
استطلاع / صقر الصنيدي –
حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ويلز البريطانية وعاش هناك فترة طويلة كفيلة بإقناعه بتتبع التجربة البريطانية ومحاولة نقلها الى هنا لكن الدكتور عبدالقوى ردمان لم يهتم بتلك التجربة وذهب إلى غيرها وتعمق في تجارب دول كالصين وأندونيسيا وتركيا والهند والأكثر البرازيل لسبب يسير هو أن اقتصاديات هذه الدول قائمة على الأنشطة الصغيرة ولا تعتمد كليا على المنشآت الضخمة وهو ما نحتاجه نحن كمجتمع عليه أن يتحول من انتظار العمل ضمن طواقم كبيرة إلى العمل كأفراد يشكلون في النهاية اقتصادا قويا لا يتأثر بالتقلبات المالية المحلية أو العالمية .
ورغم قرب انتخابه رئيسا للجمعية اليمنية لتنمية الأعمال إلا أن ردمان بدءا من المشاريع الصغيرة لتغيير المفهوم السائد بأنه لا أعمال ولا رجل أعمال إلا من يمتلك ثروة كبيرة ليصبح الوضع أن الأعمال يمكن لها أن تكون صغيرة جدا ثم تكبر لتتجاوز حجمها وأفرادها وحتى يثبت ذلك كرر سعيه لإقناع عدد من سفراء دول العالم التي كانت حتى وقت قريب مثلنا إن لم نكن نفوقها ليقدموا تجارب بلدانهم ويشرحوا لما يقارب الـ500 متخصص كيف حدث التحول السريع لها لتصبح من اقتصاديات العالم الجديد ونظم لأجل ذلك المؤتمر الأول للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المنعقد في صنعاء مطلع الأسبوع الفائت وقدم ثلاثة من السفراء تجارب بلدانهم مع النصائح للمجتمع اليمني الذي ينتظر الحلول من السياسيين حتى لمشاكله الاقتصادية وهو ما يبعده عن أهدافه الحقيقة أو كما علق السفير الصيني بصنعاء في عرضه لتجربة بلاده “مهما يكن نظام الحكم أو يختلف يجب التركيز على التنمية لأنها الأهم ” في إشارة منه إلى أنه وإن كان الحزب الشيوعي يحكم بكين إلا أن التنمية تجاوزت كل الإطارات التي تخطها السياسة .
لقد روى الثلاثة حكاية تطور بلدانهم وقدموا طرقا يمكن لنا السير عليها للوصول إلى مبتغانا وأهدافنا التي تختفي أحيانا ولا نكاد نراها رغم هتافنا بها ليل نهار .
الصيني : قبل ثمانية وعشرين عاما كنت اشتري قنينة ماء من اليمن وأقدمها هديه
“في العام 1985 كنت أعمل في محافظة تعز ومن وقت لآخر أذهب لزيارة بلدي حاملا معي ذلك الانطباع الجميل عن اليمن عن قدرة المواطنين امتلاك سياراتهم الخاصة ومنازلهم الخاصة أيضا وفي وطني الصين لم يكن أحد يمتلك هذه الأشياء لا شقة ولا سيارة كانت كأنها أحلام “جعلت هذه الكلمات الحضور يركزون أكثر على تجربة السفير الصيني شانغ هوا أثناء حديثه ما جعله يزيد من تبيين المفارقة القديمة ” كل الأشياء كنت أشتريها من تعز وأحملها إلى بلدي كهدايا الساعات السويسرية الملابس المختلفة وحين أكون في مطار صنعاء متجها إلى بكين أشتري قنائن مياه معدنية من المطار وأحملها إلى الصين وهناك يستغرب الأصدقاء حول وجود هذه الطريقة لوضع المياه المعدنية في قنائن كانت قارورة الماء المعدني هدية لأنهم لا يعرفون مثل هذه الصناعة بعد”.
في العام الذي يتحدث السفير الصيني عنه كانت بلاده ما تزال معزولة وكانت السياسة تحرم كل ما هو تقليد للغرب وتعتبر أنه لا يصلح الاقتداء بهم يستمر حديث السفير مبتسما ” كان ذلك في الماضي القريب الذي غيرناه سأقول لكم كيف غيرناه “
يقول أنور الركن وهو أحد الصحفيين المشاركين “ونحن أيضا تغيرنا ولم نتقدم خطوة للأمام بينما كانت الصين تنهض كنا نستعد للنوم “
يواصل الصيني شد تركيزنا لنعرف ما حدث لتصبح قطعة أرض كانت مسرح تجارب سياسات خاطئة إلى البلد الثاني في الاقتصاد العالمي” اهتممنا بالتنمية ولم نهتم بما هو نوع النظام الذي نسير عليه فتحنا السوق لتصل عدد الشركات الأجنبية والمشتركة مع الصين إلى ستة ملايين شركة تعمل وأكيد أنها تكسب لأنه لو لم تكسب لما وصلت إلى هذا العدد”
” تملك المواطنون منازلهم أصبحوا يمتلكون ليس سيارة واحدة وإنما أكثر خضنا تجاربنا مع المشروعات والصناعات الصغيرة التي كبرت سريعا لنصل اليوم إلى تصنيع الطائرات وكل الصناعات الثقيلة”
ويحاول هوا أن يفسر أكثر: وصلت المشاريع الصغيرة إلى الأرياف إلى المناطق النائية بدأ الكل يعمل ويجتهد ليقدم شيئاٍ جديدا “
ومخاطبا ليمنيين: أنتم أيضا يمكنكم عمل هذا والمبادرة إلى التنمية التي هي أهم ما يجب أن تفكروا به ونحن سنساعدكم لجعل التنمية الهدف الأول لأن علاقتنا قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل الاسلام “
الأندونيسي : لم يعد لدينا عمال نصدرهم إلى الخارج
أندونيسيا أحد نمور آسيا الذين قفزوا إلى التطور عبر مواطنيهم الذين ساهموا في بناء بلدهم وقد وافق السفير الأندونيسي على إطلاعنا على رحلة التطور معززا حديثه بالأرقام والنسب المئوية ولكنه أحب أن يبدأ من قدرة بلاده على تجاوز الأزمة المالية وأنها لم تتأثر لأن اقتصادها قائم على مشاريع صغيرة ويعمل فيها 78% من إجمالي العمالة الاندونيسية هذه المشاريع تمثل 99% من إجمالي الأعمال ولدينا وزارة خاصة بالمشاريع الصغيرة توفر لها كل ماتحتاج “
يمكننا رؤية التحول الذي حدث في تلك الدولة المرمية على البحر من خلال اختفاء العمالة الأندونيسية من أسواق الدول المختلفة وعودتهم إلى بلادهم بعد أن توفرت كل سبل الحياة ولم يعودوا بحاجة للغربة: “هذا واحد من أهم الأسباب التي جعلتنا نحرص على أن تحضر معنا اندونيسيا” يقول الدكتور عبدالقوي ردمان الذي كان حريصا أيضا على حضور البرازيل كنموذج فريد يجب الاستفادة من خبراته لنقل حياتنا كما يقول واعدا أن تكون حاضرة مرة قادمة .
وينقلنا السفير إلى فن مهم وهو التسويق ويتم سنويا إقامة مهرجانات تسوق نعرض فيها كل منتجاتنا وندعو رجال الأعمال من مختلف العام ونروج لهم عن بضائعنا التي أنتجتها المشاريع وأنتم أيضا مدعوون لحضور أقرب مهرجان لنا ونتحمل الإقامة لرجال الأعمال في فنادق ضخمة في جاكرتا “يتخذ الرجل فرصة لتقديم موطنه لأنه يعلم أن بين الحضور رجال أعمال وسبق أن أقام فعاليات ترويجية للفرض الاستثمارية في بلاده ولا يجد فرصة إلا وقدم أندونيسيا وهو نوع من التسويق الذي نحتاج إليه لجذب رؤوس الأموال .
“أنتم أيضا تستطيعون العمل على تنمية هذه المشاريع وعلاقتنا قوية لدينا الكثير من اليمنيين أصبحوا شخصيات هامة داخل أندونيسيا وزراء سفراء نواب قدموا إلينا منذ زمن بعيد ليساهموا في بناء بلادنا”
التركي: بقى أن تسمعوا إلى البرازيل والهند
فجأة تماسكت تركيا وعادت إلى النمو من جديد وأصبحت نموذجا يريد الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وتمنعه السياسة وليس الاقتصاد فكيف انطلقت تركيا يجيب السفير التركي فضلي تشورمان الذي قال: أولا لا ينقص من الاقتصاديات الصاعدة غير الهند والبرازيل لتكتمل التجارب ويخرج المشاركون بفكرة كاملة لبناء اقتصادهم القوي مضيفا أنه لكي تصبح أفضل من جارك المتفوق عليك ألا تطيل الانتظار واعمل بجهد أكثر منه وبينما هو يرتاح لا تفعل أنت ذلك إلا وقد حققت هدفك .
وينصح السفير التركي أصحاب الأفكار أو المشاريع الصغيرة أن يحترموا ويقدروا ما يعملون ويحبوا مجالهم كي يبدعوا فيه وأن يسعوا دائما إلى الابتكار وصناعة أفكار جديدة .
وقال: إذا أرادت الحكومة مجتمعاٍ منتجاٍ عليها أن تشجعه وتعامل الجميع على أنهم قادرون على الإنتاج وأن تسهل لهم نجاح أفكارهم وهو ما قمنا ونقوم به نحن في تركيا لا نكتفي بالنظر إلى صاحب المشروع الصغير بل نقدم إليه المشورة والدعم ونسهل له الحركة حتى ينمو تدريجيا ولا يجد المعوقات أمامه التجربة التركية خطها الأفراد الذين أرادوا أن يصبحوا منتجين لكل شيء والآن صارت الجودة ترافق منتجات الشركات الكبيرة والصغيرة هناك تنافس في الأفكار وبالتنفيذ وأي مجتمع يريد أن يتقدم فلن يمنعه أي تحد ويتجاوز كل المعوقات مهما كبرت “
” يوما ما ستغدو هذه الأفكار والتجارب واقعا نراه وليس مجرد حلم ” يقول ردمان.