الشهيد القائد مربيا للأمة
حمود عبدالله الأهنومي
تتصف مسيرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله بأنها حركة إحيائية غيّرت الواقع، وقدّمت نموذجا مُلْهِما في التغيُّر والتغيير، واستطاعت تكوينَ مجتمَعٍ وأمةٍ موحَّدة باتجاهٍ واحد، وهذا يعودُ لعدَدٍ من العوامل، ولعلَّ أهمَّها عاملُ التربية والتعليم ورؤيته التربوية العميقة والدقيقة والتي أطلقها للأمة ضمن أفكار وبصائر وسلوكات عملية استخلصها من القرآن الكريم.
ومن خلال الموارد التي وردت فيها التربية في محاضراته سلام الله عليه يمكن تعريف التربية لديه بأنها: تنشِئةٌ نفسية وأخلاقية تساعِد الفردَ والمجتمعَ للوصول بالأمة إلى كمال الإيمان، بحيث ينعكس وجدانا فياضا بالشعورِ الإيماني، وبأهمية التحرُّك، وينعكس أفعالا مبادِرة إلى التحرُّك الواسع في جميع المجالات المهمة في واقع الأمة.
وتتخذ التربية في فكره شكلا روحيا متصلا بالله تعالى، فالإنسان الذي هو هدفُ هذه العملية، هو محطُّ عناية الله أولا؛ إذ هو الربُّ لجميع خلقه، والمربِّي لهم.
وقد تناول هذه القضيةَ من منطَلَقِ حاجةِ الأمة التي شعَرَ بها في هذا المجال إلى الثقافة الدينية الإسلامية؛ بعد أن شخَّص افتقارَها إلى قضيةٍ أساسيةٍ في التربية وهي قضية الارتباط بالقرآن الكريم؛ وعليه فقد وضَعَ (الثقافة القرآنية) في سياق الحركة الجادَّة والتحرُّك الفاعِل والمثمِر، وفي الاتجاه والدفْعِ الحثيث بالأمة إلى الكينونة المطلوبة، والقوة الكافية، على مستوى الفرد والمجتمع.
أراد للأمة أن تتربّى التربية القرآنية، التربية الفكرية والجهادية، تربية العزة والكرامة، والشجاعة والتضحية، وقوة الانشداد إلى الله، والرجاء فيه والخوف منه، والتي هي على حدِّ وصفه: “التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: (والله لابنُ أبي طالب آنَسُ بالموت من الطفل بثدي أمه)، لكنه كان وهو يتذكر اليومَ الآخِرِ، كان يتخشّب جسمُه خوفا من الله، وخوفا من اليوم الآخر”.
الجدير بالذكر أنه كان قد تخرَّج من كلية الآداب، في جامعة صنعاء، قسم علوم القرآن، ودرّس في عام 1987م في مدرسة خميس مران، كما أنه درّس في مراكز التعليم الديني وأشرف عليها وأدارها، وكانت التربية جزءا مُهِمًّا وأصيلا في مسارِ حياته وعطائه.
ودفع بالمجتمع إلى العلم والمعرفة، وتحرَّك وتابع من أجل الحصول على مدارسَ لكافة مراحل التعليم للبنين والبنات، وبنى عددا من المدارس الدينية، .. وحثَّ الآباءَ على الدفْعِ بأبنائهم ذكورا وإناثا إلى التعليم، وكان يتابع ما يجري في المدارس وخصوصا في مرَّان، ويهتم ببناءِ الفردِ تربويا وعلميا.
وفي تعليم وتأهيل المرأة أولى رضوان الله عليه “أهمية كبيرة في مجتمع مران، حتى تقوم بدورها المنوط بها، .. وعمل وتابع في سبيل توفير عددٍ من المدارس الحكومية للبنات، وتضمَّنت محاضراتُه الحديثَ الكثيرَ عن دور المرأة في بناء الحياة على أساسِ هدى الله سبحانه وتعالى، واهتم بإنشاء مراكز صحية، و”بعث بمجاميع من البنين والبنات للدورات في المجال الصحي في صنعاء وصعدة، كما يروي تلميذه القدير الأستاذ يحيى أبو عواضة.
وتحدَّث في محاضراته عن المنهج، والأساليب، والوسائل، والطرق، والتقويم، وعن مفرداتٍ كثيرة، يتداولُها عادةً علماءُ التربية، ولكنه حين تناول هذه القضية في محاضراته لم يتناولْها من منطلق أنه خبيرٌ تربوي، أو منظِّرٌ فيلسوف، بل تناولها من حيث أهمية تعزيز التربية وموادِّها ومناهجِها وأساليبِها وطرقِها بالقرآن الكريم، وأساليبِه، ومنهجيته، ووسائله، والانفعالِ الوجدانيِ به، وتحويلِ مفاهيمه وتعاليمه إلى واقعٍ فكري وثقافي وسلوكي، وجعْلِ هذا ضمن توجيهاته التربوية الفاعلة والمؤثِّرة للأمة لكي تغادر مسارَ الجمود والغفلة واللامسؤولية إلى المسار الواعي والمتفاعل والمتحرك.
ويتبين للباحث في محاضراته أن له رؤية تربوية واضحة وناجحة أيضا، وأنه أولى موضوعَ التربية بالتوضيح والتبيان وبكثير من التأصيل، وأنه عمل بهذه الرؤية على أرض الواقع، فاكتسبت الرؤيةُ الأصالةَ والواقعية، وصارت نموذجا يمكن الاهتداء بها في طُول وعَرض بلاد المسلمين.
ومن خلاله رضوان الله عليه يتبين أن الارتباطَ بالقرآن الكريم والثقة المطلقة بما عند الله، والشعور بمعيته لعباده المخلصين المجاهدين، تعطي صاحبَها تربية فاضلة، وتصنع منه شخصية مؤثرة، وتضفي على تحرُّكه الخيرَ والبركةَ والنجاحَ والتوفيق والسداد.
لقد ظهرَ بوضوح أنه كان قد فكّر مليا في شؤون الأمة، وحاول إيجادَ الحلول لمشاكلها المستعصية مستهديا بالقرآن الكريم، غير أن ما تميّزت به تنظيراته على من سواه أنها تواكبت مع واقعٍ هو أحدثَه، ووضعٍ هو أسّسه، وبالتالي فتلك التنظيرات والرؤى قابلة للحياة والانطلاقة، وأعطت القوة على تحدي قوى الشر في العالم، ومجابهتها بعمق الرؤية وقوة الأسلوب والطريقة.
واللافت أنه في سياق تذكيره بأهمية أسلوب التذكير باعتباره أسلوبا تربويا قرآنيا، تساءل في حينه حين كانت تموج العراق بعد احتلال الأمريكان لها بالطائفية والتفجيرات والتخريب والتدمير، تساءل قائلا: لماذا لا يبحث اليمنيون عن هذه القضية؟ وماذا لو كان مصير اليمن في يوم من الأيام مصير العراق؟ ولم لا يخافون أن يكون مصيرُهم مصيرَ أولئك؟
ألا نجد اليوم كم كنا بحاجة إلى الاستجابة الواعية لرؤى هذا المشروع القرآني الذي أثبت كتابُ الكون وأحداثُ العصر أنها رؤى عملية وواقعية وأن الأمة ولا سيما نحن اليمنيين خسرنا من ثمار تلك الرؤى بقدر بعدنا عنها، لا سيما بعد أن شن العدوان السعودي الأمريكي حربه علينا؟!
السؤال الكبير: هو ماذا لو أخذت الأمة تلك التساؤلات الهامة على محمل الجد في حينه، واستجابت استجابة واعية لتلك الرؤى الأصيلة؟!