> الحلقة الثانية والأخيرة
عرض وتحليل/حسين كريش
ملخص ما نشر في الحلقة الماضية:
تبلغت إدارة أمن جحانة بخولان محافظة صنعاء عن واقعة قتل جماعية في إحدى القرى التابعة للمديرية، فانتقلوا من شرطة المديرية إلى المنطقة ومنهم الأخ/ صالح الجلال رئيس مكتب البحث الجنائي مع بعض رجال المديرية من الأمن وأنصار الله، وذلك بعد التواصل مع العقيد صالح علي دهمش مدير أمن المنطقة الثالثة وتلقي التوجيه منه بشأن التحرك والإجراءات .. حيث وصلوا هناك ووجدوا رجلاً مع شاب وفتاة هما ابنه وابنته قتلى بداخل منزل، وحسبما قيل لهم أن الجاني هو شخص من أبناء الرجل القتيل، وقد تم التحفظ عليه من قبل بعض المشائخ بالمنطقة، وتم تسليمه إلى ضابط البحث وإيصاله لأمن المديرية، ليتم هناك عمل بعض المحاضر ثم قاموا بإرساله إلى مباحث محافظة صنعاء مع أوليات القضية في اليوم الثاني، لمواصلة التحقيقات والمتابعة فيها بالمباحث نظراً لأن القضية مأساوية وأسرية وتتطلب جهوداً نوعية وها هي بقية الوقائع ومع أحداث الحلقة الثانية والأخيرة:
بمجرد أن وصلت الأوليات مع المتهم إلى المباحث أخذت القضية اهتماماً خاصاً من قبل مدير إدارة البحث العقيد محمد شرف الدين الذي شدته نوعية الواقعة باعتبار الضحايا فيها الأب والأخ والأخت والجاني هو الابن، فوجه بتكاليف أحد الضباط المتخصصين والمتمكنين بالقضية وهو الملازم محمد السحيقي مع محقق آخر هو الأخ مشير المحيا وبعض المساعدين من الزملاء إلى جانبهما لتولي استكمال المحاضر والتحقيقات في القضية، تحت اشرافه أي المدير شخصياً وكذا اشراف نائبه العقيد/ مسعد الصيادي.. ليبدأ المكلفون في ذات اليوم بمهمتهم من حيث سبقهم رفاقهم بشرطة ومكتب البحث بجحانة خولان.. إذ قام الضابط بمباشرة فتح محضر جمع الاستدلالات واهتم كخطوة أولى بأخذ إفادة ابن الرجل المجني عليه الآخر وشقيق الأخ والأخت القتيلين، وهو أكبر الأولاد ويعمل مدرساً وعمره 41 عاماً وكان متزوجا ً ويسكن في منزل يبعد عن منزل والده بمسافة خمسين متراً تقريباً بنفس القرية.
والذي ورد في إفادته عند سؤاله بما يؤكد أنه في يوم الواقعة والوقت كان السابعة إلا ربع مساءً كان هو متواجداً بمنزله، فسمع صوت إطلاق خمس رصاصات، وظنها دقات زنك حديد، ثم فتح النافذة، وسمع آنئذ صوت طلق رصاص للمرة الثانية، وكان إطلاق الرصاص من جهة بيت والده، فخرج مسرعاً من المنزل، وسار نحو منزل والده، ورأى حينها بعض الناس والأهالي يجرون باتجاه بيت والده، وكان الباب الرئيسي للبيت مغلقاً، فقاموا بدق الباب، ونادوا على من بداخله، ولكن للحظة لم يجب أحد، ثم فتح الباب وخرج منه أخوه الجاني ومعه أخوه الآخر المتوسط وكان هذان يمسكان سلاحاً آلياً كل منهما يمسك بطرف منه وكأنهما كانا يتشادان أو “يتعاصران” عليه، فسارع هو وأبعد الخزنة “القرن” منه، وكان خالياً من الرصاص.. وسأل اخواه: ماذا فعلتما..؟! فرد عليه أخوه الجاني قائلاً: لقد ماتوا.. وأشار للداخل.. ثم دخل أناس كثيرون للبيت وهو معهم.. ورأى أباه كان صريعاً “قتيلاً” بوجهه على الأرض بالحجرة، وأخاه الآخر ملقياً بجثته على ظهره بالجانب الثاني للحجرة.. بينما أخته كانت قتيلة وقد نقلت جثتها من قبل بعض النساء إلى غرفة أخرى، وكانت الجثث الثلاث مصابة بالرصاص ومضرجة بالدماء، والمشهد كان مريعاً ومأساوياً للغاية ومن الصعوبة وصفه نظرا لبشاعته الزائدة.
وأضاف الأخ الأكبر بما يؤيد اليقين: إن أخاه “المتهم” هو من قال له بلسانه بأنه من قام بإطلاق النار على أبيه وأخيه وأخته ومن تسبب بقتلهم وليس أحداً آخر.
ثم انتقل الضابط المحقق بعد الاستماع إلى إفادة الأخ الآنف الذكر لطلب الإبن المتهم وفتح محضر جمع الاستدلالات معه، وكانت اللحظات قاسية ومأساوية، لأن الجريمة بطبيعتها كانت مؤثرة ولا يستوعبها العقل، ومن غير السهولة التعامل معها في غياب عن الشعور والتأثر… فلقد بذل الضابط جهداً عاليا في استجماع أفكاره وضبط استدراكه، ثم بدأ طرح أسئلته على الشاب المتهم في شيء من التركيز المسهب.. وتوسع في توجيه هذه الأسئلة وتعمق حتى جعل المتهم يتكلم بكل ما في جعبته وينطق بالإفصاح عن كل شيء، وكان الشاب صريحاً وصادقاً جريئاً، ولم يحاول اخفاء شيء من الحقيقة.. وكانت خلاصة ما اعترف به وجاء في المحضر النهائي معه: أنه في مساء يوم الواقعة صادف أن كان بالمنزل مع والده جالساً يتكلم هو ووالده في الحجرة، وأتى أخوه “المجني عليه” من الخارج وكان هذا حاملاً سلاحه الآلي، وجلس معه هو وأبوه يشارك في الكلام بينه وأبيه، وخلال ذلك اختلف بالكلام مع أبيه وأخيه، ولم يستطع أن يتحمل الكلام، ثم قام من جلسته ودخل المجلس “الديوان” فأحضر من هناك سلاحه الألي الذي كان معلقاً بعرض الجدار، وعاد إلى الحجرة، وباشر اطلاق النار من السلاح على أبيه وأخيه بلا تردد،، وسمعت وقتها أخته التي كانت في غرفة المطبخ بالسطح صوت إطلاق النار فهرعت مسرعة بالنزول وهو لم يزل يطلق النار، فأصابتها في اللحظة إحدى الطلقات، أردتها هي الأخرى صريعة لتكون القتيلة أو الضحية الثالثة..
وبحسب تأكيد الشاب الجاني في اعترافه أيضاً، بأن الكلام الذي نشب بينه وأبيه وكذا بينه وأخيه المجني عليهما، وأدى للخلاف معهما ثم أدى للواقعة، كان في حقيقته عادياً ومن النوع المألوف جداً، كما أنه سبق وأن طلب من أبيه واخوته أن يزوجوه، فرفضوا أو أنهم ظلوا يواعدونه بلا فائدة، يضاف إلى ذلك أن أباه كان يميل في وده إلى أخيه “المجني عليه” أكثر منه ويستمع إليه دونه… وهذا – حسب قوله – أحد الأسباب التي أدت لاندفاعه وارتكابه لما حدث .. ولكنه فيما بعد بدأ يحس بجسامة ما فعل ويشعر ببشاعة ما ارتكبه، وأنه بدأ يندم، ويسأل الله السماح … و… هذا وقد أحيل ملف القضية بعد استيفاء محاضرها مع المتهم إلى النيابة في الطريق للقضاء.. وكلمة القضاء في النهاية هي الفيصل. ونسأل الله السلامة والهداية لنا ولأبنائنا جميعاً.