العدوان السعودي على اليمن وتوقف الصادرات وتفاقم أزمة السيولة ابرز الأسباب
الثورة/ أحمد الطيار
توقع أحدث التقارير الاقتصادية أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لليمن خلال العام 2016م بحوالي -12.8 % مرجعا ذلك للآثار المباشرة للعدوان السعودي على بلادنا والممتد منذ عامين وطال معظم المحافظات اليمنية ودمر البنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة كما عطل كثير من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
وقال التقرير الذي يرصد التطورات الاقتصادية والاجتماعية إنه يتوقع أن يكون العام 2016م منكمشا لأسباب أخرى أهمها توقف معظم الصادرات واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها أزمة السيولة التي عمقت الانكماش الاقتصادي وأدت لفقدان القوة الشرائية واتساع البطالة والفقر.. مشيرا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن قد انكمش بحوالي 32.9%عام 2015م بسبب مباشر للعدوان السعودي الأمريكي الذي بدأ في 27 مارس من نفس العام .
يُبين التقرير الاقتصادي للتطورات والمستجدات في اليمن إن انكماش الناتج المحلي الإجمالي تفاقم في 2016م بسبب الأزمات الحادة في الوقود والكهرباء والغذاء والمياه والنقل والتعليم والرعاية الصحية. وكذلك، تعليق دعم المانحين التنموي وتجميد ً البرنامج الاستثماري العام. فضلاً عن تقييد حركة التجارة الخارجية.
ويرى التقرير أنه نتيجة للانكماش قد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 518 دولارا للفرد عام 2014م إلى حوالي 290 دولاراً للفرد عام 2016م .قائلا إنه بدون توقف العدوان والتوصل لتسوية سياسية ، فإن نصيب الفرد من الدخل سيواصل مسار الانخفاض. مما يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر.
تفاقم عجز الموازنة
يكشف التقرير أن عجز الموازنة العامة بلغ 1.59 ترليون ريال خلال الفترة يناير 2015 – أغسطس 2016م. بسبب جفاف الإيرادات الضريبية وتوقف إيرادات صادرات النفط والغاز وتعليق دعم المانحين للموازنة العامة. ولذلك، تم الاعتماد على الاقتراض المباشر من البنك المركزي في تمويل80.3% من قيمة عجز الموازنة. وبالنتيجة، نفدت السيولة التي كانت متاحة للبنك المركزي. فمنذ أغسطس 2016م، تواجه المالية العامة عجزاً في تغطية مرتبات موظفي الدولة )المقدر عددهم ب 1.25مليون موظف(. وتقدر المتطلبات الشهرية للمرتبات وفوائد الدين المحلي بحوالي 115 مليار ريال بينما تغطي الإيرادات العامة الشهرية حوالي 30% فقط من تلك المتطلبات.
ويساهم القطاع الحكومي والعام بحوالي 46 % من الناتج المحلي الإجمالي و 52.6% من إجمالي الطلب الكلي في الاقتصاد، ويوظف 31 % من السكان العاملين. ونتيجة لتداعيات العدوان على اليمن ، اضطرت الموازنة إلى تجميد مشاريع البرنامج الاستثماري العام، وتقليص نفقات الصيانة والتشغيل للمؤسسات العامة والخدمات الاجتماعية الأساسية وتعليق الإعانات النقدية للحالات الأشد فقراً المقيدة في صندوق الرعاية الاجتماعية.
أزمة السيولة
من ابرز مظاهر أزمة السيولة في البنك المركزي اليمني كما يوردها التقرير تأخر صرف مرتبات موظفي الجهاز الإداري والعسكري والأمني للدولة واستخدامه عملات نقدية تالفة في الأسوق كان ينوي استبدالها سابقا، وتعود شحة السيولة في البنك المركزي إلى عدة أسباب ابرزها انهيار إيرادات الموازنة العامة للدولة ولذلك تم الاعتماد على السيولة النقدية لدى البنك المركزي الذي ساهم بحوالي 1.28 ترليون ريال في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من يناير 2015م إلى أغسطس 2016م وبالتالي استنفدت السيولة التي كانت متاحة لدى البنك.
كما أدت الأزمة لانقطاع دورة النقد ،ففي السابق كان البنك المركزي يضخ إيرادات الموازنة العامة للدولة من العملة الصعبة في السوق المحلي دوريا مقابل سحب العملة المحلية من السوق واستخدامها في تمويل نفقات الموازنة أما الآن فقد انقطعت هذه الحلقة.
يوضح التقرير أن انخفاض الاحتياطيات الخارجية كان بسبب توقف تدفق معظم مصادر النقد الأجنبي إلى اليمن وتمويل واردات السلع الأساسية وتسديد خدمة الدين الخارجي وتهدئة أزمة سعر الصرف، بالإضافة لصعوبة الاستمرار في سياسة الإصدار النقدي الجديد خلال فترة يناير 2015م – أغسطس 2016م بسبب صعوبة طباعة نقود جديدة فضلا عن أن الإصدار النقدي الجديد بقي في التداول خارج البنك.
ارتفاع سعر الصرف
أدى الانخفاض الشديد في احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي إلى إضعاف الجدارة الائتمانية للاقتصاد الوطني. وبالتالي، اهتزت الثقة في العملة الوطنية، وأرتفع سعر الصرف الرسمي للدولار بحوالي 16.3 % في بداية أبريل 2016م وفي نفس الوقت، ارتفع سعر الصرف الموازي للدولار مقابل الريال اليمني تدريجياً حيث بلغ معدل تغير سعر الصرف حوالي 42 % في منتصف نوفمبر 2016م مقارنة بما كان عليه في مارس 2015 م. ويؤكد التقرير أنه وبدون استئناف صادرات النفط والغاز والحصول على دعم من المانحين أو ودائع في البنك المركزي، فسوف يستمر تصاعد سعر الصرف الرسمي والموازي. مما يؤدي لارتفاع التضخم وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية وزيادة انعدام الأمن الغذائي خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد لتغطية الاحتياجات المحلية من السلع الغذائية وغير الغذائية. الجدير بالذكر، أن القيود المفروضة على الاستيراد وأزمة السيولة النقدية ساهمت في كبح وتيرة تصاعد سعر صرف الدولار.
التضخم
يضيف التقرير أن أسعار المستهلك شهد تصاعداً ملحوظاً خلال عامي 2015 – 2016م مقارنة بقبل الأزمة والعدوان، وتفاوتت الأسعار من وقت إلى أخر. وبوجه عام، يقدر متوسط معدل تضخم أسعار المستهلك بحوالي 30 % عام 2015م و 7% عام 2016م .
ووفقاً للمعلومات الصادرة عن برنامج الغذاء العالمي، شهدت أسعار كثير من السلع استقراراً نسبياً خلال الشهور القليلة الماضية من عام 2016 ، متأثرة بأزمة السيولة وما ترتب عليها من انكماش حاد في الطلب الكلي.
وفي نفس السياق، كانت أسعار البترول والديزل وغاز الطبخ أعلى بحوالي 23 %، 26 %، 72 % في أكتوبر 2016م مقارنة بفترة ما قبل العدوان. ويعود ذلك بدرجة رئيسة إلى تقييد الواردات وغياب الكهرباء من الشبكة العامة، وارتفاع سعر صرف الدولار، واتساع السوق السوداء والاحتكار. مما رفع تكاليف الإنتاج والنقل والتخزين، وأسعار السلع والخدمات. وبالتالي، تدهورت مستويات المعيشة للسكان خاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود.
البطالة
وفقا لنتائج مسح القوى العاملة 2013 – 2014م، فإن 44.8 % من الشباب ليسوا في العمل ولا في التعليم. وفي عام 2015م ، تعرضت منشآت القطاع الخاص إلى أضرار مباشرة وتأثرت كثيراً بأزمة الوقود وغياب الكهرباء من الشبكة العامة، مما انعكس سلباً على العاملين في القطاع الخاص. فوفقاً لاستبيان مناخ الأعمال اليمني الذي نفذته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر خلال أغسطس- أكتوبر 2015م في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت والحديدة، فإن 41 % من المنشآت قامت بتسريح حوالي 55 % من موظفيها في المتوسط. وأيضاً، قامت 7% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 49% وسرحت حوالي 64 % منهم. وقامت 3% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 50 %.
ومؤخراً، أدت أزمة السيولة إلى تعميق الانكماش في الطلب الكلي والنشاط الاقتصادي. ورغم عدم توفر بيانات حديثة حول وضع سوق العمل عام 2016م، فمن المتوقع اتساع نسبة البطالة المرتفعة أصلاً وتفاقم ظاهرة الفقر والحرمان في المجتمع.
الأمن الغذائي
إن مؤشرات انعدام الأمن الغذائي تزداد سوءً كل يوم ووصلت مستويات مقلقة حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 14.1 مليون مواطن يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي أي أن ما لا يقل عن 1 من كل 2 يمنيين لا يستطيع الحصول على غذاء كافي.
ووفقاً لتقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ) IFPRI ( لعام 2016م ، يصنف اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دولة في العالم.
ومن أبرز عوامل تفاقم انعدام الأمن الغذائي ارتفاع الأسعار المحلية للغذاء والوقود والمياه والدواء بالتزامن مع فقدان فرص العمل والدخل. والنزوح الداخلي لملايين المواطنين عن مناطقهم بسبب العدوان الغاشم .. أيضاً. وكذلك، أثرت أزمة السيولة بصورة مباشرة على حوالي 1.25 مليون موظف حكومي وأسرهم الذين فقدوا ليس فقط القوة الشرائية للغذاء ولكن أيضاً للسلع والخدمات الأساسية الأخرى.
صعوبة الوصول للخدمات
إن الخدمات الاجتماعية الأساسية بما فيها التعليم والصحة والمياه تواجه شبح الانهيار في مناطق واسعة من البلاد والاحتياجات تتزايد يومياً، مما يزيد الضغوط على الوضع الإنساني في البلاد. فحتى أكتوبر 2016م ، تعرضت 1,604 مدرسة للأضرار بسبب العدوان السعودي ، وهذا يهدد بحرمان 720,000 طالب من حقهم في التعليم. ويوجد حالياً حوالي 2 مليون طفل ) بما فيهم 513,000 طفل نازح( خارج المدرسة يمثلون 27 %من أصل 7.3 مليون طفل في عمر المدرسة.
وفي مسار موازي، يمر قطاع الصحة بأسوأ مراحله حيث يظهر تقييم الوضع الصحي في 16 من أصل 22 محافظة أن النظام الصحي يعمل بأقل من نصف طاقته. فمن أصل 3,507 مرافق صحية يوجد حوالي 45 % فقط تعمل بطاقتها الكاملة، والبقية لا تعمل جزئياً أو كلياً. إضافة لذلك، فإن 6 من كل 10 مرافق صحية غير قادرة على توفير خدمات التغذية وصحة الطفل. ويعاني القطاع الصحي من نقص الأطباء والأدوية والمعدات. فضلاً عن عدم توفر نفقات التشغيل وتأخر مرتبات العاملين لأشهر مما يؤثر على استمرارية الخدمات.