عدن …لؤلؤة جريحة
” على الاستعمار البريطاني أن يحمل عصاه ويرحل من عدن” جمال عبد الناصر
د. أحمد صالح النهمي
على إيقاع هذا الصوت القومي الناصري القادم من عاصمة النضال العربي (قاهرة المعز)، كان مناضلو ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ومعهم الجماهير اليمنية يخوضون معركة الكفاح المسلح، ويسترخصون أرواحهم في سبيل الاستقلال الوطني المقدس، فأجبروا بنضالهم الفدائي، وعزائمهم الثورية المستعمر البريطاني على الرحيل بعد احتلال دام أكثر من 129عاما لتكتمل سيادة الوطن بجلاء آخر جندي بريطاني من مدينة عدن في 30نوفمبر 1967م.
ظل الاستعمار البريطاني يقتات لإطالة أمده على خلافات السلاطين اليمنيين التي يفتعلها بينهم ويحركها لصالحه دون تدخل مباشر، بيد أن هذه السياسة الاستعمارية القائمة على مبدأ (فرق تسد) لم تنطل على مناضلي الكفاح المسلح، الذي دام حوالي أربع سنوات، فعملوا على اختزال مساحة الخلافات بين القوى الثورية، لتتوحد جميعها من جبهة التحرير والجبهة القومية والرابطة والتنظيم الشعبي والقاعدة الطلابية وغير ذلك من الفصائل الأخرى تحت هدف واحد هو تحرير الوطن وطرد المستعمر، وبالفعل استطاعوا أن يجبروا القوات البريطانية على الانسحاب من مدينة عدن في 30 نوفمبر 1967م قبل الموعد المقرر من قبل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون، وسطعت شمس الاستقلال على مدينة عدن ومدن الجنوب اليمني، مرددة أغنية الانتصار الكبير مع الشاعر لطفي جعفر أمان :
على أرضنا بعد طول الكفاح
تجلى الصباح ..لأول مرة
وقبلت الشمس سمر الجباه
وقد عقدوا النصر من بعد ثورة
وغنى لنا مهرجان الزمان
بأعياد وحدتنا المستقرة
وإذا كانت هذه الذكرى تمر اليوم على بلادنا في هذا الظرف الدامي الأليم في ظل العدوان والانقسام، وهيمنة المستعمرين الجدد على أراضي واسعة في جنوب الوطن وشماله، فإن الدرس الذي يجب أن نستخلصه من ثورة الجلاء والاستقلال هو أن هؤلاء الغزاة يقتاتون اليوم على الانقسام الوطني، وصراع المكونات اليمنية، وتغذية عوامل الاقتتال اليمني اليمني لبسط نفوذهم وتمددهم في خاصرة الوطن والسيطرة على ممراته المائية يساعدهم في ذلك تلك القيادات التي ارتهنت للغازي فلا تتحدث إلا بلسانه مبررة جرائمه ومشرعنة احتلاله، فمن يدفع أجر العازف هو الذي يحدد اللحن، فهل يجترح اليمنيون اليوم المعجزة التي تجبر الغازي على الرحيل؟.