حلب وسقوط الأقنعة
أحمد يحيى الديلمي
رغم الضجة الكبيرة التي زعمت النفير العام، وإعلان ما يسمى بالحرب الدولية على الإرهاب إلا أن الواقع يؤكد أن العالم أو الدول التي تتخندق في هذا الميدان وأمريكا على وجه التحديد لا تزال تخوض صراعاً مع المجهول، وإن ملأت الدنيا ضجيجاً حول الظاهرة وحشدت الحشود العسكرية غير المسبوقة ورصدت الميزانيات الضخمة، إلا أن الظاهرة تكبر وتتمدد إلى حد أن الجماعات تعددت وكما حدث لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر الذي أنقسم إلى عدة جماعات أتضح فيما بعد أنها كانت مجرد انقسامات صورية بهدف توزيع الأدوار والمهام والمسؤوليات، فإحتمت بعضها بمبدأ التُقية لاستغفال القاعدة الشعبية وتحقيق مكانة متقدمة في نطاق الحراك السياسي المتعلق بالواقع كما يقال “الماء يكذب الغطاس” معركة حلب مثلت أكبر امتحان لمصداقية الدول ومدى جديتها في التصدي الحازم لهذه الظاهرة الخبيثة، جاءت النتيجة مخيفة، الدول التي ملأت الدنيا ضجيجاً وصراخاً من الإرهاب والتطرف وتباكت وذرفت الدموع على الضحايا ار، الموقف أربكها .
البطولات العظيمة التي اجترحها أبطال الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية ومن تحالف معهم من شرفاء الشعب السوري وضعت عدداً من الدول في مواقف صعبة لا تُحسد عليها، سرعة حسم الموقف خلطت الأوراق وجعلت الدول التي صنعت الإرهاب ورعت تناسل الجماعات تبعاً لاحتياجات الزمان والمكان، عاجزة عن استباق الأحداث والمبادرة إلى فرز الجماعات تبعاُ للمعايير الانتهازية التي تقسم الإرهاب إلى معتدل ومتطرف وتريد أن تحتفظ لنفسها بورقة الضغط والتأثير في مسار الأحداث فسقطت الأقنعة وتعرت الوجوه القبيحة .
مع أن كل الجماعات نهلت من الفكر الوهابي المفخخ بألغام التكفير وأنه لا فرق إطلاقاً بين القاعدة والنصرة، وداعش، و أحرار الشام وغيرها التي استظلت برداء الإسلام زوراً وبهتاناً، إلا أن أمريكا ومن تحالف معها بما في ذلك أذناب هذا التحالف لم تؤمن بهذه الأدلة والبراهين التي لا يرقى إليها شك من عرب الجنسية ممن وضعوا معايير خاصة لتوصيف من هو الإرهابي مصدر الخطر ومن هو الأليف الملتحف برداء الثورة .
هذا التوصيف تعرى بعد تحرير حلب، فلقد ثبت بالدليل القاطع أن كل الفصائل قَتلت وسحلت الأبرياء ومارست أبشع الجرائم إلا أن ما يسمى بدول التحالف لم تؤمن بهذه الأدلة والبراهين، مع أنه لا يرقى إليها أدنى شك كما قلت .
هنا الكارثة، لأن هذا التحالف المشبوه يواجه الإرهاب بشروط قاتلة أهمها أن تظل الجماعات كما هي عليه محتفظة بالسلاح والعتاد كعصا غليظة تمكن هذا التحالف من استكمال الغايات التي اسُتقدمت هذه الفلول من أجلها لترجمة نفس الغاية، ارتفعت أصوات التباكي والنحيب على حقوق الإنسان وانهمرت الدموع على ما أسموه بحرب الإبادة في سوريا.. دموع التماسيح هذه لم تتعاطف مع من قتلوا وشردوا وسحلوا من قبل الجماعات الإرهابية ولم تسقط دمعة واحدة على جرائم الحرب وحرب الإبادة في اليمن إلا أن مجلس الأمن تعاطى معها بسرعة وأصدر قراراً يضمن خروج من تبقى من المليشيات لنجد أن كل ما حدث في أفغانستان عقب خروج الاتحاد السوفيتي، يتكرر بنفس السيناريو آلاف المسلحين يُنقلوا إلى مواضع أخرى في سوريا لبقاء فتيل الحرب مشتعلاً وبؤر الصراع قائمة بدليل أن الرئيس الأمريكي ختم عهده في البيت الأبيض بإصدار قرار يجيز تزويد جماعات الإرهاب في سوريا بصواريخ مضادة للطائرات متخطياً بنود القانون الأمريكي التي تجرم مساعدة الجماعات الإرهابية وهو ما يؤكد التناقض الفاضح بينما يقال ويطبق على أرض الواقع وبينما يمارس، تكمن الخطورة أكبر في القرار الأخير الذي قضى بنقل التكفيريين العرب إلى بلدانهم التي قدموا منها لإدخال هذه الدول في معضلة مواجهة التكفيريين القادمين من سوريا، كما حدث مع المجاهدين الأفغان في عقد الثمانينيات من القرن الماضي وما ترتب على ذلك من تداعيات خطيرة جعلت الدول العربية مرتعاً خصباً للإرهاب وخلقت بيئة مناسبة للإرهاب واقتراف أبشع الأعمال الوحشيه
مما أسلفت تتضح هشاشة وكذب إعلان التحالف الدولي ضد الإرهاب وأنه مجرد يافطة لإخضاع دول المنطقة للإرادة والهيمنة الأمريكية، إذ كيف لمن يرعى الإرهاب ويموله أن يواجهه ويقضي عليه !؟
هذا ما يؤكد أهمية تحرير حلب ويكشف عظمة الإنسان السوري، بالمقابل يفتح اَمال حقيقية أمام انتصار قريب وحاسم يحققه أبطال الجيش واللجان الشعبية في اليمن لكشف بقية الأوراق وتعرية الخونة والعملاء في دول المنطقة.
* شكراً لهؤلاء :
( فينزويلا، ماليزيا، السنغال، نيوزلندا ) شكراً لهذه الدول المتباعدة جغرافياً المتقاربة إنسانياً ،فلقد استطاعت بإرادتها القوية أن تحقق للقضية الفلسطينية ما عجزت الدول العربية عن تحقيقه لسنوات طويلة، فلهم جزيل الشكر من كل مواطن فلسطيني وكل عربي مقاوم حر ينزع إلى الحرية والأمن والسلام .