زمن اغتيال القيم ..

أحمد يحيى الديلمي
هل نحن في زمن استباحة الأمنيات الجميلة واغتيال القيم .. هذه الاضطرابات النفسية والانفصام التام عن الواقع، ومظالم الحرب المرعب وإحساسنا المؤلم بمأساوية هذا الواقع، لا شك أنه يوحي بزمن الاستباحة، بل واتساع نطاق سماسرة الاتجار بمآسي البشر غير القادرين على التمييز الدقيق بين معاني البقاء ورغبات الموت والفناء والدمار، نفوس تتشظى، عالم دين ينغمس في الملذات، لا يهمه آثام الحرب وبشاعتها، يجاهر بالفاحشة ويقول (الحرب على اليمن تتم بأمر الله ) وللآسف هو أحد أبناء هذا البلد العصاة وطالما اعتلى المنابر وتحدث عن الظلم وها هو يتمادى في ظلم شعب بكامله، ألستم معي بأنها انتكاسة كبرى تكشف عن ضحالة وعي هذا العالم ورؤيته للأشياء، إنها محنة جماعية يواجها شعب بكامله منذ أن ظهر أمثال هؤلاء على السطح وحصروا وظيفة الدين في استباحة الدماء وهدم أبسط مقومات البقاء، رائحة نفوسهم نتنة، كلما أعتلى المنبر أحدهم يتحدث بنشوة وروعة عن الموت ويصور الدين بأنه مجرد طقوس عبادية فقط ليصل إلى مآربه الخبيثة، قد يدوس على البشر بأقدامه لا يعبأ بهذا طالما أنه في النهاية سيقبض المال، هذه هي مشكلتنا الكبرى، الجروح العارية تتمدد تتدثر بزيف الكلمات المبهمة .
رجال مُسخ يحترفون صنع الكلام الملفق، لا يعبأون بما يرونه من مشاهد مرعبة وأشلاء متناثرة، الألحان الجنائزية الحزينة تسبق ألسنة اللهب وتتلاقح قبل إعلان مراسم الموت الأبدي، مع ذلك يرون في الحرب الظالمة أنها بإرادة الله، مع أنها تخفي كل شيء من ملامح الحياة، وأمثال هذا المدعي للعلم يتبختر كلما حدث أنه انتقل من منبر الخطابة بالجامع إلى شاشة التلفزيون يتحدث عن ذكريات سجينة في قعر صدره الكالح، يقول ما يقال ويخطب بكلمات شاذة، تصوّغ الموت وتشرعن للفناء، يا لها من نفوس مريضة افتقدت أدنى صلة بالإنسانية، وأضاعت حتى طريق الرشاد، فكيف المخرج ؟ كلنا يعلم أن الواقع يعج بالمظالم ويكتسي بآهات الفقراء المساكين، مع ذلك نجد الكثيرين لا يعبأون بما يجري، وكأن الأمر لا يهمهم، أعني هنا أولئك المتفرجين القابعين في زوايا النميمة، يقولون ما لا يقال ويسفهون أشراف الرجال، كلهم فقدوا بوصلة التفكير، مع أنهم في زمن سابق احتلوا دهاليز القلوب، واستوطنوا ذاكرة الناس بأعمال بدت من ملامحها الأولى متعاطفة مع الحياة، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى وبال على نفس الأشخاص وعلى الحياة وعلى الوطن !! إلى متى ستظل هذه الروائح النتنة تزكم الأنوف وتفقد الناس القدرة على التفكير ؟ أو تضع العراقيل أمام من يسعون ولو لمجرد الرغبة في الدفاع عن البقاء السليم وامتلاك معاني الحرية والاستقلال .
هذه للأمانة مفارقات عجيبة أن نجد اليوم إنساناً يصدح بمثل هذه المعاني وفي الغد نكتشف أنه مجرد بوق لقوى ظلامية ألفت البقاء في الماضي وتدثرت بافيائه دون أن تدرك طبيعة المخاطر وما يترتب عليها من مآس تطال الوطن وكل شيء فيه، أنا لا أتحسر على من ذهبوا إلى الرياض وانغمسوا في دهاليز العمالة بقدر ما أشفق كثيراً على من لا يزالون متمسكين بالبقاء في الوطن، إلا أنهم لم يفرقوا بعد بين من هو العدو ومن هو الصديق، ولم يهدهم تفكيرهم إلى معرفة أن عدونا تاريخي، عداوته للبلاد متجذرة مئات السنين، لذلك لا يتورع ومن خلال حفنة العملاء الذين أصبحوا مجرد أبواق يشرعنون ما يقوم به من أعمال خبيثة لا يتورع عن توظيف الدين واعتباره وسيلة لتبرير ما يقوم به من أعمال إجرامية، فاستباح أمنيات الناس واغتال القيم وهدم الأحلام، وهو يتغنى بأفكار ضالة، لا شك أنه يتوارثها منذ القدم من أبي جهل وعتبة وربيعة وأبي سفيان، وكأن الماضي يعيد نفسه، وعمار أبن ياسر ملقى على الأرض يتقبل اللكمات وأسياخ الحديد تطال جسده الشريف، ألم أقل لكم أن الزمان يعيد نفسه، فها هي الجماعات الضالة تعتدي على ضريح عمار وتخرج جسده لتكمل رحلة الانتقام الخبيثة، يا لها من أفكار ضالة صيغت بإحكام من قبل من يتربصون بالدين والأمة، وإن كنت لا أوافقها في أي شيء إلا أني مضطر إلى أن استشهد بما قالته مرشحة الرئاسة الفرنسية لوبن بأن القاتل الحقيقي ليس من يقدم على القتل وإنما الإيديولوجيا والفكر والإيديولوجيا والفكر موجودان في السعودية، بالذات بعد أن هاجرت كل الفرق الضالة إلى هذا البلد، نسأل الله أن يجنب بلادنا ويلات هؤلاء .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

قد يعجبك ايضا