مزمار ” سلمان “
محمد الحاكم
غريبة …. تلك الصورة التي يتجرد فيها الإنسان عن ذاته وفطرته التي أرادها الله له أن يكون عليها, من عزة وشموخ, وأنفةً وإباء, وكرامةً لا تضاهى, ليستبدل بدلاً عنها الذل والخنوع, والمهانة والمسكنة, والعبودية والاسترقاق, ليصل بنفسه الى نهاية المطاف مسلوب الكينونة والهوية .
لا شيء أقسى وأمر وأنكى وأذل لإنسان كان يملك نفسه وروحه وحريته وإرادته ليرغب العيش مرتهناً في ملكوت من لم يملك ذاته وروحه, وأصله وفصله, وكل شيء له صلة بماله وأرضه, ليصبح هذا السّمي بالإنساني كما لو أنه حيوان يعيش مقيداً بأغلال المهانة والعبودية تحت ظلال حيوان مثله مسلوب الذات والإرادة .
سأقتضب وصفي عن هذا الإنسان ولن أطيل أكثر مما ينبغي قوله, ليس لشيء يصعب ذكره, لكنه لا يوجد ما يمكن أن يستفاد منه, سوى أنني سأسقط هذا الوصف على فئة يمنية وحيدة استشرى في عقلها التبلد, واستحسنت لنفسها العيش في ذل واسترقاق, مستبدلةً عنفوان أرضها الضاربة جذورها في الأعماق, وشموخ سماواتها العلى, بسراب الأوهام الزائفة البعيدة عن منال الأيدي والاحتضان .
لقد أراد المرتزقة لأنفسهم العيش كثعبان أعمى البصر والبصيرة في ظل سلة قش الساحر السعودي ” سلمان “, الذي لطالما تلاعب وأرهق بمزمار ماله المدنس عقول وأجساد هؤلاء الأموات حساً ومشاعر يميناً وشمالاً, صعوداً ونزولاً, فلا ألسنتهم برأس حدها المشقوق قد تحسست ولعقت بهناء طيب ماله, ولا أجسادهم تُركت لتخرج من سلة قشته الكئيبة إلى فسيح الأرض لتعيش بعزة وكرامة .
لم يرحم الساحر السعودي بمزمار فتنته ثعابينه الكليلة, إذ جعلها وهي بما تملكه من أجسادً هزيلة تآكلت من شدة تضور الجوع والحرمان, تتصارع في ما بينها لينهش كل منها جسد الآخر بلا رحمة تذكر, ولا شفقة ترجى وتؤمل, وهي على شاكلتها الى الآن تسحق وتدمر, ولا نجاة لها مما هي عليه إن لم تصح من سباتها الأقتر, وترنو بنظرات الثأر لنفسها من ساحرها الأقذر .