*غياب الدواء يهدد حياة الآلاف من جرحى العدوان ومرضى الأمراض المزمنة والمستعصية
تقرير/ سارة الصعفاني
مضى عامان على قصف تحالف العدوان السعودي الأمريكي اليمن بمئات الآلاف من الصواريخ والقنابل المحرمة دوليًا بما فيها العنقودية والإرتدادية وحتى الأسلحة التي لم تجرب بعد، قَتل و دمَّر وفَرض حصاراً شاملا ، ونفذ كل المخططات الدنيئة في محاولات يائسة غايتها انهيار اقتصاد البلد بعد الفشل في السيطرة عليه عسكريًا ونهب ثرواته وإذلال شعبه وتدمير حضارته، متوهمًا أنه بالقتل و التجويع ينتزع سيادة الأوطان وبأن تدمير المعالم الأثرية كفيل بطمس تاريخ أقدم حضارة على وجه الأرض، ومتجاهلاً حقيقة أن اليمنيين أولو قوة وأولو بأس منذ الأزل وحتى انتصارات العمق السعودي والساحل الغربي بأسلحة خفيفة وولاعة؛ ومهما بلغت حجم التضحيات يبقى اليمن قويًا شامخًا والويل لمن عاداه.
في ليلة السادس والعشرين من مارس بدأ العدو السعودي الأمريكي شن غارات التوحش و الحقد الدفين على إنسان وتاريخ ومقدرات يمن الحكمة والحضارة ، 730 يوما من الإمعان في القتل و التجويع و الحصار و التعذيب لـ 27 مليون إنسان وحرمانهم من متطلبات المعيشة في حدها الأدنى، قنابل عنقودية استخدمت 56 مرة، وجرائم حرب ضد الإنسانية خلفت مآسي كارثية قتلت من تبقّى حيًا جوعًا ومرضًا ووجعًا أصعبها المعاناة الصحية لجرحى العدوان ومرضى الأمراض المزمنة والمستعصية حيث توقف 51% من القطاع الصحي عن تقديم الخدمات الطبيبة والإمكانات الضعيفة للمستشفيات وفاقم الوضع مأساة انعدام متطلباتها من الأدوية و المحاليل والمستلزمات الطبية وانتهاء المخزون من السوق منها: ( 54 صنفاً من أدوية ومستلزمات علاج الأورام السرطانية، 68 صنفاً من أدوية العمليات والجراحة العامة, 31 صنفاً من أدوية الإنعاش والتخدير, 60 صنفاً من أدوية الأمراض المزمنة, 65 صنفاً من محاليل المختبرات ومواد فحص الأنسجة).
وكنتيجة وفاة أكثر من تسعة آلاف مريض من 75 ألف مريض أغلبهم من الأطفال و النساء في انتظار السفر للحصول على رعاية طبية متخصصة في علاج وجراحة الأورام السرطانية، زراعة الكلى، أمراض وجراحة القلب، المخ، الأعصاب وغيرها، ووفاة 415 جريحاً من عدد ألف و 130 جريحاً جراء العدوان تتطلب حالتهم الصحية السفر لكن لم يتمكنوا بسبب إغلاق مطار صنعاء وعدم إمكانية وصولهم إلى مطار سيئون لبعد المسافة والمخاطر الأمنية وعدم توفر وسائل النقل الطبية.
ويهدد الموت حياة 120 ألف مريض بالسكري بسبب عدم توفر الأنسولين و أربعة آلاف و500 طفل مصابون بالثلاسيميا يعيشون معاناة جسدية ونفسية يومية، وخمسة آلاف و 500 من مرضى الفشل الكلوي بحاجة ماسة لـ 500 ألف جلسة غسيل، يموت منهم يوميًا 2-3 أشخاص والبقية يعانون ومهددون بالموت بسبب انعدام الأدوية والمحاليل ومواد التشغيل وإغلاق سبعة مراكز غسيل، و85 % من المختبرات المركزية ونقل الدم مهددة بإيقاف خدماتها نتيجة انعدام المحاليل والمستلزمات الطبية ما يعني تهديداً إضافيًا لحياة الجرحى والمصابين وحالات الأمراض المزمنة مثل السرطان والفشل الكلوي وأمراض الدم الوراثي.
فيما بلغ حجم الأضرار في القطاع الصحي حتى فبراير 412 منشأة بنسبة 79 في المائة منها 180 مستشفى ومركزاً صحياً و 232 وحدة صحية، ومستشفى ميداني واحد و مصنعي أكسجين و 61 سيارة إسعاف.
وفي تقرير صادر عن المركز القانوني اليمني للحقوق والتنمية في 23 فبراير 2017 فإن إجمالي عدد الشهداء والجرحى 32042 ألفاً حيث عدد القتلى المدنيين بلغ 12041 شخصاً من بينهم 2568 طفلاً و 1870 امرأة، وإصابة 20001 مدنياً، بينهم 2354 طفلاً و 1960 امرأة، بينما نزح أكثر من أربعة ملايين آخرين عايشوا تفاصيل الموت و نزيف الروح و الجسد تحت الأنقاض يعتصر الألم قلوبهم كل حين بعد أن فقدوا الأمهات وفلذات الأكباد وتعب العمر بصواريخ وقنابل محرمة تتساقط بهمجية حتى على الأحياء السكنية.. ما تزال قلوبهم تنبض بالألم وصور وحشية القصف لا تفارق مخيلتهم، وزاد الوضع مأساة أنهم أصبحوا بلا شيء في انتظار تعاون الخيرين.
معاذ القباص طفل من صعدة في الثالثة عشر من عمره يحكي وجعه: قتلت السعودية أبي قبل سنين في حرب صعدة، واليوم قتلت أخي وأختيّ وعمتي والكثير من معارفنا وجيراننا، جازفنا هربًا من الموت لكننا بلا حياة، لولا أمي التي تستحلفني بالله أن أبقى لغادرت لقتال السعودية في أراضيها.
مرضى وجرحى العدوان هم الضحايا الأشد معاناة إذ ينتزع الوجع أرواحهم وهم في انتظار وصول دواء أو سفر تتطلبه حالتهم الصحية أو حتى فرصة الحصول على سرير أو جلسة علاج في مستشفى حكومي، وزاد الوضع كارثية وجود خلل في الأجهزة المحدودة وعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية وتضاعف أعداد الجرحى والمرضى.
يتحدث سالم المحيا في السابعة عشر من عمره بانفعال مفارق عن تسبب الفساد والحصار في قتل أمه المريضة بفشل كلوي: أمر الطبيب بإجراء عملية غسيل كلى طارئة، لكن المستشفى رفض بمبرر ليس موعد جلستها العلاجية ولعدم وجود المحاليل الطبية الخاصة نتيجة الحصار اللاإنساني ففارقت الحياة حالاً.
يضعنا د. مبارك الجحدري، المختص في وحدة الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة في قلب المعاناة : يحتاج مريض الكلى ثلاث جلسات غسيل دموي أسبوعيًا بمعدل أربع ساعات لكل غسله، في وطننا يحصل مريض الكلى على عمل جلستين غسيل في الأسبوع بمعدل ثلاث ساعات أي أنه يحصل على نصف ما يحصله عليه المريض في أي مكان آخر حيث الطاقة الاستيعابية لأكبر مركز غسيل كلوي لدينا ” مستشفى الثورة – بصنعاء ” 270 مريضاً وتم رفع القدرة لـ 370 مريضاً لتلافي العجز بسبب الزيادة اليومية لأعداد المرضى، لكن ما يتم بالفعل هو عمل جلسة غسيل لأكثر من 450-500 مريض أسبوعيًا ! وكنتيجة تتدهور الحالة الصحية للمريض بل ويعاني من كثير من الأمراض المصاحبة لنقص المناعة كالسل الرئوي.
من جهته يتحدث رئيس مؤسسة الجرحى قاسم الحمران عن آخر الإحصائيات التي وصلت إليه من مصادر معتمدة عن عدد المعاقين جراء العدوان حيث بلغ عددهم 3840 منها 240 حالة شلل رباعي و 800 حالة تعرضت لإصابة في الدماغ أدت إلى شلل نصفي و840 حالة بتر و 600 حالة من الإعاقات السمعية و 530 حالة من الإعاقات البصرية كما أن هناك 380 حالة إصابات في العمود الفقري أدت إلى شلل في الأطراف السفلية و 450 إعاقات عصبية وأوتار.
عامين من القصف والحصار والتجويع وتدمير اقتصاد ومقدرات البلد وحتى معالمه التاريخية والحضارية وفقاً للتقديرات الأولية فقد تجاوزت خسائر القطاع الاقتصادي المباشرة 750 مليار دولار.
بحسب المركز القانوني للحقوق والتنمية فإن حصيلة 700 يوم من العدوان السعودي تضرر وتدمير 420728 هدفاً من ضمنها ما يزيد عن 400 ألف منزل و220 منشأة سياحية، 206 معالم أثرية، 1520 طريقاً وجسراً، 757 مدرسة ومعهداً، 2517 وسيلة نقل ، 6048 سوقاً ومنشأة تجارية ، 1565 حقلاً زراعياً ، 271 مصنعاً ، 1162 مخزناً وناقلة غذاء ، 281 خزان وشبكة مياه ، 207 مزرع دجاج ومواشي !
وعدوان بهذه الوحشية والهمجية استهدف الإنسان والمعالم التاريخية والحضارية والمقدرات ليس بالإمكان تحديد حجم الخسارة والألم والمعاناة ولن تكفي سطور العالم لسرد ما خلفه العدو من مآس وكوارث إنسانية وتحديات في كل اتجاه أصعبها الموت جوعًا حيث 82% من اليمنيين بحاجة لمساعدة إنسانية ‘‘ البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ‘‘، يفتقر 15 مليوناً للرعاية الصحية بحسب وزارة الصحة العالمية واستجدت تحديات صحية منها تزايد معدلات الإصابة بالأمراض المعدية والوبائية وتفشي مرض سوء التغذية نتيجة الفقر وفرض الحصار على بلد يستورد 90% من غذائه حيث يعاني 17 مليون شخص من سوء التغذية يكافحون يوميًا ويبيعون مدخراتهم وممتلكاتهم لتوفير متطلبات المعيشة، من بينهم 7 مليون إنسان على حافة المجاعة وفقًا للتقييم الطارئ للأمن الغذائي والتغذية.
وبلغت نسبة البطالة 80% بعد إغلاق أبواب المصانع والشركات أبوابها، وتوقف 40 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة و800 شركة مقاولات. وبحسب اتحاد عمال اليمن فقد نحو 3 ملايين شخص أعمالهم، ولم يستلم موظفو القطاع الحكومي المدني والعسكري – يبلغ عددهم مليون ومائتي ألف حسب وزارة الخدمة المدنية (2014) – رواتبهم منذ ستة أشهر ما فاقم الوضع المعيشي والصحي للملايين في بلد تحت خط الفقر يعتمد في 70% من إيراداته المالية على عائدات النفط قبل أن يتوقف إنتاجه بسبب العدوان والحصار..