رسائل ” مفهوم الأمن القومي ” المتبادلة أمريكيا و إيرانيا وسعوديا لمرحلة ترامب
عبدالوهاب الشرفي
تتبادل جميع الأطراف الإقليمية والدولية الرسائل بشأن المرحلة القادمة في منطقة الشرق الأوسط التي يبدو انها ستكون أكثر تعقيدا وأشد سخونة .
كان من غير المتوقع للكثيرين فوز اليميني المتطرف ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية ، و وصوله الى البيت الأبيض كان أشبه بزلزال ضرب في عمق المحيط وفاجأ كل المعنيين بتسونامي يتجه إليهم ولا وقت يسمح بمزيد من التريث .
استنفار كبير تشهده المنطقة من قبل الجميع في محاولة لاستكشاف المرحلة القادمة وإرسال الرسائل التفحّصية وتلقى الصدى ، والعمل حثيثا على بدء الترتيب في ضوء المتوقع ورجع الصدى .
شهدت فترة اوباما تهدئة بقدر ما في حدة السياسة الأمريكية في المنطقة ماسمح بخروج الاتفاق النووي الإيراني وبالتلاقي بقدر ما بين أمريكا وإيران في الحرب على الإرهاب في العراق ، كما سمحت بحراك سياسي ودبلوماسي وُجدت فيه إيران بمعيّة أمريكا بشكل مباشر ضمن تفاعلات الملف السوري ، وكذلك من آثارها ضآلة الحضور الإيراني في حرب اليمن ، لكن تلك التهدئة قوبلت بحضور أعلى لسياسات خصوم إيران في المنطقة بهدف تغطية العجز المترتب عليها في مواجهة مد النفوذ الإيراني و توقعاته ، وهذا الأمر منع اقتراب الملف السوري من الحل ، و دفع بالسعودية للذهاب إلى حرب تباشرها بنفسها – لأول مرة – في اليمن ، كما خلفّ حدة و مشادات في العراق و في مصر بقدر ما .
أحاديث ترامب في حملته الانتخابية كانت مخيبة لآمال حلفاء واشنطن في المنطقة ومبشرة بمزيد من التخلي عنهم وكاشفة عن وجود تناقض كبير قادم مع سياساتهم ، وهو أمر يمكن إدراكه من خلال حديثه عن حرب كاملة ضد الإرهاب التي لن تقف عند حدود وستخرج عن هامش المناورة ، وحديثه العدائي تجاه بعضهم .
وبالمقابل كان حديثه عن إيران والسياسة العدائية التي سينتهجها تجاهها بمثابة السقف لأحاديثه عن سياسته تجاه حلفائه في المنطقة ما يجعلهم قد ضمنوا كحد ادنى عدم تطرف سياسته ضدهم ، فلن تخرج حدة أحاديثه تلك إلى الواقع لاعتبار السياسة المتطرفة القادمة تجاه إيران . لكنهم لم يتبينوا بعد فيما إذا كانت سياسته القادمة كافية لحاجتهم من الإدارة الأمريكية أم لا .
إيران بدورها كانت مراقبا حثيثا لأحاديث ترامب ، وبالنسبة لها لا احتمالية لديها فصورة السياسة القادمة لواشنطن تجاهها واضحة المعالم تماما ، فالأمر ليس أحاديث عدائية ضمن التنافس الرئاسي وحسب وإنما هناك تململ واضح للاتفاق النووي الموقع مع واشنطن، وهناك إقرار لقوانين عقوبات ضدها وهي خطوة عدائية عملية من كونجرس جمهوري سيضاف إليه رئيس جمهوري متطرف عما قريب .
الولايات المتحدة و إيران كمتخاصمين في المنطقة ، وإيران و السعودية كمتنافسين إقليميين جميعهم يعملون لترتيب المشهد القادم في المنطقة في نشاط حثيث عنوانه ” الأمن القومي ” وكل بحسب مفهومه الخاص لأمنه .
رسائل ترامب و إقرار العقوبات من الكونجرس ووضع الاتفاق النووي مع إيران في محل التقويض وليس محل البناء هي رسالة بمفهوم الأمن القومي الأمريكي في المنطقة للمرحلة القادمة ، ولسان حال السياسة الأمريكية هو أن الأمن القومي للكيان الإسرائيلي هو من متضمنات الأمن القومي الأمريكي ، ولن يستمر النظر إليه – كما كان في عهد اوباما – أمنا قوميا لكيان حليف .
وضوح الصورة لدى إيران جعلها تبادر بإرسال رسائلها بمفهوم أمنها القومي بتصريحاتها عن سعيها لبناء قواعد عسكرية في اليمن وسوريا وعن استكمال سيطرتها على الخليج ومضيق هرمز ، ولسان حال إيران هو أنها ستنطلق في فهمها لأمنها القومي للمرحلة القادمة من نفس فهمها له قبل الاتفاق النووي ، وإنها ستعمل على زيادة الاستقطاب والحضور خارج حدودها و بمستوى أعلى مما كان عليه قبل الاتفاق النووي الإيراني وسيشمل ذلك حضورا عسكريا حيثما أتيح .
السعودية ودول الخليج ليست على نفس وضوح الصورة عن ماهية السياسة الأمريكية القادمة ومع أنها قد ضمنت أنها لن تكون متطرفة ضدها كنوع من الترتيب على السياسة الأمريكية التي ستكون متطرفة تجاه إيران – بل أن احتمال زيادة الاقتراب بين سياسة حلفاء أمريكا وبين السياسة الأمريكية يظل قائما لذات الاعتبار ولمقابلة المستوى الأعلى لمفهوم الأمن القومي القادم الذي حملته الرسائل الإيرانية – إلا أنه لا يمكن لها القطع بطبيعة السياسة الأمريكية القادمة ، فالمفاجآت الأمريكية لحلفائها في المنطقة ليست بالهينة من ما يفرض عليها أقصى درجات الحذر .
عدم وضوح الرؤية السعودية تجاه السياسة الأمريكية القادمة هذا يسايره وضوح كامل في الرؤية بشأن الاعتماد الكلي على الدور الأمريكي في المنطقة أيا كانت السياسة الأمريكية المتبناة من إداراتها فجرح طعنة الاتفاق النووي الإيراني لم يندمل بعد .
في ضوء ذلك لم تتأخر السعودية في الرد على الرسالة الإيرانية – بمعزل عن التيقن فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية القادمة – وأرسلت رسالتها بمفهوم أمنها القومي للمرحلة القادمة من خلال الإعلان عن جولة للملك سلمان بن عبدالعزيز في دول الخليج و لكن مع استثناء سلطنة عمان وهي إحدى دول مجلس التعاون الخليجي ، و لسان حال السعودية أنها ستنطلق في مفهومها لأمنها القومي بزيادة تصليب جبهتها ضد إيران من جهة ، وعزل كل الدول التي ترفض أن تتحمل بأجندات معادية لإيران في سياساتها من جهة ثانية ، أو لنقل أن السعودية ستعمل في المنطقة حاملة نفس مزاج الأمن القومي الأمريكي إثر ضربات الـ 11 من سبتمبر التي عبر عنها الرئيس الأمريكي حينها بالقول ” من ليس معنا فهو ضدنا ” وهو ما بدأته السعودية باستثناء عمان من زيارات شملت كل دول الخليج ، و قبل أن تعمم ذلك في المنطقة بكاملها .
alsharafi.ca@gmail.com
رئيس مركز الرصد الديمقراطي