لا تاخذوا العلم من صحفي
عباس الديلمي
هذا العنوان مأخوذ من جملة قالها العرب في الصدر الأول.. وتحديدا قبل أن تدخل النقاط وعلامات الضبط (التشكيل) على الحروف العربية .. بل إن الأمر يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث كان العلماء وخاصة علماء اللغة يعتبرون كلمة صحفي علة على عدم الثقة، وكانوا يطلقونها على كل من يخطئ في القراءة كما اشتقوا من كلمة صحفي ما وصفوه بـ(التصحيف) وهو الخطأ وفي القراءة بأشباه الحروف.. إذن فمن يوصف بالصحفي هو من تقل الثقة في قوله ومعارفه ومن هو مخطئ في القراءة.
هذا كان الحكم المتعارف عليه عند العلماء العرب في الصدر الأول.. فهل نحن اليوم أو في عصرنا بحاجة إلى الأخذ بهذا المفهوم اللغوي وتجريده مما تعرض له من تشويش وتحريف؟!
قبل الإجابة بنعم أو بلا تجدر الإشارة إلى أسباب وصف الصحفي بتلك الأوصاف من قبل علماء اللغة العرب الأوائل.
كما أشرنا أن الحروف العربية كانت تكتب بلا نقاط ولا علامات ضبط، وقبل ظهور الملازم أو الكراريس والكتب كان الاجداد القدامى يكتبون ويدونون المعلومات في صحف (مفرد صفحة) يتم جمعها والرجوع إليها وهذا ما جعل التحريف في القراءة ميسوراً والخطأ غير مأمون وكذلك الوقوع في التصحيف ولهذا كان النهي عن تلقي العلم عبر قراءة تلك الصحف .. بل يجب أخذ العلم والمعارف بالمشافهة والتتلمذ أو الدراسة على يد شيخ (أستاذ) وعليه فقد قال أحد الفقهاء “لا تاخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم عن صحفي” ويقصد بذلك أن تعلموا القرآن بالمشافهة وتتلمذوا على أيدي حفظه القرآن لا من الصحف المكتوبة أو ممن أخذ معارفه منها وهي عرضة للإيقاع بصاحبها في الأخطاء الفادحة .. ومما قاله العرب بهذا الصدد قولهم ” من كان شيخه كتابه كان خطأ أكثر من صوابه” واسموه بالصحفي.
هذه حقيقة لغوية طرأ عليها من عدم التنبه ما جعلها خطا شائعا وما يسيء إلى محترفي مهنة الصحافة في عصرنا عن غير قصد اذ يقال الصحفي فلان الفلاني ونقابة الصحفيين وهي العبارة التي لو قرأها عالم لغة قبل العصر الحديث لظنها نقابة للخطائين وعديمي الثقة.. ومن لم يتتلمذوا على أيدي معلمين وشيوخ.. الخ.
الأصح لغة هو القول صحافي لا صحفي ونقابة الصحافيين لا الصحفيين فالصحافي والصحافيون نسبة إلى الصحافة وهي مصدر يصاغ للدلالة على الحرفة مثل الكتابة والنجارة والحدادة.. لخ.
من الغريب أيضا أن من أشاعوا كلمة صحفي قد أضافوا لها خطأ آخر وهو اللحن في النطق بضم الصاد والحا (صُحُفي) وهو ما لو سمعه عالم لغة في العصر الجاهلي أو الإسلامي أو العباسي أو الأموي.. لمات حسرة على اللغة .. في الأخير أشير إلى أن صديقا سألني قبل أيام عما كتبه أحد الذين لحقوا بمن في الرياض فأجبته بالقول : باختصار أنه صَحَفي.. فظن أني أمدحه.