> الوحدة اليمنية قدر ومصير الشعب اليمني الذي عاش حقباً من التشرذم والشتات
> المثقف كان ولم يزل يشاطر الوطن أفراحه وأتراحه، وما يقض مضاجعه هو استمرار العدوان > الجائر وما خلفه من فواجع ومآس
إعداد/ الإدارة الثقافية
تحل علينا الذكرى السابعة والعشرين لتحقيق الوحدة اليمنية، وبلادنا تعيش أحلك الظروف وتحاك ضدها المؤامرات الخارجية لإعادتها إلى التمزق والتفرقة والتبعية والصراعات العسكرية بين أبناء البلد الواحد.
ومن هنا يأتي الدور الفعال للنخب السياسية والثقافية والشخصيات الاجتماعية والفاعلة في توجيه الرأي العام لكشف وفضح هذه المؤامرات وتوضيح أهمية هذه الوحدة التي ناضل من أجلها السياسيون والمثقفون على امتداد تاريخ اليمن المعاصر وإيضاح دورهم في مقارعة السلطات التي عملت على تشطير البلد في الشمال والجنوب، حتى تم تحقيق هذا المنجز التاريخي الهام والذي يمثل نواة للوحدة العربية الشاملة.
ومن ذلك الدور العظيم والكبير للمثقف اليمني الذي لعبه على مدى المراحل التاريخية حتى وقتنا الحالي من خلال الندوات والمحاضرات والفعاليات والمواقف السياسية وكذلك من خلال الإبداعات الأدبية والشعرية، وإبراز الوحدة اليمنية كمطلب جماهيري ووطني لا يمكن المساس به، مع ضرورة ترسيخه وتعميقه في نفوس الأجيال الحالية والقادمة، ومن خلال هذه المادة استضفنا عدد من المثقفين والأدباء الذين تحدثوا عن ذلك باستطراد.. فإلى التفاصيل:
الوحدة قدر ومصير
* بداية تقول الشاعرة هدى أبلان نائب وزير الثقافة: إن الوحدة اليمنية قدر ومصير الشعب اليمني الذي عاش حقباً من التشرذم والشتات على يد الإمامة والاستعمار البريطاني، لكن الثاني والعشرين من مايو 1990م، كان يوماً استثنائياً في حياة اليمنيين الذين انتقلوا بالوحدة إلى واقع ومصير واحد، كون الوحدة استطاعت أن تجسد طموحات وتطلعات اليمنيين واستشعارهم بوهج اللحظة التاريخية الحضارية التي عمدت كل تلك التضحيات خلال عقود من أجل يمن واحد مستقر، ولا شك أن الصعوبات تصقل الأحداث والتحولات الكبيرة، وما يمر به الوطن من حرب وعدوان وما يمثل ذلك من خطر على الوحدة الوطنية، لكن اليمنيين سينتصرون لوحدتهم وسيعززونها رغم الآلام والجراح النازفة.
وتؤكد أبلان أن الوحدة اليمنية هي نتاج بل ثمرة تضحيات ونضالات الشعب اليمني على مدى سنوات طويلة وتحقيقها كان تتويجاٍ لتك التضحيات والنضالات وأيضا هي دحر لمعاناة اليمنيين أثناء التشطير، تلك المعاناة التي تجلت على أكثر من صعيد اجتماعي وسياسي وثقافي وأيضاً اقتصادي فالوحدة أتت تلبية لتطلعات أبناء الشعب اليمني في القضاء على تلك المعاناة وتلبية لنضالات المفكرين والأدباء الذين تجلت تلك النضالات في كتاباتهم وإنتاجهم الفكري والأدبي كما أن الوحدة أتت تحقيقا للجغرافيا اليمنية الموحدة وللتاريخ الواحد وللثقافة الموحدة وللمجتمع المتجانس، وهذا الإنجاز على قدر ما نحن معه ومع تحقيقه والحفاظ عليه برغم ما اعترته من السلبيات لكن مع ذلك نظل نناقش هذه السلبيات بكل شفافية وبكل مصداقية وأيضا نعتبر الوحدة هي الحلم الذي تحقق لنا وهي المثال وهي القيمة الأخلاقية والوطنية الكبيرة في حياة اليمنيين التي لا يمكن أن تسقط ولا يمكن أن تكون أقل مما يجب في وجدان الناس وفي فكرهم كما أن الوحدة اليمنية باعتبارها أنموذجا عربياً وإنسانياً أصبحت في حياة اليمنيين أكثر من مجرد مسألة عاطفية إنما غدت ضرورة عقلانية وسياسية ونفعية على كل المستويات فقط نحن الآن في مرحلة إعادة النظر في الآليات وفي الأطر التي يمكن أن تمضي عليها هذه الوحدة محققة العدالة محققة المواطنة المتساوية محققة نوعاً من اللامركزية التي تساعد اليمنيين على إنجاز أمورهم ومتطلباتهم بعيداً عن البيروقراطية وبعيداً عن الأطر القديمة التي أتعبت اليمنيين وأنهكتهم.
تعزيز قيم الوحدة
* ويقول الأديب عبده الحودي مدير مكتبة البردوني بذمار: المثقف كان ولم يزل يشاطر الوطن أفراحه وأتراحه، وما يقض مضاجعه هو استمرار العدوان الجائر وما خلقه من فواجع ومآس، إن هذه الذكرى الوطنية الغالية على قلوبنا تفرض علينا كمثقفين أن نلعب دوراً في تعزيز وتكريس قيم الوحدة والتعايش والدعوة للمحبة والخير والتعاون وحماية منجزات ومكاسب الوطن.
ويؤكد ضرورة أن يقوم المثقف بدوره في إخماد جذوة التوتر بين الأخوة، والعمل على إطفاء نار الحرب، في اتجاه تمكين المواطن اليمني من فرحة الحياة والسلام، وكل عام والوطن بخير.
المثقف صانع الفكر
أما الشاعر إبراهيم الهمداني فيشير إلى أن المثقف يلعب دوراً خطيراً وحساساً في مختلف قضايا المجتمع فهو صانع الفكر وموجهه وهو حامل مشعل التنوير للأجيال القادمة وهو صانع السياسيات والمواقف الوطنية وإن كان من خلف الستار غالباً، هذا في حال لم يتعرض المثقف للتدجين من قبل السياسي، الذي يسعى لتطويعه لخدمة مشاريعه وتوسيع نفوذه وسلطاته.
ويضيف: تبدو العلاقة جدلية بامتياز بين المثقف والسياسي، فهي إن سارت في الاتجاه الصحيح والإيجابي تنتج علاقة تكامل بينهما وقوة، وإن سارت عكس ذلك كانت وبالاً على المجتمع بسلبية المثقف وتسلط السياسي.
ويؤكد بالقول: لعب المثقف اليمني دوراً هاماً وبارزاً في صناعة وهندسة الوحدة اليمنية قبل أن يتم ذلك على مستوى العمل الدبلوماسي والسياسي، حيث تأسس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، على أساس متين من الشعور بالوحدة الوطنية وتمثيل الشعب اليمني الموحد أرضاً وإنساناً، وكانت نشاطات واهتمامات وأعمال هذا الاتحاد تنطلق من هذا المبدأ، وتتعامل مع مختلف قضايا الوطن وهموم المواطن على أساس الوحدة الناجزة، غير عابئة بشروط السياسة أو مواضعات الجغرافيا، وكان تفاعل الاتحاد بمثففيه ومنتسبيه وقياداته يعبر عن روح الوحدة اليمنية، سواء أكان ذلك في الداخل أو في المشاركات الخارجية وتمثيل الوطن الواحد الموحد.
أما اليوم – للأسف – فقد تعرض المثقف لانتكاسة خطيرة وكبيرة جعلته يبتعد عن دوره الريادي المعبر عن إنسانيته والمتكفل بالدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية في أي زمان وأي مكان، والداعي إلى لم الشمل ونبذ الفرقة والشتات والتعصب، وتحول المثقف – غالباً ألاّ من رحم ربي – إلى آلة هدم وتدمير لكل معاني الحياة والإنسانية، من خلال تعصبه المتعنت وتطرفه المسبق وانحيازه المطلق ضد كل ما يقع خارج إطاره التنظيمي أو الحزبي أو المذهبي، جاعلاً مصالحه الشخصية ومنفعته فوق كل اعتبار، وأقدس من الوطن أرضاً وإنساناً، ويكمن سبب ذلك الجنوح إلى الهدم في عدة أسباب وعوامل تضافرت فيما بينها حتى أنتجت المثقف بهذه الصورة، ومن أهمها: التدجين السياسي الممارس بحق المثقف وتحويله إلى بوق سلطوي، فقدان المثقف الثقة بذاته وبمشروعه النضالي الإنساني، وخفوت نغمة الوطنية وإهمال مشاريعها وتجزئة الانتماء الكلي إلى الوطن، واستبداله بانتماءات ضيقة ومشاريع فئوية خاصة، وغير ذلك من الأسباب التي حولت المثقف إلى كائن عدائي انتقامي مدجن ومستلب، فاقد للهوية والشعور بالانتماء الكلي والإحساس بروح الجماعة والنضال الطوعي لأجل الإنسان وقضاياه، وعلى رأسها الحرية والاستقلال والسيادة والحياة الكريمة.
ويضيف الهمداني: إن تفكيك البنية الثقافية بهذا الشكل الرهيب جعلنا نشهد مثقفين يقفون إلى صف العدوان ويبررون جرائمة على أبناء وطنهم من الأبرياء، بذرائع واهية وحجج كاذبة ومبررات مخجلة يندى لها الجبين، وليس أقبح من جريمة المجرم إلا تبرير جريمته، وليس أقبح وأشنع من ذلك كله إلاّ أن يتحول المثقف إلى قاتل بالنيابة ومجرم بالوكالة، مبرراً موقفه المشين والمخزي ذاك بحرية الرأي، وأتمنى أن يكون ما عشناه من انحطاط لدور المثقف اليمني خلال هذا العدوان الغاشم، محطة للتنبيه وتذكير المثقف بمكانته الحقيقية ودوره في بناء الأجيال وتحصينهم ضد مختلف مظاهر التطرف والغلو، وأن يعيد المثقف رسم خارطته الفكرية وصياغة مفاهيمه على أساس من الوطنية والانتماء الحقيقي بالروح قبل التسمية أو القوالب الشكلية.
وحدة طبيعية
أما الشاعر أمين أبو حيدر فيؤكد أن الوحدة اليمنية التي تجسدت في 22مايو هي وحدة وجدانية جينية طبيعية في كل يمني وليست حدثاً طرأ عام 1990م وكل يمني مهما كان توجهه يشعر في كينونته بهذه الوحدة ويجلها ويقدسها، فهناك العديد من مشاريع التآمر على اليمن ووحدته وعبر التاريخ وهناك عوامل التجزئة الخارجة لكنها لن تستطيع ولم تستطع من قبل أن تجهض الوحدة أو تقضي عليها، فلا خوف على الوحدة اليمنية من كل تلك المشاريع.
ويضيف: وعلى المثقفين تقع مسؤولية تنمية هذا الشعور الوحدوي والإيمان به مجتمعياً وتوعية الجيل الذي نشا مع الوحدة وبعدها بمخاطر التشطير والأقلمة والتجزئة وما كانت تجر على الوطن أرضاً وإنساناً من ويلات.
ويتابع بالقول: لقد آمن الشعراء والمبدعون بقضية أمتهم ووطنهم وتشربوا مبادئ الثورة وواحديتها وقاعدة انطلاق ثورتهم المشتركة من جبال نقم وردفان فاستشعروا وحدة الأرض والمصير وواحدية النضال والثورة في الدور الذي لعبته عدن حاضنة ثوار ثورة 26 من سبتمبر الخالدة، التي ما كان لها أن تنتصر لو لم تجد ذلك الحضن الدافئ والمد الوطني الثائر الذي أحبط كل المؤامرات الداخلية والخارجية التي حاولت إجهاض الثورة السبتمبرية واستشعروا أيضا دور ثورة سبتمبر التي سرعت بانطلاقة ثورة الرابع عشر من أكتوبر وهيئت لها المناخ المناسب بالمساندة اللازمة لها لدحر الاحتلال البريطاني ليتحرر شعبنا اليمني من أغلال العبودية والطغيان والاحتلال ويواصل نضاله لتحقيق الوحدة الظافرة وتمكين الوطن اليمني المشطور من لم شمله واستعادة كيانه الأزلي الواحد.
وفي الوحدة الكبرى مصير وغاية
لنا فإليها لم تعقنا الموانع
وحتمية التاريخ تفرض نفسها
إذا اعترضنها في الطريق المطامع
فالوحدة اليمنية أزلية والتاريخ خير شاهد على ذلك وهو ما دعا الشاعر علي بن علي صبرة إلى استوقاف التاريخ واستجوابه في مطلع قصيدته التي ألقاها في الذكرى الثانية لقيام الثورة عام 1964م والتي منها البيتين السابقين والتي يقول في مطلعها:
ألا أيها التاريخ هل أنت سامع
وهل تدري ما هذا الذي هو طالع
ويا أنت يا دنيا البطولات هل كسا
روابيك عيد مثل عيدي ساطع
مشى فوق هامات السنين مشاعلاً
سقتها بأنهر الدماء المطالع
تجمع آهات فأصبح نغمة
تغنت بها يوم الخميس المدافع
إعادة المهابة للوطن
* فيما يقول عبدالغني الأبارة المسؤول الإعلامي للاتحاد العالمي للخط العربي: لاشك بأن الوطن يستحق منا الكثير في ظروف تشظيه الصعبة، وربما قليل من الوعي كافٍ لتحريك الركود وإعادة المهابة للوطن من خلال تطبيق الأفكار الإنسانية الكبرى: كالتسامح والتعايش والمواطنة والعمل على تجفيف ينابيع الثأرات والحقد والاحتراب ونبذ كل ثقافة تعمل على تعميق الاختلاف والتنازع والكراهية فيما بين أبناء الوطن الواحد وسيظل دور المثقف اليمني محوري في المحافظة على هذا المشروع الوطني الكبير وغرس مفاهيم الوطنية والحفاظ على تماسك النسيج الوطني وأنا بدوري أهنئ كل أبناء اليمن بهذه الذكرى الغالية على قلوبنا وأناشد كل الضمائر الحية المحافظة على وحدتنا الوطنية صمام أمان للوحدة اليمنية.
اتحاد الأدباء الموحد
ويقول الشاعر والكاتب وائل الطشي: مما لا شك فيه أن المثقف اليمني لعب دوراً بارزاً وأسهم إسهاماً كبيراً في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية الخالدة والتي تكللت في يوم 22 من مايو المجيد عام 1990م، حيث كان المثقفون اليمنيون أول من توحد شمالاً وجنوباً قبل تحقيق الوحدة اليمنية وتوجوا ذلك بإنشاء اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في السبعينات والذي ضم في عضويته نخبة من أبرز الأدباء والمثقفين اليمنيين من أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية لأنهم آمنوا بالوحدة أرضاً وإنسانا وجسدوها في أقوالهم وأفعالهم وإبداعاتهم.
ويضيف: لا زال المثقفون اليمنيون يلعبون دوراً رئيسياً ومهماً في الحفاظ على الوحدة اليمنية ويدعون كل أبناء الوطن الواحد إلى نبذ الخلافات والتعصبات المناطقية والمذهبية وعدم السعي وراء ثلة من الخونة والمرتزقة وضعفاء النفوس والحاقدين الذين ينادون بالانفصال أو ما يسمونه بفك الارتباط ولن ينالوا مبتغاهم ولن يحققوا أهدافهم الخبيثة مهما تلقوا من دعم خارجي من دول حاقدة على الشعب اليمني العظيم وعلى وحدته، حمى الله اليمن ووحدته وشعبه العظيم الموحد، وقد كتبت قصائد وطنية عدة تتغنى بالوطن وبوحدته وهذه بعض الأبيات من إحدى قصائدي:
قسماً بالله لن تلقي شقاءً
أو هواناً ..لن يزول الكبرياءُ
أو يخونَ العهدَ رعديدٌ حقيرٌ
أو يضرّ المنجزات الدخلاءُ
أو يمس الوحدة اليومَ عميلٌ
فكرُهُ ضالٌ وماضيه هباءُ
فبنوك الـُغـّـرُ نارٌ وشرارٌ
تحرقُ الأعداءَ إن حان اللقاءُ
وأسودٌ تهصر الغازي وتفني
كلَ خوّانٍ تجافاهُ الولاءُ
فلهم في صفحة التاريخ ذكرٌ
بدؤه فخرٌ .. وتاليه ثـنـاءُ.