*من أين نتعرف على شخصية الرسول صلوات الله عليه وعلى آله؟
يحيى قاسم ابوعواضة
إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى العودة الصادقة إلى الرسول ورسالته وإلى إحياء شخصية الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله) في وجدان الأمة وفي مشاعرها، حتى يكون للرسول حضور في واقع الأمة بهديه ونوره وأخلاقه وروحيته العالية، حضورٌ في القلوب، وحضورٌ في النفوس، عزمًا وإرادة، حضوره كقدوة وقائدٍ وأسوة، نتأثر به في سلوكنا وأعمالنا ومواقفنا وقراراتنا، نتأثر به ونهتدي به، وبالهدى الذي أتى به من عند الله في واقع حياتنا.
في مرحلة عاصفة لأمتنا يسعى أعداؤها الألدّاء إلى أن يفصلوها وأن يبعدوها عن منابع عزها ومجدها، وأن يكون انتماؤها إلى الإسلام ونبيّه وقرآنه شكلاً لا مضمون له، وزيفًا لا حقيقة له، وأن يكونوا هم من يتحكمون بالأمة في واقعها السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وبطغيانهم وبفسادهم وبإجرامهم وبحقدهم وعداوتهم يؤثرون في واقع الأمة ليس فيما يصلحها، وليس بما هو خير لها، بل يؤثرون في واقع الأمة بما يزيدها فرقة وشتاتًا، وذلةً وهوانًا، وجهلًا وتخلفًا، وانحطاطًا ودناءة، وضعفًا وعجزًا، وشقاءً وعناءً، ويستمرون في نهب ثرواتها وسرقة خيراتها، والاستفادة من جغرافيتها، فهم أعداء لا يهمهم مصلحة هذه الأمة.
ولقد عمل السيد حسين – رضوان الله عليه – ومن بعده السيد عبد الملك – حفظه الله – على إحياء الرسالة المحمدية في واقع الأمة وتقديم شخصية الرسول القائد المعلم المربي والهادي للأمة ليكون قدوة ومعلمًا ومربيًا وهاديًا لهذه الأمة التي اجتمع لها الضلال والشقاء بسبب بُعدها عن مصادر عزتها وقوتها.
وقد جمعت هذه المادة مما قدماه حول شخصية هذا النبي العظيم، ومزجته بالنص التاريخي معتمدًا في نقل النص التاريخي على كتاب السيرة للدكتور الشهيد مرتضى بن زيد المحطوري رحمة الله عليه ومن كتاب السيرة للمستوى الثالث الذي أعد للدورات الصيفية.
والله الموفق
بتاريخ 12 ربيع الأول 1438هـ
يقول السيد حسين بدرالدين الحوثي – رضوان الله عليه – حول هذا الموضوع:
«القرآن هو يعتبر أهم مصدر لمعرفة أنبياء الله ولمعرفة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنك تفترض في البداية وهي قضية الناس مسلِّمين بها أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلًا قرآنيًّا يتحرك بالقرآن.
فهمك للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو مرتبط بفهمك للقرآن، عندما تفهم القرآن، وتفهم كيف كانت حركته في موقف معين؛ تجد أنه كيف كانت حركته هذه قرآنية، يجسد فيها مبدأ قرآنيًّا، يقوم فيها بدور تربوي قرآني، عندما يتحدث عن غزوة تبوك أو أحد أو بدر أو غيرها… أليست سيرته تبدو حركة؟ حركة قرآنية، ويجسد مبادئ وتوجيهات، ويقوم في الوقت نفسه بأعمال تربوية للأمة.
عندما يقرأ أحدٌ السيرة الأخرى التي قدمت كأحداث تاريخية، أليست عبارة عن أحداث تاريخية؟ لكن أنت لن تعرف النبي من خلالها، أو معرفة محدودة جدًّا، أحداث تاريخية. ارجع إلى القرآن الكريم ستفهم لماذا النبي ركز على أن تكون حركته بهذا الشكل؟ لماذا استخدم هذا الأسلوب؟ تجد أنه كان يركز على هذا الأسلوب باعتباره مبدأ مهمًّا جدًّا يرسخه في ذهنية الأمة لتتربى عليه أو تسير في حركتها على أساسه، وهكذا أشياء كثيرة من هذا القبيل.
القرآن ليس فقط يعرفك بمجرد حركات الرسول بل بمشاعر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرفك حتى تقريبًا تفهم مشاعره وتفكيره، تفهم كيف كانت نظرته للمجتمع الذي هو فيه، تفهم كيف كان وهو على فراش الموت كيف كان في نظرته، أنه مات متألمًا، مات متألمًا فعلًا؛ أن هذه الأمة ما استجابت بالشكل المطلوب، ما تفهمت القضية بالشكل المطلوب، ما التزمت بالشكل المطلوب.
تفهم النبي بأنه كان في حركته في ذلك العصر، أعماله لم تكن فقط مرتبطة بعصره، في عصره ما كان يعمله من أعمال قام بها تعتبر هداية للناس إلى آخر أيام الدنيا، يكشف أشياء ويؤكد على أشياء ويرسخ أشياء، يعني هو كان نبيًّا يفهم أنه نبي للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، فكانت حركته يلحظ فيها امتداد رسالته، وتلاحظ أنها هذه لها نظائر في القرآن الكريم، هذه لها نظائر».
ويقول: في الدرس السادس عشر من دروس رمضان:
«إذًا فهنا تعرف شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قد تكون في كتب السير تاريخًا يعرض فقط أحداثًا معينة مؤرخة ونكتب فيها أرقامًا معينة، لكن التحليل لشخصيته قضية ثانية، التحليل لمنطلقاته في عمله في تكتيكه العسكري في اختياره للقادة في اختياره للموقع وأشياء من هذه لا تتناولها معظم السير فعلًا، وهي قضية مهمة، أي ليس المطلوب فقط من السير أو من التاريخ أن نعرف متى وقعت الغزوة الفلانية وكم كان عدد المسلمين وكم كان عدد الكافرين وانتهى الموضوع، المطلوب أن نعرف كيف كان بطريقة تحليلية كيف كان تفكير النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف كان تخطيطه كيف كانت مشاعره كيف كان تقييمه كيف كانت الوضعية بشكل عام، وضعية جانب المسلمين ووضعية الآخرين الكافرين الوضعية بشكل عام، وضعية العالم في ذلك الزمن بشكل عام حتى يكون التاريخ له أثر في النفوس ويعطي دروسًا مهمة ويعطي عبرة وتعرف من خلاله النفسيات.
معرفة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قضية مهمة – كما أسلفنا – في أن يعرف الناس فعلًا أنه نعمة عظيمة من الله ولهذا قال بعد: }لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ{آل عمران:164 وفي الوقت نفسه يستوحي الناس من سيرته، يستلهمون من حركته كيف يتحركون وكيف يعملون. في الوقت نفسه أيضًا لا يعتبر أن الأشياء كانت مجرد معجزات خارقة في الحركة كلها الله سبحانه وتعالى هو على كل شيء قدير، ولكنه حكيم تكون الأشياء تسير وفق ترتيبات دقيقة، رسوله حكيم لم تكن أعماله عشوائية، أعماله تسير وفق ترتيبات دقيقة وخطط محكمة ورؤى صحيحة ومعرفة حقيقية؛ لأن الفارق فيما إذا كنا نتصور أن كل ما كان يحصل كان عبارة عن معجزات خارقة معجزات، معجزات إلى آخرها يقول الناس من بعد: (إذًا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) قد التحق بالله وما معنا شخص تأتي على يديه معجزات خارقة، خارقة… إلى آخره، إذًا لا نستطيع أن نعمل شيئًا) عندما تعرف بأنه كانت تلك الحركة تقوم على خطط محكمة ورؤية حكيمة وترتيبات حكيمة وأنها مما هدى الله رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) إليه ومن خلال القرآن الكريم؛ ولهذا ألم يقل في القرآن الكريم بأنه: كتاب حكيم }كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ{هود:1.
أن تكون الأشياء تمشي على هذه الطريقة، معناه ماذا؟ أنها قابلة للاستمرار قابلة أن يسير جيل آخر بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وفق هدى الله وفق ما يؤتيهم الله من حكمة أو ما يأخذون من كتاب الله من حكمة وما يوفقهم الله إليه من حكمة في عملهم، ولو لم يكن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) موجودًا بينهم، لكنه موجود بماذا؟ بآثاره، إذا حاولنا أن نعرفه هو وليس فقط نعرف أنه قائد المعركة الفلانية بتاريخ كذا وعدد كذا… إلى آخره، لا، تعرفه هو لتعرف كيف كان دقيقًا في عمله وكيف كان حكيمًا في تعامله مع الأحداث وتعامله مع الناس وكيف كان أيضًا، كيف كانت نظرته إلى الناس بشكل عام بما فيهم الأعداء.
لأن الذي حصل فعلًا – أنه أبعد الأنبياء عن قائمة أن يكونوا أشخاصًا يستلهم الناس من عملهم ما يفيدهم في حركتهم في مجال العمل لإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله ترافقت عدة أشياء منها: روايات يتجلى من خلالها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وكأنه إنسان بسيط أو غبي وليس فقط بسيطًا إنما لا يفهم شيئًا كما يحكون في غزوة (بدر) أعني: روايات فيما يتعلق بميدان الجهاد وحتى فيما يتعلق بحياته الخاصة وأشياء كثيرة قدموه وإذا فقط فلان يوجهه أن يحجب نساءه، وفلان يقول: لا، أحسن أن نكون هناك على النهر من أجل عندما نكون في مواجهة مع العدو نكون قريبين من الماء ونسبقهم إلى الماء! وأشياء من هذه يبدو شخصًا بسيطًا لا يعرف شيئًا! لا، هو كان شخصًا مهمًّا جدًّا حكيمًا وقديرًا ذكيًّا فاهمًا، قائدًا على أعلى مستوى للقيادة فعلاً، حتى إن الغربيين عندما حللوا شخصيته ومواقفه اعتبروه أنه أعظم قائد في التاريخ كما يحكى أنهم فعلاً اعتبروا أنجح وأعظم قائد في التاريخ محمدًا (صلوات الله عليه وعلى آله).
وكيف كان على الرغم من كفاءته العالية يتوكل على الله }فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{آل عمران:159.».