الاستقلال الضائع ..!
عباس غالب
بعد نضال طويل تكلل انتصار اليمنيين في الشطر الجنوبي من الوطن بدحر المستعمر البريطاني الذي استمر حاكماً للبلاد قرابة 130 سنة ففي الثلاثين من نوفمبر عام 1967م ارتفعت راية النصر ودبت الفرحة في قلوب اليمنيين غير أن حرب الأخوة الأعداء التي انتصرت فيها الجبهة القومية على رفاق دربهم النضالي في جبهة التحرير تركت جرحاً عميقاً لا يزال يتذكره اليمنيون حتى اليوم ..وبالتالي أضاعوا عليهم فرصة الشراكة لبناء الدولة الجديدة وأضاعوا كذلك فرصة إقامة منظومة الحكم الديمقراطي العادل ،إذ سيطر الحزب الاشتراكي على مقدرات البلاد بعد جولات من الدم وهدر الإمكانات .
لقد استعرت عنوان هذه التناولة من كتاب صدر في نهاية السبعينيات لمؤلفه المرحوم عبده حسين الأهدل الذي انتقل ومعه لفيف من أنباء جلدتنا من عدن إلى الشمال بعد أن اتخذت الحكومة وقتذاك قرارات التأميم بمصادرة البيوتات التجارية والصناعية وقوارب الصيادين إذ تطرق المؤلف إلى طبيعة صراع الأخوة الأعداء إبان مرحلة ما بعد الاستقلال والمؤامرات الدولية التي أسهمت في إبقاء الشرخ قائماً بين أبناء الجنوب عموماً في الوقت الذي شنت الجارة السعودية ومعها المرتزقة من الغربيين عدواناً سافراً طيلة سبعة أعوام تكللت بالانتصار في 67 أيضاً ..وكيف آلت الأمور إلى تلك العزلة والاحتراب الأهلي المقيت الذي أودى بحياة الآلاف من أبناء الجنوب ..وهو ما يحدث بالفعل اليوم جراء الاحتلال العربي والأجنبي للعاصمة عدن وباقي المحافظات الجنوبية ..تماماً كما يحدث اليوم في الشمال !
ما يهمنا في هذه العجالة ونحن نعيش أفراح أعياد الاستقلال الوطني حالة الاستلاب التي تعيشها المحافظات الجنوبية والشرقية نتاج احتلال هذه المحافظات ..وكيف أن الاحتلال البريطاني الذي حمل عصاه ورحل كما وصفه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يعود اليوم في ثياب قوات متعددة الجنسيات التي تموّل سعودياً وخليجياً وذلك في واحدة من مآسي اليمن الصامد قرابة عامين في وجه هذا العدوان الكوني الذي يخطط لإبقاء اليمن مشطراً ومجزأ.
ومع الاحترام للحكومة الجديدة التي يقودها أحد أبناء المحافظات الجنوبية وهو الدكتور عبد العزيز بن حبتور فإن المطلوب أن تكرس الحكومة التي ضمت كوكبة من الكفاءات والمشهود لها بالنزاهة بذل جل جهدها في ايلاء القضية الجنوبية جل الاهتمام وبخاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن عموماً والمحافظات الجنوبية خصوصاً الأمر الذي سيخفف جانباً من الأعباء المعيشية التي يكتوي بنارها اليمنيون عامة ..وبالتالي إيجاد تسوية سياسية لهذه المعضلة التي طال أمدها وبات لزاماً على الجميع وضع حلول جذريه لها وذلك بالتوافق اليمني وعلى نحو يعزز الوحدة ولا ينتقص من الخاصية الجيو-سياسية للمحافظات الجنوبية والشرقية وبخاصة بعد أن تأكدنا صدقية معاناة أبنائنا في هذه المحافظات حيث باتوا يتحسرون على فترة ما قبل الاستقلال ،لكنهم نسوا أو تناسوا تلك المقولة التي أطلقها آخر مندوب سامٍ بريطاني في عدن عندما سأله أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني :لماذا أقدمتم على تسليم السلطات للجبهة القومية وهم اللذين أخرجوكم من عدن ،فقد أجاب السيد همفري تريفليان بقولة :
-اطمئنوا سأجعل المناحة تدخل كل بيت في عدن ..ويبدو أن هذه المناحة باتت تشمل اليمن بأكمله .