محطات تاريخية ..كفاح شعب وتاريخ (1)

عبدالوهاب الضوراني
(إلى شهداء الوطن الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة ترابه)

لقد عاش أبناء شعبنا اليمني العظيم والصامد في الماضي وعلى مر العصور وحتى اليوم أوضاعا مأساوية وإنسانية كانت غاية في القسوة والبؤس والحرمان بسبب تعنت الحكام وجور الأنظمة الاستبدادية التي كانت سائدة والمتنفذين عليها الذين نصبوا أنفسهم حكاما وأوصياء على اليمن وشعبه وهم في الحقيقة غزاة ومحتلون جاءوا من الشتات وأقصى الأرض من أجل السيادة والاحتلال ومارسوا منذ الوهلة الأولى التي وطأت فيها أقدامهم هذه الأرض الطيبة ضد أبناء اليمن والأقليات أسوأ وسائل القمع وحملات الإبادة وفتحوا العديد من السجون والمعتقلات ومعسكرات التعذيب للزج بالأحرار والمناضلين من أبناء اليمن ورجالات القبائل الذين كانوا يمارسون ضدهم فيها أبشع وسائل التعذيب والتصفيات الجسدية حتى ضاق بهم الشعب وبأنظمتهم الفاشية وجبروتهم ذرعا وشن ضدهم نوعا من حملات المقاومة والانتفاضات الشعبية وغيرها من مظاهر التمرد والعصيان، كما عاش اليمنيون في تلك الحقبة القاتمة والكئيبة من التاريخ القديم أيضا الكثير من حالات التمزق والتخبط والانهيار وغيرها من الصراعات والأزمات ومظاهر الانقسام التي كانت تبتدعها بين الوقت والآخر تلك الأنظمة القمعية وحكومات ما كان يعرف في ذلك الوقت بـ”حكومات الباشاوات والأشراف وأحفاد السلاطين” الذين جاءوا إلى هذه الأرض فوق الهواجع وصهوات الخيول العثمانية من جبال الأناضول وبلاد الفاتحين والذين سادوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد وجعلوا أهلها أذلة وشيعا وقبائل وأقليات متناحرة ومتناقرة يأكل بعضهم بعضا كما تأكل النار الحطب وإذا خرج أحدهم من قمقم سليمان وحطم الأغلال التي كانت تكبله وتعيقه عن الحركة والكلام وأساء أو تطاول على أصحاب المعالي وأولياء النعم قاموا على الفور بإبادته والتخلص منه ومن ثرثرته ولسانه وربما من حياته أيضا للأبد مما جعل معظم الناس يمارسون حياتهم ويتحركون ويلتقطون أنفاسهم إما من ثقب إبرة أو من وراء حجاب ويعيشون نوعا من حياة العزلة والقرون الحجرية الوسطى وذلك خلال مراحل مسيرة كفاحهم الوطني الشائك والمكثف الذي كانوا يخوضونه في الماضي بكل إرادة وعزم وثبات ضد تلك الأنظمة الكئيبة والقاتمة في حياتهم الإنسانية وقدموا من اجل الحصول على حريتهم واستقلالهم وكرامتهم التي تعتبر أغلى شيء في حياتهم قوافل الشهداء تلو الشهداء من خيرة أبناء الوطن خصوصاً وحدتهم الوطنية التي كانت ولا تزال شغلهم الشاغل وفي طليعة الأهداف أيضا والتضحيات التي كانوا يناضلون من اجل تحقيقها وللتخلص والإنعتاق من كوابيس المتنفذين التي كانت جاثمة فوق صدورهم وجعلت بينهم وبين العالم والحياة المعاصرة حجاباً وبابا من حديد ونار.
كما عاش أبناء شعبنا في تلك الحقبة المتردية من التاريخ الإنساني القديم أيضاً الكثير من أصناف الدسائس والمؤامرات ووسائل الإبادة التي كانت شائعة كثيراً في الماضي في حياتهم وتنهال عليهم بين الحين والآخر من كافة المنافذ وغيرها من الجبهات الداخلية والخارجية لتعطيل وإعاقة مسيرتهم الجهادية ونضالهم الوطني المشروع والعادل الذي غدا مع الوقت وتعاقب السنين أسطورة ومثلا رائعاً أيضاً للاقتداء به في العديد من الأنظمة والمسارات وحركات التحرر العربية المعاصرة التي تسعى شعوبها جاهدة من أجل تحقيق نوع من الحرية والرفاهية والعدالة الاجتماعية.
وقد كان شعبنا وسيظل على الدوام عظيماً ووفياً لا يحيد قيد أنملة عن مواقفه ومبادئه والوقوف على قدميه ورأسه معانقا عنان السماء حتى عندما يكون في أسوأ حالات التمزق والانهيار التي يزداد فيها قوة وجأشا وصلابة وإصرارا على المضي في طريق مسيرته النضالية وكفاحه العادل والدؤوب، لا يعرف الملل أو الوهن والتخاذل يوما إلى نفسه سبيلا من أجل التخلص من جور تلك الأنظمة وكرابيج الحكام والمتنفذين عليها التي كانت أسوأ وأكثر هولاً وقسوة من كرابيج الأتراك والعثمانيين ونفخاتهم الجوفاء والفارغة التي كانت جاثمة كالكوابيس في شمال الوطن والتحرر أيضاً من اخطبوط الاحتلال البريطاني في جنوبه وما تلاه من أنظمة وكيانات وسلاطين مارسوا منذ أن وطأت أقدامهم ارض الجنوب الحر ضد أبنائه أسوأ حملات القمع والتنكيل والإبادة حتى نال فوق أشلاء وجماجم الشهداء والمناضلين من طلائع رموز النضال الوطني في جبهة التحرير التي انطلقت شرارتها كالشهاب وتفجرت فوق سفوح جبال ردفان الأبية حمم وبراكين- حريته واستقلاله الوطني الكامل- برحيل آخر جندي ومستعمر بريطاني من جنوب الوطن وتطهير الأرض اليمنية من دنس الاحتلال وأبناء المشائخ والسلاطين الذين أقاموا إمبراطورياتهم على أنقاضه وفوق رماله المتحركة – وهو الحدث الجلل الذي هز عرش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وزلزل الأرض من تحت أقدام الغزاء والمحتلين والذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بريطانيا العظمى والتي توجت تلك الانتصارات الساحقة والعظيمة برفع علم الوحدة خفاقا في سماء الوطن الكبير في 22 مايو الأغر عام 1990م.
كما كان شعبنا وفياً وايجابيا وأول السباقين أيضاً للأخذ بزمام المبادرات وتبني الموافق والمشاريع والعديد من القضايا الساخنة التي كانت تنشأ بين الحين والآخر بين الإخوة العرب والتي تتطلب تضامناً عربياً عربياً وتدخلاً فورياً ومباشراً خصوصاً القضية الفلسطينية التي تأتي من حيث المبدأ والأهمية في طليعة تلك المساعي والجهود المكثفة والتي كان لليمن وشعبه وحكوماته المختلفة والمتعاقبة موقف واضح وصريح وثابت أيضا بشأنها كما كان له صوت مسموع ومدوٍ في العديد من المنابر والمحافل الدولية حتى أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أعلن في أكثر من مناسبة ومؤتمر أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأن أمن وسلامة ووحدة الشعب الفلسطيني واستقلاله الوطني هو جزء من أمن وسلامة ووحدة الشعب اليمني وأن النضال المشروع والعادل الذي يخوضه الشعبان اليمني والفلسطيني من أجل الحرية والوحدة والحقوق الوطنية والاستقلال يعتبر من حيث الدلالة والمبدأ وجهين لعملة واحدة، وهي المواقف والمبادرات الوطنية والقومية والإنسانية التي كان اليمن عبر قياداته ينطلق من خلالها دائما من وحي إرادته الوطنية،
ومواقفه العربية والدولية الثابتة كانت ولا تزال محط اهتمام الجميع والتي يقوم ويضطلع بها أولا بأول باعتباره جزءاً من كيان الأمة العربية أولا وجزءاً أيضا من حضارتها وتاريخها الإنساني الضاربة جذوره في أعماق التاريخ ثانياً، كما يأتي أيضا من أبرز الأهداف والمبادئ الوطنية والاستراتيجية التي قامت من أجلها الثورة اليمنية وقدم أبناء شعبنا في سبيلها أيضا أغلى التضحيات ومواكب الشهداء من فلذات أكباده .. وكفاه فخراً وتباهيا ما يخوضه أبناؤه اليوم ويتصدون بكل عزم وشجاعة وإيمان لأسوأ مؤامرة من مؤامرات القرن يندى لها الجبين في تاريخنا المعاصر.

قد يعجبك ايضا