بسقوط دولة البغدادي في الموصل.. السعودية تنجو من السقوط المحقق

صلاح القرشي
ظلت الأسرة السعودية الحاكمة في الرياض قابضة على قلبها متخوفة من خطر “داعش” الذي يحدق بها من الداخل والخارج، من خلال تمدده في العراق على حدودها وفي سوريا واليمن على حدودها الجنوبية وفي ليبيا وغيرها من الدول التي كانت تتمتع اسرة بني سعود بنفوذ فيها.
لقد توعد ابوبكر البغدادي في خطبة له من الموصل وفي أكثر من بيان له بـ”إزالة نظام آل سلول من نجد والحجاز. حسب قوله وحرض المسلمين في نجد والحجاز والعالم على اجتثاثها، كما ودعا أيضا الى اجتثاث الشيعة من السعودية”!!.
وكما نعرف جميعا ان “داعش” تدين بالعقيدة الوهابية نفسها التي تدعي الأسرة السعودية أنها حامية لها وتعتقد بها وبهذا نستنتج أن جماعات الوهابية والقائمين على الوهابية من مشايخ كانوا قد اختلفوا ولم يعد ولاؤهم للسعودية بصورة غير معلنة، وقد وصلوا إلى. قناعة سحب تأييدهم للأسرة السعودية لكنهم من الناحية العلنية ظلوا موالين لها أو يدعون ذلك.
لقد شاهد الجميع وعلى شاشات القنوات الفضائية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي كيف كان افراد المجموعات الوهابية من الذين ينتمون إلى الجنسية السعودية المتواجدون في العراق وسوريا يظهرون وهم يقومون بتمزيق الجوازات السعودية أو يحرقونها ويتوعدون بالرجوع لاجتثاث الاسرة السعودية ونظامها، بعد أن يستكملوا تثبيت دولتهم التي توسعت في معظم الأراضي السورية والعراقية والعديد من مناطق الدول العربية.
لأن السعودية تقاعست في دعم “السنة” في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها الدعم، الحقيقي واستخدمتهم فقط كمليشيات مفككة في ضرب “الشيعة” واعداء اسرائيل وأمريكا ولم تثق بهم لتكوين جيوش قوية نظرا لما تعتبره محاذير امنية سعودية واسرائيلية وامريكية ، بينما نجحت ايران في دعم المجموعات “الشيعية” وبسخاء من الدعم الكبير اللامحدود انتج ذلك قيام حزب الله في لبنان وغيرها .
لقد شكل تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) هاجسا وخطرا محدقا بالنظام السعودي ، خاصة وأن السعودية تعد من أكبر الدول التي يتواجد في مدنها وقراها أكبر حاضن شعبي وهابي مناصر لـ “داعش” ، بالرغم من إعلان الأسرة السعودية محاربتها لـ”داعش” واشتراكها في الحلف الدولي التي تكون بقيادة امريكا” لمحاربة داعش في العراق وسوريا”، وكانوا فقط ينتظرون لحظة دخول “داعش” للحدود السعودية لتتفجر الاوضاع من الداخل السعودي، ويجتاح السعودية “داعش” بمجموعاته المسلحة في وقت قياسي لأن العوامل كلها متوفرة له في الداخل السعودي.
وهذا أيضا ما أفرزته الكثير من نتائج الاستطلاعات التي اجريت على الشعب السعودي التي كانت تظهر نسبة التأييد لـ”داعش” داخل مدن المملكة السعودية مرتفعة وبشكل قياسي.
الجدير بالذكر ان كل المعطيات تقول أن النظام السعودي لن يسقطه أي خطر من الخارج، لا من دولة خارجية اقليمية أو دولية ، لأن نظامه السياسي سني متحالف مع الوهابية “السنية” ، وشعبه وهابي متشدد ولذلك طالما كانت جبهته الداخلية قوية ومتماسكة فلن يكون من السهل اسقاطه.
وبالتالي فإن أي قوة سياسية داخلية وخارجية ترغب في ازالة النظام السعودي لابد من ان تفكر بإسقاطه من الداخل بواسطة الوهابية نفسها التي يرتكز عليها نظام اسرة بني سعود.
إن النظام القطري مثل هذه القوة السياسية التي بنت خططا لإسقاط بني سعود من الحكم ومثلت الجناح السياسي الممول لهذه القوة ، بينما مثلت “داعش” الوهابية الجناح العسكري.
لقد مارس النظام القطري سياسة ناجحة في استقطاب الوهابية ومشائخها ومجموعاتها واستطاع سحب بساط الوهابية من تحت بني سعود شيئا فشيئا حتى أن الوهابية بمختلف مراكزها ومشاربها وقياداتها كانت أكثر ولاءً للأسرة القطرية وبصورة غير معلنة.
لقد قامت قطر بدعم المجموعات الوهابية في كثير من البلدان في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومالي وغيرها من الدول ، كما قامت بدعمها ونسج شبكات التواصل معها في الداخل السعودي وكسب ولائها ، من خلال بنائها في الدوحة اكبر مسجد في الخليج العربي اسمته مسجد محمد عبد الوهاب ، ونشرت وبصورة واسعة نسب الامير تميم بن حمد امير قطر الى الامام محمد ابن عبدالوهاب وسط المجموعات الوهابية في الداخل السعودي وفي كل الدول وان الامام محمد ابن عبدالوهاب هو جد الأمير القطري تميم .
لذلك رأينا في بداية تفجر الأزمة بين السعودية وقطر، كيف أن السعودية أوعزت لآل الشيخ بإنكار هذا النسب والطلب بتغيير اسم مسجد محمد ابن عبدالوهاب المقام في العاصمة القطرية.
لقد كانت تشعر الأسرة السعودية أن سكاكين “داعش” مسلطة فوق رقابها وأنها أصبحت قريبة الذبح، لذلك كانت خيارتها السياسية الاكثر اولوية لها هي اولا التخلص من دولة البغدادي الجناح العسكري، وذلك من خلال دعم مجموعات مسلحة معادية لـ”داعش” في سوريا. مثل “جيش الاسلام” في الغوطة الشرقية وكل القوى التي تحارب تنظيم الدولة ،(داعش ) في كل الدول التي تمدد فيها، في العراق وليبيا واليمن والذي شكل تهديدا على حدودها الشمالية والجنوبية.
وثانيا التخلص من الجناح السياسي الممول وهو الامارة القطرية المتحالفة مع الاخوان المسلمين .
وثالثا ولكي تشغل جبهتها الداخلية التي في معظمها “داعشية” وهابية من التأهب والانقضاض عليها خاطرت بحرب خارجية على اليمن وأدعت أنها “تحارب المد الايراني الفارسي الرافضي” لكي تلهيهم عن خططهم عنها ويلتف الشعب السعودي نوعا ما معها والضرب على الوتر المذهبي.
وكلما ما نراه الآن من افتعال اشتباكات وحوادث في العوامية والقطيف واعدامات ما هو إلا من اجل هذا الغرض وإلهاء سكان المملكة وشد وترهم المذهبي نحو العدو الشيعي الايراني والالتفاف حول قيادة الاسرة السعودية .
ورابعا قامت السعودية بعملية استرضاء وشراء بقائها في الحكم من امريكا بالطلب منها إنهاء” داعش” في الموصل وفي العراق وفي سوريا والتي كانت امريكا تتمهل كثيرا في ذلك لتبتز الاسرة السعودية وايضا لتستخدم “داعش” والمجموعات الوهابية في ضرب خصومها في سوريا والعراق ونشر قواتها وقواعدها العسكرية هناك ، حتى انها نجحت بعد ذلك برفع ثمن الحماية والموافقة على هزيمة “داعش” إلى مبلغ فاق 460 مليار دولار ، وقد نفذت تلك الخطط بحسب الاولوية والتزامن الواقعي على الارض.
ثم بعد أن تأكدت من هزيمة “داعش” في الموصل أو انتهاء خطره تماما عليها ، التفتت الى تنفيذ خطة اسقاط الامارة القطرية من خلال حشد تحالف معها مكون من السعودية والامارات والبحرين ومصر.
لقد تم فرض مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وفرض حصار بري وبحري من قبل هذه الدول على الامارة القطرية ، وفرض الشروط المجحفة عالية السقف عليها، تمهيدا لغزوها عسكريا وانهاء نظام حكمها ، أو استبدال الأمير القطري تميم بأمير آخر موال للنظام السعودي ، وجميعنا تابع بقية احداث الأزمة القطرية مع “دول المقاطعة والحصار” وكيف دفعت تركيا بجيشها لقطر، مما استعصى على هذه الدول القيام بغزوها، والجميع يعرف بقية احداث الازمة القطرية المستمرة حاليا ولا داعي للخوض بالتفاصيل اكثر .
لكن من المهم أن نشير إلى أن اسباب الازمة بين قطر “ودول الحصار” ليس لأنها تدعم الارهاب ، لأنهم جميعهم يدعمون الإرهاب وتم الدعم تحت سمع وبصر امريكا وموافقتها ، وانما السبب الحقيقي هو أن قطر كانت لديها مشروعها الخاص بها ضمن هذا المشروع الكبير الذي تقوده امريكا وهو اسقاط النظام السعودي.
بين قطر والسعودية تاريخ طويل من المشاكل التي كانت تحت السطح وفوقه ، لسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيلها ، ولكن ما يجدر أن نشير إليه أيضا أن القطريين وفي خلال العشرين السنة السابقة ومن خلال السياسة الخارجية التي انتهجوها، والتحالفات الخارجية التي نسجوها مع جماعات “الاسلام السياسي” والدول مثل تركيا، والامكانيات الاعلامية والمادية التي امتلكوها، جعلتهم أكثر نفوذا وانتشارا ، حتى انهم اصبحوا أكثر حجما من الناحية السياسية بين البلدان العربية ، تجاوز في معظم الاحيان السعودية ومصر ، وعلى حساب نفوذهم
لكنهم يبقون تلك الدولة الصغيرة مساحتا وشعبا ، وبالتالي تولد عندهم فرصة الخروج من هذه العقدة ، ومحاولة التوسع في الجغرافيا والنفوذ السياسي على حساب الدول المحيطة وبما يعكس ويناسب دورهم السياسي الكبير في المنطقة العربية والعالم .
بقي ان نقول صحيح ان “داعش” وبما انتهجه من سياسة وحشية تجاه خصومه مثل نموذجا سيئا ، كان لقناة العربية السعودية الدور الكبير في عرض كل ما كان يرتكبه ويقوم به وشيطنته بصورة كبيرة .
وصحيح أنه لو كان نجح في اسقاط السعودية ونظامها سينتقل الشعب في نجد والحجاز من نظام سيئ إلى الأسوأ.
ولكن يجب أن نعترف او نعلم بحقيقة ان “داعش” كان الوحيد المؤهل لإسقاط النظام السعودي واجتثاث الاسرة السعودية من الجذور التي تضخمت اعدادها بعشرات الالاف ، والتي كان سيعمل على اجتثاث امرائها لآخر أمير، وبحيث لا يبقي على أي أمير يستطيع اعادة الدولة السعودية مستقبلا ، ان السياسة الوحشية التي انتهجها داعش في حروبه كانت تؤهله بالقيام بذلك على أكمل وجه.
في الاخير يجب أن نشير إلى أنه وفي هذه الايام وتلك القادمة ، سيكون شغل السعوديين الشاغل هو كيفية تصفية الحاضن الشعبي لـ”داعش” في مدنهم وقراهم وكيفية ضرب الولاء الذي تسرب لمراكز الوهابية ومشايخها وفي اجهزة الدولة السعودية العسكرية والامنية .
لقد سمعنا وشاهدنا لقيام الملك سلمان بتغير معظم قادة الأجهزة الامنية والعسكرية السابقين منذ تسلم الأمر وهو مستمر في التغيرات إلى الآن ، وكيف أنه نقل معظم الصلاحيات الامنية من وزارة الداخلية وألحقها به في مجلس الوزراء ، وأعاد تكوين وتشكيل جهاز الامن الوطني والقومي واتبعه به والكثير من التغيرات .
كما أنه يجري وبسرية كبيرة التخلص من الكثير من المتشددين والمناصرين لـ”داعش” ، تجري الكثير من اعمال السجن والتنكيل بهم والاخفاء القسري والاعدامات.
وما سمعناه قبل ايام عن مقتل رئيس جماعة “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” إلا احد تجليات هذه السياسة التي أيضا حدت من تحرك وصلاحيات هذه الجماعة .
لقد ولدت الاحداث السابقة ازمة ثقة لدى الملك السعودي سلمان في من حوله واصبح اكثر تشدداً تجاه الكثيرين وتخوفا، ويأتي نقل ولاية العهد لإبنه محمد بن سلمان إلا نتيحة هذه الظروف والأحداث السابقة ، كما أن للصراع المحتدم على السلطة داخل الاسرة الحاكمة كان له دور في ذلك .

قد يعجبك ايضا