات .. وما أجمل ما ترك لنا حكماء الصين من عظات ودروس .