الشراكة السياسية التي نريد ..
حسن أحمد شرف الدين*
جاءت الشراكة السياسية بين المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله وليدة إرادة شعبية نبيلة وإرادة قيادات وطنية التقت عند هدف شريف هو مواجهة العدوان، لم تأت وليدة نزعات سلطوية أو استئثارية، أو بغية تحقيق مصالح ومكاسب شخصية، ولعمري أنها أشرف الشراكات السياسية التي نشأت بين مكونين سياسيين يمنيين منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية، فأي هدف أسمى وأشرف من مواجهة عدوان ظالم وحصار جائر هرعت لتأييده مكونات سياسية فكشفت عن عمالتها وخيانتها لليمن وطنا وإنسانا؟
إن هذه الشراكة التي لم يتمكن العدوان من ضعضعة عراها بكل ما يملكه من وسائل ومال ومرتزقة وعملاء، حتما لن تؤثر على صلابتها بعض الأخطاء غير المقصودة – وحتى المقصودة في بعض الأحيان – التي ترتكب أو تصدر عن بعض المنتمين للمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله الناتجة عن قصور في فهم واستيعاب معنى الشراكة السياسية وعدم تمكن أولئك من ا?لتزام بمبادئها وأخلاقياتها بسبب الموروث السياسي الممتلئ بالتعبئة الخاطئة والتحشيد الحزبي الضيق، إلى جانب معاناة الكثير من سياسات الإقصاء والتهميش لعقود، وعلى الرغم من التوجيهات المتكررة الموجهة لهم من قيادتي المؤتمر وأنصار الله بأن عليهم فهم طبيعة وأهمية هذه الشراكة وضرورة ا?لتزام بها والعمل على تعزيزها في مختلف المؤسسات وفي الأوساط الشعبية المتعددة، إلا أنهم لم يستجيبوا لتلك التوجيهات والنداءات ويستمر الكثير منهم في ارتكاب تلك الأخطاء، الأمر الذي يكشف عن مشكلة في السلوك والعقليات والشخصيات ..
إن معالجة هذا السلوك في مكوناتنا السياسية ومجتمعنا تكمن في العمل على مسارين:
الأول مسار آني قصير يتضمن العمل على معالجة وتأهيل وتغيير طرائق تفكير عقليات القيادات السياسية والتظيمية وا?علامية بشكل خاص من خلال قيام منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التنمية السياسية والديموقراطية بالعديد من البرامج والورش التدريبية والتثقيفية المتخصصة وكذا تشجيعها على بناء وخلق شراكات سياسية فيما بين مكوناتها والعمل على مراقبة سلوكها وتقويم وتعزيز تجاربها التشاركية.
أما الثاني فمسار استراتيجي طويل، تتبناه وتتولى مسؤولية تنفيذه الدولة بالتعاون مع المكونات السياسية الوطنية وتدعمه مكونات المجتمع كافة، بغية بناء عقلية وشخصية ا?نسان اليمني بشكل عام، بناء عقلية وشخصية جديدة على أسس الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين، عقلية وشخصية تتحلى وتتمسك بالقيم السليمة للشراكة المجتمعية والسياسية وتدافع عنها، وتترجم مبادئ القبول بالآخر في واقعها وتصرفاتها ومواقفها، وتنبذ التعصب والمصالح الشخصية والأنانية الضيقة.
نحن بحاجة إلى بذل جهود كبيرة ستستغرق وقتا طويلا بلا شك، بحاجة الى عمل منظم يبدأ من الصفر، لذا علينا أن نعمل على الاهتمام بأطفالنا في الحضانات والمدارس، لنقدم لهم منهجا جديدا يتضمن غرس تلك القيم في نفوسهم وتنميتها ببرامج تربوية وعلمية تشاركية غير تقليدية حتى نتمكن من بناء عقلياتهم الجديدة التي نريد ..
– لماذا نحتاج إلى العمل في هذين المسارين؟
لأننا نريد من المسار الأول أن نعزز ونقوي من صلابة الجبهة الداخلية المتمثلة في الشراكة السياسية بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم بما يضمن مواجهة العدوان عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا واعلامياً وثقافيا كما ينبغي حتى تحقيق النصر المؤزر أو السلام المنصف بفضل الله، ولأن التجارب والظروف التي مررنا بها كوطن وشعب بما أفرزته من تنوع اجتماعي وسياسي نعيشه لن تمكن مكونا سياسيا واحدا من الوصول إلى السلطة وإدارة البلد بمفرده، ولهذا ستحتاج المكونات السياسية دون أدنى شك إلى عقد شراكات سياسية، ولكننا بحاجة إلى شراكات سليمة يفهمها ويستوعبها ويلتزم بأخلاقياتها كل يمني ويمنية، شراكة وطنية حقيقية غير تنافسية، شراكة تبني و? تهدم، توحد و? تفرق، تنهض باليمن لتتبوأ مكانتها التي تليق بها بين الدول، وتعزز فيها كرامة ا?نسان اليمني، وليحيا حرا، وينعم بثروات بلاده، وهذا ما نريده من المسار الثاني.
إن الشراكة السياسية عملية صعبة وتتطلب عقليات وشخصيات ذات أفق بعيد المدى، وتحتاج إلى الوعي حتى نتمكن من ممارستها وا?فادة منها، ونحن بحاجة إلى زمن طويل للوصول إلى هذه الغاية، فهلا نسابقه ؟.
* وزير الدولة الأسبق