اليمن والسعودية ..
أحمد يحيى الديلمي
منذ اتجهت قبيلة جرهم إلى مكة تشكل تاريخ جديد في هذه المنطقة ، أخذت اليمن فيه قصب السبق والمبادرة إلى تنمية هذه المنطقة وأهمها إعادة بناء الكعبة المشرفة ، كلما جرفتها السيول وتعرضت للهدم ، فالكعبة المشرفة كما تذكر كتب التاريخ ، تم بناؤها لأول مرة في عهد نبي الله آدم عليه السلام ، وكما تقول الروايات فإن الجان هم من ساعدوا آدم على البناء كأول بناء يقوم على وجه الأرض كما جاء في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ” صدق الله العظيم .
هذا السبق أكد على أن الأرض هذه مباركة ، باركها الله وجعلها مباركة بامتداداتها المختلفة من المياقيت إلى الحرم الشريف ، خلافاً لما هو قائم في بيت المقدس “الجامع الأقصى” فالبركة جاءت لاحقة كما قال سبحانه وتعالى”سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ” صدق الله العظيم .
المهم هو أن اليمنيين باعتبار أنهم بُناة أول حضارة في المنطقة ، كانوا هم السباقين إلى تأسيس المجمعات البشرية في منطقة الجزيرة والخليج وامتد تواجدهم إلى الشام و مصر والعراق في مراحل مختلفة ، وكان لهم حضور مميز حول الكعبة المشرفة على مر العصور ، وشاءت الأقدار أن يكونوا هم أول من استوطن الموضع الجديد الذي اختاره الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليكون منطلقاً لدعوته الكريمة ، حيث كان الأوس والخزرج قد استوطنوا يثرب وهو الاسم الذي كان يطلق على المدينة المنورة قبل هجرة الرسول إليها ، بعد أن غادروا اليمن عقب تهدم سد مارب وفق القصة الشهيرة التي رواها القرآن الكريم ، وبذلك اكتملت الصورة المؤكدة لعلاقة اليمنيين بالمكان والوحي الإلهي المُنزل من السماء ، وعلى هذا الأساس تناسلت قُبل كثيرة يعود أصلها إلى اليمن ، بل أن من كان يحكم اليمن كانت مكة تخضع لهيمنته باعتباره الحامي للقبائل في هذه الديار ، وحينما وجد أول عربي نشاز في هذه المنطقة وهو أبا رغال كان رمز الخيانة والتآمر ، فلقد كان على شقي نقيض مع زعيم قريش عبد المطلب أبن هاشم الذي كان له موقف صلب أمام أبرهة الحبشي ، بينما أبا رغال دله على مكان الكعبة المشرفة ، ومن خلال البحث والتحقيق وجدنا أنا أبا رغال هو جد آل سعود الحكام الحاليين لأرض نجد والحجاز ، وهو ما يؤكد ما ذهب إليه الشهيد ناصر السعيد في كتابه ” تاريخ آل سعود ” حيث قال : أنه لا علاقة حقيقية لآل سعود من قريب أو بعيد لا بالعروبة ولا بالإسلام ، وإنهم يهود اندسوا في العروبة ، وتبنوا الإسلام من خلال تسللهم إلى عشيرة المساليخ إحدى فصائل قبيلة عنيزة العربية التي تسكن في نجد ، ومن ثم وبمساعدة تلك العشيرة استطاع آل سعود بالمال البريطاني المدنس أن يؤثروا على بعض القبائل ، وعمدوا إلى إضفاء اسم العروبة والإسلام على أنفسهم زيفاً و تضليلاً وكذباً وزوراً وافتراءً على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، انتهى كلام ناصر السعيد .
وكما يقال في المثل العربي الشهير ” ما خفي عنك أصله دلك عليه عمله وفعله” أو باللهجة العامية ” إذا غابت عليك الأصول دلتك الأعمال ” وهنا ندرك أن الوثيقة التي أعطاها عبدالعزيز آل سعود لليهود جاءت بخطه وقلمه ، فمنح فلسطين لليهود ونصها كما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
( أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود أقر وأعترف ألف مرة للسير “برسي كوكرس” مندوب بريطانيا العظمى أنه لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن أمرها حتى تصيح الساعة ) وهذه الوثيقة ممهورة بتوقيع عبدالعزيز وختمه وهي موجودة في عدة مصادر لمن أراد الإطلاع عليها ، كما وردت في الصفحة 950 من كتاب ” آل سعود ” الجزء الأول للأستاذ / ناصر السعيد وهو من سكان نجد .
أمام هذه الصورة البشعة الدالة على التآمر ضد الأمة والعقيدة وما انطوت عليه من خبث ، يتضح أن الموقف الأخير لآل سعود الذي تمثل في استضافة ترامب وإعطائه مفاتيح العروبة والأمة ليس بجديد ، وإنما التاريخ يُعيد نفسه ومواقف عبدالعزيز الانهزامية تحدث من خلال أبنائه وأحفاده الذين هم على استعداد لبيع أي شيء في سبيل بقائهم على سدة الحكم في هذه المنطقة .
بالمقابل تأتي مواقف اليمن الشريفة المساندة للإسلام والتي حملت رايته إلى أصقاع الأرض ، بدءاً بالموقف المشرف للأوس والخزرج مروراً بقدوم اليمنيين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الصورة المشرفة التي استبشر لها وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتهاءً بالمواقف المتعاقبة التي أكدت أن اليمنيين هم حماة الديار المقدسة ، إذ يكفي أن نشير هُنا إلى تلك الواقعة التي ترجمها المتوكل على الله إسماعيل في فترة حكمه ، ممثلة في دخوله إلى مكة وانتقاله إلى المدينة للذب عن مقام وقبر رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم من أولئك البدو الأجلاف الذين حاولوا هدمه ، وهم من أتباع محمد بن عبدالوهاب الذي يطول شرح جرائمه الكبرى ضد الإسلام والمسلمين ، وما أقترفه من آثام وأقدم عليه من مجازر كبرى في نجد والحجاز والمناطق المجاورة لهما .
وهذا يعني أن آل سعود منذ الوهلة الأولى لانطلاق دولتهم مثلوا قاعدة التآمر على الإسلام والمسلمين والعروبة ، بينما ظل اليمنيون متمسكين بدينهم الصحيح البعيد عن الغلو والتطرف والانغلاق ، الدين الذي جاء به رسول البشرية صلى الله عليه وآله وسلم وتمسك به أصحابه المؤمنين الصادقين .
وعلى هذا الأساس تتضح أبعاد ومرامي آل سعود المتجذرة في صدروهم والتي دأبها التآمر على اليمن والانتقام من كل ما هو يمني اعتماداً على هذه الوقائع التي برهنت بشكل واضح على مواقف اليمنيين المشرفة تجاه الإسلام وتجاه العروبة ، ومن ثم لا نستغرب اليوم حينما نسمع عن حالة الارتهان الفظيعة إلى الأمريكان والصهاينة من قبل آل سعود ولا نستغرب بأنهم يواجهون اليمن بكل هذا العداء الصلف الذي يحمل كل أنواع الحقد والكراهية والبغضاء للأرض والإنسان في اليمن ، وكأنهم إنما ينتقمون للماضي المشرف بالنسبة لليمنيين والمُهين بالنسبة لآل سعود ، وعلى هذا الأساس يُمكننا أن نؤكد أن صورة ما يجري ليست مبتدعة أو حديثة أو طارئة ، وإنما هي امتداد لمواقف قديمة وصراعات متجذرة خاضها اليمنيون على مر العصور ضد السلالات اليهودية التي تناسلت وتخفت تحت ستار الإسلام لكي تحافظ على بقائها في المنطقة ، وهذا ما يجعلنا في مأمن ويدفعنا إلى طمأنة أبنائنا المجاهدين في جميع الجبهات ، الذين يدافعون عن حياض الوطن ، ويصدون الأعداء ببسالة ونقول لهم اطمئنوا فمن اجتباه الله منكم وحباه الشهادة فهو شهيد لأنه يقاتل في سبيل الله ، وكما قال عليه الصلاة والسلام ” من قاتل دون عقال بعير فهو شهيد ” أو كما قال ” فما بالنا بمن يقاتل من أجل الوطن والأرض والعرض فإنه في مقدمة الشهداء الموعودين بالجنة ” نسأل الله لهم النصر .. وللموضوع بقية إن شاء الله .. والله من وراء القصد ..