” أزمة الغاز ” بين الأسباب الجذرية والحلول الآنية ..!!
محمد أحمد الحاكم
شهدت الساحة اليمنية خلال العقد الماضي الكثير من الصراعات السياسية بين الأحزاب والتنظيمات والمكونات الجهوية والقبلية , والى جانب جميعها التدخلات الدولية المباشرة وغير المباشرة في الشأن الداخلي اليمني , لتفرز تلك الصراعات صورة جديدة من صور التغيرات السلبية , ساهمت الى حد كبير في خلخلة الوضع العام للدولة والمجتمع سياسياً واجتماعيا واقتصاديا وغيرها من تلك الجوانب.
هناك الكثير من الصور التي تنتهجها القوى السياسية بهدف التأثير على المراكز الأخرى , ولعل قطاع النفط والغاز من أبرز تلك الوسائل التي التجأت إليها , لما لهذا القطاع من أثر شديد سلبياً كان أو إيجابياً , تنعكس آثاره بشكل مباشر على كل القطاعات الإنتاجية الأخرى , ونظراً لأن الشعب في ظل هذه التجاذبات البينية بين الأطراف السياسية المختلفة يشكل الطرف الأبرز من حيث التأثر بشكله السلبي وبصورة متنامية الى حد كبير , فإن مخيلتنا تعرج بنا نحو طرح العديد من التساؤلات المتشابكة مع بعضها البعض, لعل وعسى أن نجد من خلالها الإجابات المنطقية التي تمكننا من توصيف المشكلة وبناء الحلول الممكنة تطبيقها تفادياً لتكرارها وتجاوز عوائقها الكثيرة المؤثرة على الشعب حاضراً ومستقبلاً , حيث يبرز أهم تلك التساؤلات حول ماهية توصيف طبيعة تلك المشكلة..؟؟ وماهي صورها..؟ وما هي أبرز حلولها الممكنة تطبيقها سريعاً على أرض الواقع.؟؟
إن توصيف طبيعة مشكلة الغاز وتحديد صورها وأبعادها الرئيسية مرتبط بالدرجة الأولى حول مجموعة من القضايا المرتبطة والمتفاعلة مع بعضها البعض, فمنها ما هو سياسي مرتبط بطبيعة التكوينات السياسية وصراعاتها مع مختلف المكونات السياسية الأخرى , ومنها ما هو اقتصادي مرتبط بالسياسة الانتاجية والتسويقية , والتي يمكن إيجاز جميعها في الآتي :-
أولاً: الجانب السياسي
– توظيف موضوع قطع الإمدادات النفطية والغازية ضمن الصراع السياسي والعسكري عبر دفع برجال القبائل موالين لها لقطع خطوط الإمدادات المختلفة , كحركة إنتقامية من النظام القادم ولخلق الصعوبات أمامه، أبرزها خلق أكبر قدر ممكن من الخصوم والأعداء والطامعين قي الحكم والسيطرة على مختلف مفاصل الدولة , كما لا ننسى بأن هذا التوظيف ساعد كثيراً في خلق ما أسمي ” بالأسواق السوداء ” وساهم في اتساع رقعتها في كل أرجاء البلاد , فشكلت تجارة رابحة لا حدود لها لأصحاب وتجار بيع وتوريد الغاز , حيث أوصلت أسعار بيع أسطوانة الغاز الى حدود 400% أعلى من قيمتها الرسمية.
2 – إن إيجاد ظروف معيشية صعبة للمواطنين يفقد القوى السياسية المسيطرة على مفاصل الحكم مبررات الحكم ويزيد من حجم المعارضين لها، وبالتالي تظهر هذه الأزمات تلك القوى في وضع الفاقد لقدرته في السيطرة على زمام حكم الدولة، كما أنها تبعث رسالة إيحائية للمواطنين مضمونها أن بقاء مثل هذه السلطة يعني تعطل الدولة وانهيارها كلياً , وأن عليهم فرض المزيد من الضغوط الشعبية على تلك السلطة كي تقدم على تقديم المزيد التنازلات المطلوبة المتمثلة في خروجها من السلطة.
3 – قيام تلك القوى باستخدام هذا الأسلوب عبر خلق الكثير من الأزمات السياسية المشابهة، وما تثمره من تعطيل للموارد الحيوية في الدولة يكون نابعاً من إيمانها بأن هذا الأسلوب سيشكل ورقة ضغط كبيرة وفعالة لا حدود لها تؤدي في الأخير الى إضعاف فاعلية القوى المسيطرة على هذه السلطة.
4 – أضف الى ذلك فإن الفساد السياسي الحكومي ساهم بشكل كبير في ضعضعة القطاع النفطي والغازي وبالتالي على الوضع الاقتصادي للبلاد بشكل عام.
ثانياً: الجانب الاقتصادي
هناك مجموعة من المشاكل العامة والتي ساهمت بشكل مباشر على الوضع العام للاقتصاد اليمني وعلى قطاع النفط والغاز بشكل خاص , لما لهذا القطاع من أهمية حيوية مؤثرة بشكل رئيسي ومباشر على الاقتصاد , ويمكننا إيجازهما على النحو التالي :-
أ) المشاكل العامة
هناك نقطة رئيسية أثرت على الوضع الاقتصادي اليمني وهي وجود خلل هيكلي في تركيبة الاقتصاد اليمني، والذي نعني به وجود خلل في علاقة القطاعات الاقتصادية ببعضها البعض. إذ أن اقتصاد إي دولة يتكون من قطاعات ثلاث رئيسية هي:-
– قطاع الإنتاج والذي يشمل التعدين والصيد والزراعة وغيرها.
– قطاع الصناعات التحويلية والأولية
– قطاع الخدمات العامة.
إذ ما تم ملاحظته هو أن القطاعين الأول والثالث هما أبرز القطاعات المهيمنة على الوضع الإقتصادي , في حين تضاؤل القطاع الثاني نتيجية تضاؤل حجم مساهمته , أذ أن المعيار الحقيقي الذي يعكس تقدم الدول اقتصاديا هو مدى قدرتها على استيعاب اكبر قدر ممكن من القطاع الثالث مقارنة بمستوى استيعاب بقية القطاعات الأخرى , إذ تصل نسبة الاستيعاب في القطاع الثالث الى نسبة 80% في الناتج المحلي , في حين أن نسبة القطاع الأول والثاني لا تتجاوز 5% , و15% على التوالي , بينما ما نراه في الوضع اليمني نجده مختلفاً تماماً , إذ نرى القطاع الأول قد شكل المصدر الوحيد لبقية القطاعات الأخرى, رغم ما يعانية هذا القطاع من مشاكل تجعله غير مستقر ومائل نحو التناقص الإنتاجي لهذا القطاع والذي يبلغ 5% سنويا منذ العام 2002م , قابله زيادة في الاستهلاك المحلي بنفس النسبة السابقة , كل ذلك أدى الى تقليل نسبة فوائد المكاسب الاقتصادية التي تجنيها الدولة خلال فترات الإنتاج.
ب) المشاكل الخاصة
تعتبر أزمة الغاز والنفط من أبرز المشاكل والأزمات التي تؤرق الشارع العام اليمني الرسمي منه والشعبي على وجه الخصوص , إذ سجل العقد الماضي وحتى اليوم الكثير من المشاكل والأزمات التي لم يتم إيضاح أسبابها وكيفية معالجتها , وعليه فأن يمكننا تفنيد طبيعة هذه المشكلة وتحديد صورها وفق الجانب الإنتاجي والتسويقي.
ما يمكنني قوله في بادئ الأمر هو أن قضية ” الغاز” هي قضية معقدة للغاية خاصة وأن تنامي مستوى المشاكل والإضرابات والأزمات قد بدأت في العام 2009م وهي نفس الفترة التي انطلق العمل في منشأة ” بلحاف الغازية ” في شبوة , فبرزت قضية نسبة ما تنتجه المنشأة مع نسبة ما يحتاجه السوق الداخلي من هذه المادة.
تعتبر منشأة ” بلحاف ” من أكبر المنشآت الحيوية التي تمتلكها الدوله لما تملكه من مخزون استراتيجي هائل يعود على الدولة مليارات الدولارات التي قد تحسن من الوضع الاقتصادي لها , فعلى الرغم من أن هذه المنشأة تنتج حوالي أكثر من (6) مليون طن متري من الغاز المسال , بالإضافة الى ما تنتجة شركة صافر عبر حقول الغاز في مأرب والتي خصصت جميعها للتصدير الخارجي للاستفادة من عائدات بيعها وفق الأسعار الدولية , وعلى أن لا يتم ذلك التصدير إلا بعد أن يتم سد الاحتياج الداخلي الذي يصل الى ما يقارب (24) ألف برميل غاز يوماً , إلا أن واقع الأمر كان مغايراً تماماً لما تم الاتفاق عليه بين الحكومة اليمنية في ذاك الوقت مع الشركات الدولية مالكة حق الإمتياز في التنقيب والتصدير, فشكل هذا الواقع مجموعة من المشاكل الاقتصادية المؤثرة على الجانب الحكومي والشعبي على المدى الطويل , تمثل أبرزها فيما يلي :-
1 – تم تخصيص ما نسبته (2) مليون طن متري للتصدير الخارجي عبر شركة “كوغاز” الكورية باعتبارها ثاني أكبر مسوق للغاز في العالم , تم بيعها كقيمة مقطوعة بواقع (3.2) دولار لكل مليون وحدة حرارية , بينما تم تخصيص بقية الكمية المنتجة التي تقدر بحوالي (4.6) مليون طن متري لشركتي ” توتال ” و” سويس ” وفق السعر اليومي لبورصة ” هنري هوب ” الأمريكية حتى العام 2010م , والتي تتراوح بالتوازي مع نفس السعر الممنوح للشركة الكورية , وبناء على هذه التسعيرات فأنها شكلت خسارة كبيرة على الجانب الحكومي كونها لم تباع وفق السعر العالمي الذي يصل الى حدود (14) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
2 – تقدر نسبة الاحتياج الإستهلاكي المحلي من هذه المادة حوالي (24) ألف برميل يومياً , إلا أن ما يتم توفيره من تلك الحقول لا يتعدى (10) آلاف برميل يومياً, بينما يتم سد الفارق من خلال قيام الحكومة بالإستيراد من الخارج عبر ميناء ” عدن ” وبالسعر العالمي بما يعادل ( 32 ) دولاراً عن البرميل مضاف إليه مصاريف النقل , الأمر الذي شكل أعباء مالية كبيرة جداً على الدولة.
3 – بلغ إجمالي قيمة خسارة اليمن من احتياطي النفط والغاز الخام المثبت أكثر من (5) مليار دولار خلال الفترة 2010م وحتى 2015م ,بما يعادل حوالي (49 )مليون برميل نفط خام بالإضافة إلى خسارة مضاعفة في (20) عاماً من النفط المكافئ (الغاز المنزلي LPG والغاز الطبيعي LNG) , وذلك من ثلاثة حقول صافر في مأرب , وبأن عائدات بلحاف لن تتجاوز 10 مليار دولار خلال 20 سنة خلاف ما تم توقعه من أن يصل الى (30) مليار دولار خلال ( 25) عاماً.
4 – على الرغم من أن اليمن يستهلك ما بين ( 5- 7 ) مليون إسطوانة غاز في الشهر إلا أن البعض يرى أن من أسباب أزمة الغاز هو عدم وجود خزانات إحتياطية في المدن الرئيسية , لما لها من أثر مباشر في التوزيع وسد الإحتياج.
عموماً… قد تكون تلك هي أبرز النقاط الرئيسية التي شكلت تلك الأزمة المستفحلة , وعلى الرغم من تشعبها وتشابك خيوطها التي توحي صعوبة حلها , إلا أنه يمكننا إيجاز بعض النقاط التي تساعد الى حد كبير في فك عقد خيوطها , وتعالج أسبابها وبما يمكنها من تجاوزها مستقبلاً ,وذلك من خلال النقاط التالية :-
1 -سرعة العمل في تنفيذ النقاط (12) وخاصة فيما يخص تفعيل مؤسسات الدولة ومراجعة أدائها وربطها بالواقع للقيام بمسؤولياتها وواجباتها , وكذا تفعيل قانون الطوارئ لمواجهة الطابور الخامس , وبالتالي تطهير مؤسسات الدولة من الخونة الموالين للعدوان , أضف الى ذلك وجوب تفعيل مؤسسات القضاء واللجنة الاقتصادية والأجهزة الرقابية بهدف قيام الجميع بمسئولياتهم في محاربة الفساد والحد منه , ولا ننسى بأن ضبط الموارد المالية وإصلاحها يساهم الى حد كبير جداً في تلافي كل العوائق المالية التي تواجهها الحكومة وبما يتيح من إيجاد الفرص التشغيلية والاستثمارية المختلفة.
2 – الشروع من جديد في التفاوض مع الشركات الدولية بهدف تصحيح بيع أسعار الغاز المسال والوصول به الى الأسعار العالمية وفقاً لآليات التفاوض الخاصة بتعديل أسعار الغاز والمقرة من قبل مجلس الوزراء , وبما يمكن الجانب الحكومي من تفادي أزمتها المركبة نتيجة نقص في السيولة المالية بسبب ما يتم شراؤه من السوق العالمية من هذه المادة لسد الإحتياج المحلي , وتعديل نسبة التخصيص المحلي من ما يتم إنتاجه من حقول الإنتاج بهدف الوصول الى الإكتفاء المحلي وعدم الإستيراد.
3 -على جميع الأطراف السياسية المتصارعة مع بعضها البعض استشعار المسئولية الملقاة على كواهلهم , من خلال تجنيب كل الموارد المالية للدولة في صراعاتهم وعدم اللجوء في استخدامها بهدف التأثير على بعضهم البعض , وبما يمكنهم من تغليب المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية.