ثقافة المقاومة اليمنية للغزاة سر الصمود الحقيقي

■الكاتب العربي المتخصص في الشؤون اليمنية الأستاذ فيصل جلول لــ “الثورة”
■ المعتدون قتلوا الآلاف ودمروا البنى التحتية لكنهم فشلوا في كسر إرادة الشعب اليمني
■ قوام الجيش التركي الذي غزا اليمن كان “85” ألف جندي ولم يعد منه أكثر من “5” آلاف جندي فقط
> القتال لا زال محتدماً في المخا والساحل وموسكو ستنحاز لصنعاء في حالة النصر
> الحديدة مدينة كبيرة وتتمتع بوسائل مقاومة فعَّالة للغزاة والسيطرة عليها تحتاج جيشاً حقيقياً
> الصواريخ البالستية اليمنية أحدثت قدراً مهما من توازن المعادلة
> المجتمع الدولي شريك في الحرب وليس مُضللا كما يظن اليمني صاحب القضية العادلة
حوار/ محمد محمد إبراهيم
في تأصيل ثقافي ذكي لمجريات الصمود اليمني للعام الثالث على التوالي أمام أكبر ترسانة تحالفية عدوانية تقودها المملكة العربية السعودية على اليمن، أكد الكاتب والمحلل العربي الكبير المتخصص في الشؤون اليمنية الأستاذ فيصل جلول، أن العنصر الأهم في هذا الصمود يكمن في ثقافة المقاومة اليمنية للغزاة وتمسكهم بالأرض وامتلاكهم للقضية العادلة.. موضحاً أن أي دولة غازية لم تتمكن من احتلال اليمن عبر التاريخ وإن حدث ذلك فلا يستقر بها المقام.. فالجيش التركي الذي غزا اليمن وكان قوامه 85 ألف جندي، لم يرجع منهم أكثر من 5 آلاف جندي إلى تركيا..
وقال جلول في حوار صحفي خصَّ به صحيفة (الثورة).. أن المجتمع الدولي تسمية مضللة يستخدمها الخمسة الكبار في مجلس الأمن لبسط سيطرتهم على العالم… مؤكداً أن لا جدوى من الرهان على اقناعهم أو تنويرهم، لان المسألة لا تكمن في الحجج والبراهين العادلة، هم سيقتنعون بعدالة القضية اليمنية عندما يصمد اليمنيون ويفشل العدوان وكل حديث أخر لا يعول عليه.. وتتطرق في حديثه إلى دلالات التصعيد الأخير على ميناء الحديدة ومعارك المخا والساحل وممكنات الحل السياسي، وتحدياته، ومفارقات الأهداف التي حققها المعتدون مقابل أهدافهم المعلنة…. وقضايا أخرى :

بداية أستاذ فيصل.. ما هي قراءتكم للمسار التصاعدي في ما يتعلق بالتصعيد الأخير على ميناء الحديدة ..؟ وما توقعاتكم في هذا الجانب.. ؟
– في الحقيقة، ميناء الحديدة ومجمل الساحل اليمني على البحر الأحمر هو أحد أهم رهانات الحرب، والسيطرة عليه إذا ما تمت ستحدث علامة فارقة في الحرب لذا مازال القتال محتدما على المحا وأظنه سيحتدم أكثر على الحديدة التي تعتبر شريان الحياة الأساسي لصنعاء ولصمود تحالف المؤتمر الشعبي والعام وأنصار الله .. يعتقد أصحاب العاصفة أن السيطرة على الساحل ستنـزع التهديد الصنعاني عن الملاحة الدولية وعن باب المندب وتحرم المحور الصنعاني من أحد أهم طرقه اللوجستية.. لذا يشددون الضغوط على الحديدة.. أظن أنهم غير قادرين على إسقاط الحديدة وهي مدينة كبيرة وتتمتع بوسائل مقاومة فعالة للغزاة ناهيك عن أن إقفالها بالحرب أو بغيرها يمكن أن يهدد حياة ملايين اليمنيين جوعا أضف إلى ذلك أن السيطرة على الحديدة تحتاج إلى جيش حقيقي وعديد كبير وروح قتالية عالية وهذه عناصر لا تتوفر للطرف الآخر.
هل تذهب الأمور – كما يقول البعض – باتجاه الصراع الأمريكي الروسي في اليمن إذا ما ضاعف التحالف تصعيده على الحديدة..؟
– لن يقاتل الروس دفاعا عن اليمن وهم شركاء غير مباشرين في الحرب من خلال موافقتهم على قرار مجلس الأمن الذي يعتبر بحد ذاته إعلانا امميا بشرعيتها وبوجوب دعمها، والروس يعرفون ذلك منذ اللحظة الأولى . إن أقصى ما يمكن أن تفعله موسكو هو الضغط على الأمريكيين لأسباب تكتيكية في سوريا أو في أماكن أخرى ويمكن أن ينحازوا إلى المحور الصنعاني إذا ما انتصر في الحرب.
العدوان والأهداف المعلنة
بعد دخول الحرب العدوانية السعودية على اليمن عتبات عامها الثالث برأيكم –أستاذ فيصل -ما الذي تحقق من أهداف هذا العدوان والحصار وما الذي لم يتحقق مقارنة بالأهداف المعلنة صبيحة 26 مارس 2015م… ؟
– تحققت مع الأسف أهداف سيئة للغاية.. دمر أصحاب عاصفة الحزم البني التحتية اليمنية . تمكنوا من السيطرة على القسم الأكبر من المحافظات الجنوبية حققوا اختراقات في نهم والجوف ومأرب دون أن تشكل هذه الاختراقات خطرا جديا على العاصمة.. لكنهم فشلوا في كسر إرادة الشعب اليمني. يجب ألا ننسى الأضرار الاجتماعية الهائلة الناجمة عن العدوان حيث سقط آلاف الضحايا جراء الحرب بين قتيل وجريح فيما 17 مليون يمني يتهددهم الموت جوعا, فشل المعتدون أيضا على الساحل اليمني بمواجهة القواعد العسكرية الغربية في جيبوتي .
بالمقابل تمكن التحالف الوطني اليمني بين المؤتمر الشعبي وأنصار الله من تحقيق اختراقات مهمة في جنوب المملكة وشكلت صواريخه الباليستية قدرا مهما من التوازن حيث صارت مواقع استراتيجية في المملكة مهددة بالصواريخ اليمنية. ولا أدري بعد أن كان بوسع التحالف فرض معادلة تهديد صنعاء مقابل تهديد الرياض بالصواريخ عموما أرجح أن يكون هدف التحالف اليمني هو الوصول إلى هذه المعادلة.
اقتصاديا وانسانياً.. ما الحصيلة الناجمة عن الحرب بعد ثلاث سنوات على الصعيد الإنساني والاقتصادي..؟
– أشرت في الإجابة عن السؤال السابق إلى الجانب الإنساني أما الجانب الاقتصادي فهو ينطوي على كارثة حقيقية تزداد تفاقما يوما بعد يوم فقد دمر العدوان البنى الاقتصادية اليمنية وعطل الحصار قطاعات التجارة والصيد البحري فيما الثروة النفطية والغازية تتعرض للنهب ناهيك عن البطالة وهروب الرساميل.. الخ
عوامل الصمود
بعد هذا لا زال الشعب اليمني صامداً.. برأيكم كمتخصص في الشؤون اليمنية ما هي عوامل هذا الصمود من زاوية ثقافية سياسية..؟
– العنصر الأهم يكمن في ثقافة المقاومة اليمنية حيث لم تتمكن دولة غازية من احتلال اليمن عبر التاريخ وإن احتلت فلا يستقر بها المقام نحن نلاحظ أن الغناء الشعبي التركي يتضمن أناشيد وأغاني بكائية حزنا على قتلى المحتلين الأتراك في اليمن الذين جاءوا بـ(85) ألف جندي، ولم يرجع منهم أكثر من 5 الآلاف إلى تركيا هذا فضلا عن التمسك بالأرض فاليمنيون بخلاف كل الشعوب يموتون جوعا في أراضيهم ولا يلجأون إلى الخارج. يبقى أن اليمني على حق وهذا عنصر القوة الأهم ومن كان على حق سينتصر حتما.
هل تتوقعون مزيداً من الصمود لسنوات أخرى..؟ وماذا يملك الشعب اليمني لمواصلة هذا الصمود..؟
– بالتأكيد سيصمد، أم الشطر الثاني من سؤالك حول ماذا يملك الشعب اليمني لمواصلة الصمود.. فما عاد للشعب اليمني شيئا يخسره، بعد تدمير بناه التحتية غير كرامته وهذه أسمى ما يملكه وسيدافع عنها وعن أرضه حتى الموت.
استمرار الصمت الدولي
ما هو تفسيركم لاستمرار الصمت والتجاهل الدوليين للمجتمع الدولي ازاء الملف اليمني رغم تجلي التداعيات الكارثية..؟ وما الذي تقرأونه على صعيد تقاطعات ملف المظلومية اليمنية بمسارات صراع القوى الكبرى في المنطقة العربية والشرق أوسطية..؟
– التفسير الصحيح والمنطقي هو أن جرائم العدوان محمية بالمجتمع الدولي، لأن المعتدين يتمتعون بالحماية الدولية الأممية على أكثر من صعيد، والمجتمع الدولي شريك على الأقل في تدمير اليمن بسبب صمته وحؤوله دون إدانة المعتدي.
أما ما نقرأه ويقرأه العالم حول تقاطعات الملف اليمني وصراعات القوى الكبرى هو الحديث عن دور إيراني في اليمن، وهذا الحديث لا قيمة كبيرة له، لأن أنصار الله المتهمين بالتحالف مع إيران وإطاعتها، كانوا على تفاهم مع المملكة حتى ورقة الأقاليم التي امتنعوا عن توقيعها، وباشروا رفضهم لها حينذاك، وبالتالي لولا الأقاليم لما تمردوا، لقد استدرجت إيران خليجيا ودولياً إلى الساحة اليمنية ولم تأت إليها راغبة أو مخططة.
مغالطة العالم
بعد حجم المجازر التي طالت المدنيين وبعد الدمار الذي حلّ والوضع الكارثي الذي لحق بالإنسان اليمني.. هل لا زال المجتمع الدولي ومجلس الأمن، على إصراره المغالط للعالم بأن هذه الحرب هي لإنقاذ اليمن.. ؟
– المجتمع الدولي تسمية مضللة يستخدمها الخمسة الكبار في مجلس الأمن لبسط سيطرتهم على العالم. وهؤلاء يعرفون تماما لماذا اندلعت الحرب في اليمن وما هي نتائجها، وهم اقترعوا على تشريعها دولياً وأمميا في قرار مجلس الأمن الشهير.. إذن لا جدوى من الرهان على إقناعهم لان المسالة لا تكمن في الحجج والبراهين العادلة هم يقتنعون بعدالة القضية اليمنية عندما يصمد اليمنيون ويفشل العدوان وكل حديث آخر لا يعول عليه.
كيف استطاعت السعودية ترويج هذه الصورة المغلوطة وإقناع المجتمع الدولي بأن يكون شريكاً في الحرب..؟
– هذه الصورة الذهنية مغلوطة بالنسبة لك كيمني، لأنك صاحب القضية العادلة. في عرفهم هم شركاء السعودية في الحرب عبر قرارهم المذكور أعلاه وبالتالي يجب الكف عن الاعتقاد بأنهم مضللون ولا بد من تنويرهم. النور يأتيهم من صمود اليمن ويبتعد عنهم إذا ما انهارت مقاومة المؤتمر والأنصار.
فوضى الإرهاب
يعتبر بعض المحللين أن انتشار فوضى التطرف والإرهاب وداعش والقاعدة في المحافظات الشرقية والجنوبية اليمنية مقدمات واقعية لتكرار النموذجين السوري والعراقي.. ما تعليقكم على ذلك ..؟ وما المختلف في اليمن..؟
– يتذرع الأجانب بداعش والقاعدة ويستخدمون الذريعة لفرض المخططات الشنيعة في كل مكان.. استخدمت في العراق وسوريا لتحطيم البعث وتطهير القوة الكردية المستقلة وتنظيم الصراع الطائفي في المشرق العربي وتحسين البيئة الأمنية لإسرائيل وتستخدم في اليمن لفرض الأقاليم الستة والسيطرة على باب المندب وبحر العرب وفرض وصاية طويلة الأمد على اليمنيين.
كمتابع للحالة اليمنية على صعيد المواقف الإقليمية والدولية.. ما الجديد الذي لمستموه في مسار الحل السياسي على غرار بعض الدعوات الإقليمية والدولية..؟ وهل ستنجح هذه الدعوات في فرض توجه نحو الحل السياسي أو التهيئة لمفاوضات جديدة..؟
– لا جديد باتجاه الحل السياسي.. ولن يأتي الحل السياسي، إلا عندما تفقد الحرب وظائفها وحتى الآن لا يبدو لي أن أصحاب العاصفة يريدون الإذعان للحل السياسي والتخلي عن الحرب.
ما التحديات التي تكتنف طريق الحل السياسي لملف القضية اليمنية خليجيا ودولياً….؟
– الحل السياسي في اليمن ينجم عن اقتناع الطرفين بوجوب وقف الحرب والتوصل إلى تسوية مربحة لهما معا.. مثال على ذلك :قبول الجميع بحل الأقاليم الثلاثة أو الإقليمين .حتى الآن لا توجد بوادر على هذا القبول .

قد يعجبك ايضا