أغلق الاحتلال الصهيوني قبل أيام مكتب الخرائط الفلسطينية بالقدس؛ بحجة أنه ممول من السلطة الفلسطينية، ويراقب بيع ممتلكات فلسطينية ليهود، في صورة توضح المساعي الإسرائيلية لطمس ومحو أي وجود فلسطيني تاريخي وجغرافي، فيما ارتأت السلطة الفلسطينية أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا في العدوان الإسرائيلي المستمر على المدينة المقدسة.
وترجع المعركة الديموغرافية في الأراضي المحتلة بين العرب واليهود إلى عشرات السنين الماضية، حيث كانت الصهيونية تصور فلسطين على أنها أرض بلا شعب، فيما كانت تعمل منذ إقامة كيانها عام 48 على تهويد فلسطين، من خلال القيادات الاستعمارية، فتارة عبر وعد بلفور، وتارة أخرى عبر الأموال الطائلة التي كان يوظفها أغنياء اليهود لشراء المنازل الفلسطينية والأنفاق على هجرة اليهود من الدول الغربية إلى فلسطين وإنشاء بعض المستعمرات لاستقبالهم وتوسيع عملية الاستيطان داخل الأراضي المحتلة.
وانتقدت الحكومة الفلسطينية الحملة الاحتلالية التهويدية بحق القدس, مؤكدة أن إغلاق مكتب “الخرائط” يعتبر خرقًا إضافيًّا للاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل, كما يعيد من جديد إلى الواجهة قضية إغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة.
وأضافت إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تواصل حربها العدوانية الشاملة على الوجود الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة ومحيطها, في مسعى استعماري يهدف إلى تهويدها ومقدساتها, والتضييق على مواطنيها الفلسطينيين, ودفعهم إلى الرحيل عنها, وصولًا إلى فصلها تمامًا عن محيطها الفلسطيني.
ويأتي اغلاق مكتب الخرائط الفلسطيني متزامنًا أيضًا مع حملة ضد التعليم الفلسطيني في مدينة القدس ومحاولة فرض المنهج الإسرائيلي، وكذلك عمليات هدم منازل المواطنين، وحملة الاعتقالات، الأمر الذي يوضح أن حكومة نتنياهو ماضية في سياسة التهويد والأسرلة للأراضي المحتلة.
مكتب الخرائط بالقدس المحتلة أنشئ في بيت الشرق (مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية)، وهو متفرع من جمعية الدراسات العربية التي تضم مكتبًا آخر للإحصاء، وثالثًا للدراسات. ومنذ إنشائه قبل عشرات السنين وسلطات الاحتلال تقاوم نشاطه؛ بسبب رصده كافة عمليات التهويد والسرقة الإسرائيلية للأراضي المحتلة والاستيطان والشراء والبيع لليهود، ولذلك أغلقته أكثر من مرة، حيث كان يركز الكيان الصهيوني على منع قيام أي مؤسسة فلسطينية في القدس.
ولم يكن إغلاق مكتب الخرائط بالقدس هو الخطوة الوحيدة التي تأتي في إطار الرغبة الصهيونية في إحراز تقدم في المعركة الديموغرافية مع العرب في الأراضي المحتلة، ففي الأعوام الماضية بدا واضحًا استغلال الاحتلال للأحداث والأزمات التي تشهدها الدول الغربية؛ من أجل تغيير موازيين المعدل الديموغرافي والجغرافي في الأراضي المحتلة، حيث اتجهت الحكومة الصهيونية بقيادة “بنيامين نتنياهو” في أكثر من مناسبة لتشجيع هجرة اليهود إلى الأراضي المحتلة، بداية من الحادث الذي شهدته العاصمة الدنماركية كوبنهاجن بإطلاق نار على كنيس يهودي، مرورًا بما تشهده الأحداث في أوكرانيا، وصولًا للأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا وألمانيا في الفترة الأخيرة.
ودعا كبار القادة الإسرائيليين في الفترة الأخيرة يهود العالم إلى الهجرة نحو الكيان الصهيوني، بدعوى توفير الأمن لهم والهروب من الوضع الأمني المضطرب، لكن بحسب مراقبين فإن حقيقة الهدف من وراء هذه الدعوة هي إحداث تغيير في المعادلة الديموغرافية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونشرت صحيفة “الجارديان” إحصائيات حول هذه المسألة، مؤكدة أن الهجرة اليهودية إلى الكيان الإسرائيلي زادت بنسبة تتجاوز 40% عام 2015م.
ومن أجل إحداث تغيير في المعركة الديموغرافية وتعزيز التواجد اليهودي داخل الأراضي الفلسطينية وتزوير التاريخ والجغرافيا، تم محو أسماء الجبال التاريخية في الأراضي الفلسطينية، ومن بينها ما يعرف بجبل هرتزل، والذي دفن بداخله جثمان رئيس إسرائيل السابق، وأحد قادة الصهيونية شيمون بيريز، سفاح العرب.
في دراسته المهمة عن المستعمر الصهيوني، والمنشورة في مجلة الكرمل عام 1986م، أكد الكاتب العربي إلياس صنبر، أن تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية زور الجغرافيا العربية، وهو الذي أمر بدفنه بمنطقة جبلية عربية ليتم محوها؛ لتحمل اسمه بعد تهجير ما يربو على مليون فلسطيني، ونقل 650 ألف مستوطن يهودي؛ ليحلوا محلهم.
وبين عمليات إغلاق المؤسسات التاريخية وتغيير المناهج الفلسطينية والتهجير للعرب وشن حملات استيطانية جديدة، ستبقى المعركة الديموغرافية بين العرب واليهود في الأراضي الفلسطينية قائمة، ولن تنتهي خلال السنوات المقبلة.