صعدة .. البحث عن الحياة وسط الركام
علي الشرفي
منذ السادس والعشرين من مارس 2015م ومحافظة صعدة تتلقى القسط الأكبر من حمم صواريخ وقنابل العدوان الأمريكي السعودي الصهيوني الإجرامي الغاشم ، وهاهي العامان توشك أن تنفد ولازالت صعدة هي تلك الهامة والقامة التي لم تحن جبينها لغاز أو محتل أو مرتزق مهما امتلك من إمكانات ومهما كان جبروته وطغيانه وإجرامه ..
قرابة عامين من القتل والتدمير مرا على 15 مديرية بصعدة وهن يتلقفن ما تصبه طائرات الشر والإجرام من مختلف الأسلحة المحرمة حتى قيل عنها : صعدة باتت حقل تجارب لأسلحة دول الاستكبار ، ويترافق مع كل صاروخ ينزل عدد من المآسي والآلام لأبناء عزل المحافظة ومناطقها ، فلا جوع إلا وقاسوه ولا برد إلا وعايشوه ولا ريح إلا ومرت بهم ، ولا حرارة شمس إلا وحلت بينهم ، فلا مدارسهم قائمة ولا مساجدهم عامرة ، ولا طرقهم معبدة ؛ لذلك صاروا اعجوبة زمانهم في الصبر وآية في التضحية والصمود تتلى على ألسن كبار الأقوام وصغارهم .
لصعدة محاسن كثيرة إلا أن أبرزها في هذين العامين أنها فضحت وعرّت كل المنظمات التي تدعي الحقوقية والإنسانية وغيرها ، حيث غابت عنها جميع تلك الأسماء التي ترد في مذكرات المجتمع المدني وتحضر وبصوت عالٍ في الصفحات الممولة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المؤتمرات الخطابية وسباقات الأسهم وأرصدة البنوك ، ولم يكن حضور ما ندر منها إلا على شكل زيارات وفزعات تثمر إما عن منشورات توعوية عن كيفية غسل الأطراف وقضاء الحاجة ، وأخرى بصفة دورات عن كيفية محاربة المشاكل النفسية التي تؤدي حسب وصفهم إلى الانتحار ! في ظل وجود جزار لا يترك المجال لمن أراد أن ينتحر بل يقضي عليه وعلى عائلته ومن بجواره دفعة واحدة .
عن صعدة حدث ولا حرج ، تتسابق الأمراض والأوبئة على من يكن له النصيب الأوفر من المواطنين وخصوصاً الأطفال في تلك المناطق التي يحصد أبناؤها القنابل العنقودية بدلاً من الرمان والذرة والخضروات ، وتحضى تلك القنابل المحرمة بمساحة جغرافية أكبر من تلك التي يسكنها المواطنون ، وبدل أن يستنشق الأطفال الهواء النقي الذي يساعد على نموهم تعودوا على استنشاق الغازات السامة التي يقذف بها العدوان إما براً أو بحراً أو جواً بهدف خلق جيل مشوه ، وتطعيم الجيل الحالي بعشرات الأمراض المزمنة والمعدية .
عند نزولك إلى منطقة ما من المناطق الغربية بمحافظة صعدة لن تجد في زوايا الطرقات الورود والأزهار والأشجار المثمرة ولا الطرق المعبدة بالجسور على حساب نظام قرن الشيطان ، فإذا لم تجد رجلاً مصاباً يسافر على سفينة الصحراء ليصل إلى مركز المحافظة لشراء بضع حقن وحبوب ليخفف عن كاهله ألمٌ طال به جراء غارة أصابت بيته أو مزرعته فستجد حتماً العشرات من جماجم المواطنين وبقايا هياكلهم العظيمة ، وما تبقى من قطع محترقة من سياراتهم المتواضعة على شرفات الطريق ، وإياك أن تلف بوجهك ذات اليمين أو ذات الشمال فالمشهد كما هو متوقع ،، رجل يبحث عن بقايا أنين لطفل من أسرته يسمع صوته يشق النفس ويدمي القلب محاولاً بكل جهده أن يصل إليه ليرفع عنه جسراً يزن أكثر من طنين ليجد نفسه عاجزاً عن تلبية نداء لابنه او ابنته وهو يسمع النداء يخفت ويخفت حتى انقطع ، وتعالت الأصوات.. إنا لله وإنا إليه راجعون .