30 نوفمبر ولادة الحرية القومية والكرامة اليمنية

أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة صنعاء الدكتور أحمد المخلافي لـ”ٹ”:

ذكرى غالية تؤرخ لتضحيات جسام بطولات عظام من أجل صيانة هوية الوطن

حوار / أسماء حيدر البزاز

أوضح أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة صنعاء وأستاذ مناهج البحث الاجتماعية المتقدمة بكلية الدراسات العليا أكاديمية الشرطة الدكتور أحمـد حمـود حاتـم المخـلافي ـ إن يوم الاستقلال والجلاء يمثل رصيد من الخبرات والتجارب المتراكمة التي تستلهم منها العبر والدروس لتنشئ على ضوئها الأجيال وتسير على دربها من إرادة وعزيمة قويتين فيوجه كل الصعاب والعقبات.
وأضاف في حوار صحفي أجرته “الثورة” معه بمناسبة العيد الـ49 للاستقلال المجيد إن الـ30 من نوفمبر يمثل تضحيات أجيال من أجل الحرية والكرامة والعزة, وعزز من فاعلية روح المقاومة لدى الناشئة ضد كل أشكال العدوان ومحاولات الإذلال سواء كانت اقتصادية سياسية أو عسكرية أو حتى ثقافية وعلمية .. إلى تفاصيل الحوار:

* 30 نوفمبر من الاحتلال والمعاناة إلى  الحرية والوحدة الوطنية ؟ ما هي قراءتكم لهذا الأبعاد التاريخية والإنسانية ؟
– بداية يمثل عيد الاستقلال يوماً تاريخياً يحتفل فيها الشعب اليمني كذكرى سنوية بمناسبة نيل  الاستقلال أو التحرر أو استعادة الحرية من الاستعمار الأجنبي أو والوصاية الخارجية.. وتتمثل أبعاده في كونه تذكير للأجيال الناشئة بمدى معاناة الآباء من أجل الحصول على الحرية وغرس روح المواطنة وحب الوطن في قلوبهم.. ويتم التعبير عنه باتخاذ هذا اليوم عيداً وطنياً، وعطلة رسمية.. ويتم الترتيب فيه لاحتفالات شعبية، تستعرض فيها عادة وحدات رمزية من الجيش الوطني، وتطلق الألعاب النارية، وتقدم بعض الرقصات الشعبية.. ويحتفل اليمنيون بعيد الجلاء أو عيد الاستقلال  في يوم 30 نوفمبر من كل عام، وهو تاريخ جلاء آخر جندي بريطاني عن أراضي جنوب اليمن المحتلة في 30 نوفمبر 1967م.
* من باب الإنصاف ينبغي أن نؤرخ لبدايات النضال والمقاومة , وقد كتبتم الكثير حول ذلك؟!
– (مقاطعا) يرجع نضال شعبنا الوطني ضد الاستعمار من أجل نيل الحرية والاستقلال إلى مطلع ستينيات القرن الماضي، كما قد يعتقد البعض.. وإنما كان للمقاومة الوطنية اليمنية تاريخاً يرجع إلى عهد بعيد .. إلى زمن الاحتلال ذاته.. ولكنها بدأت عفوية وغير منظمة.. فقد حدثت أول انتفاضة في عدن عام (1840م).. أعقبها الثوار بهجوم مباغت على الانجليز في عدن عام (1846م)، واستأنس سلطان لحج بالمقاومة.. فلم يلبث أن نصب نفسه حاكماً على (لحج) عام (1849م).. ثم أعلن مساندته للثوار.. وطالب باستعادة عدن.. وخاض الثوار معركة دامية غير متكافئة مع الانجليز بالقرب من الشيخ عثمان عام (1858م).. ولكن نتائجها لم تكن لصالح الثوار.. وأسفرت عن اعتراف سلطان لحج بالسيطرة الانجليزية على عدن.. في الوقت الذي رفض الثوار مثل هذا الاعتراف واستمروا بالمقاومة.. وقام الانجليز بتنظيم حملات قمع ضد هؤلاء الثوار، والتنكيل بهم في كل المناطق التي كان لتجمعاتهم تواجداً فيها.. وهو ما أكده الباحث التاريخي (لوتسكي)، في مؤلفه (تاريخ الأقطار العربية الحديث).
وفي خمسينيات القرن العشرين تأثر الأهالي بخطابات جمال عبد الناصر والأغاني الثورية الصادرة عن إذاعة القاهرة، وكان لسياسات الإنجليز التعسفية والمتجاهلة لمطالب اليمنيين دور رئيسي في تنامي تلك المشاعر.. وبالمقابل  كان لوجود بنية مؤسسية لمنظمات المجتمع المدني أثر كبير على المطالبين بإسقاط حكم الإمامة في شمال البلاد, فتزايدت أعداد النازحين من الشمال، مما سبب قلقا للمستعمر البريطاني فعرض إقامة ما عرف بإتحاد الجنوب العربي، عام 1962م ثم انضمت إليه ولاية عدن عام 1963م ثم خمس سلطنات أخرى عام 1964م ورفضت سلطانات حضرموت والمهرة الاندماج في وحدة فيدرالية فيما بينهم.. أملا في تخفيف حدة المطالب الداعية للاستقلال الكامل، وكانت على النحو الآتي:
1.     مستعمرة عدن
2.     مشيخة القطيبي
3.     مشيخة العلوي
4.     مشيخة العقربي
5.     سلطنة العوذلي
6.     إمارة بيحان
7.     مشيخة دثينة
8.     إمارة الضالع
9.     سلطنة الفضلي
10.   سلطنة الحواشب
11.   سلطنة لحج
12.   سلطنة العوالق العليا
13.   سلطنة العوالق السفلى
14.   مشيخة العوالق العليا
15.   سلطنة يافع السفلى
16.   سلطنة يافع العليا
17.   مشيخة المفلحي
18.   سلطنة الصبيحي
19.   مشيخة الشعيب
20.   سلطنة الواحدي

* انتقال الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة. . كيف ساهم ذلك في تفجير ثورة أكتوبر وتحقيق الاستقلال ؟
– مثلت هذا الانتقال العملية الفدائية النوعية التي نفذها) خليفة عبدالله حسن خليفة) في 10 ديسمبر 1963م بتفجيره قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الإستراتيجية لها في عدن وأعاقت هذا المؤتمر.. مثلت تلك العملية الفدائية البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة.
وفي 11 ديسمبر 1963م صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني. وفي عام 1965م اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبدأت في 7 فبراير 1964م أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان، لحج..
وفي 3 أبريل 1964م شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها..
وقد أعلنت بريطانيا في 2 أكتوبر 1965م عن عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968م مما أدى لانتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة أسفرت عن خسائر كبيرة بشرية ومادية.
* الكتاب الأبيض والاستقلال ؟
– نعم, فقد أصدرت الخارجية البريطانية “الكتاب الأبيض” في 22 فبراير 1966م الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968م. وفي 14 نوفمبر1967م أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م وليس في 9 يناير 1968م، كما كان مخططاً له سابقاً.
وبدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية في 21 نوفمبر 1967م من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة) قحطان محمد الشعبي(، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.
وبدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن في 26 نوفمبر 1967م، ومغادرة الحاكم البريطاني (هامفري تريفليان  (إلى غير رجعة.
وفي 30 نوفمبر 1967م تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم.

دلالات النصر
* الدلالات النفسية والتربوية لوحدة النضال التحريري ونيل الاستقلال ؟
– رصيد من الخبرات والتجارب المتراكمة التي تستلهم منها العبر والدروس ليتم تنشئة الأجيال على ضوئها وتسير على دربها من إرادة وعزيمة قويتين فيواجه كل الصعاب والعقبات. ويمثل تضحيات أجيال من أجل الحرية و الكرامة والعزة.
فشرارة الثورة كانت إشعاعا على الاستقلال: فثورة أكتوبر واستقلال نوفمبر هما امتداداً للثورات الشعبية السابقة، وهما المحطة الحاسمة في تاريخ اليمن الحديث، تعاملت مع استعمار تجاوز كل ما هو معقول ومقبول من جميع النواحي لأنه:
عمل على احتلال الحقول: بالاستيطان والوجود العسكري.. وعمل على احتلال العقول واستغباء الشعب.. استعمار مارس إرهاب دولة وبحماية دولية.. واستعمار لا يعترف بوجود الآخر إلا كعبيد بدون هوية.. مارس سياسة التقتيل والإبادة الجماعية..  ونهج أسلوب (فرق تسد) للقضاء على الألفة الاجتماعية.. واستعمل كل وسائل التعذيب.. وأمعن في تفقير الشعب وتجويعه.
ومن الدلالات التربوية للاستقلال: عزز نوفمبر روح الانتماء للوطن والاعتزاز به.. جعل الأجيال تثمن الجهود المبذولة من أجل السيادة.. ومعرفة وتقدير ثمن الحرية والعيش الكريم في أمن وسلام.. رسخ مقومات الشخصية و الهوية للمجتمع اليمني ليعرف من هو بالنسبة للأمم الأخرى.. نمي الشعور بالاعتزاز والافتخار بالقيم والمبادئ التي استمات من أجلها الأجداد والآباء طيلة قرن ونيف من الزمن ولم يفشلوا أو ييأسوا من بطش الاستدمار.. وقوى جهاز المناعة النفسية والفكرية والاجتماعية.. وعزز من فاعلية روح المقاومة لدى الناشئة ضد كل أشكال العدوان ومحاولات الإذلال سواء كانت اقتصادية، سياسية أو عسكرية أو حتى ثقافية وعلمية.

وحدة المصير
* أعياد الثورات اليمنية دليل على وحدة الأرض والمصير ؟ هل تتفقون مع ذلك ؟
– يحتفل الشعب اليمني يوم 30 نوفمبر, بالذكرى التاسعة والأربعين لعيد الاستقلال، والذي يشكل مناسبة يحيي من خلالها اليمنيون ذكرى عزيزة غالية تؤرخ لما قاموا به من تضحيات جسام وبطولات عظام من أجل صيانة هوية الوطن, وتبرز مدى تعلق عزم الشعب اليمني على الدفاع عن مقدساته وثوابته ووحدته الوطنية.
وتكتسي دلالات عميقة تجسد انتصار إرادة الشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الوطنية، وتجسيداً لإرادة الشعب اليمني في الدفاع عن القيم الوطنية،  ومناسبة لتجديد عزم اليمنيين على مواصلة الدفاع عن وحدة وطنهم.
كما تمثل هذه الذكرى كذلك مناسبة للقيام بوقفة تأمل في تاريخ اليمن الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن المقدسات الوطنية, وتشكل برهانا على إجماع كل اليمنيين وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن.
إن تخليد ذكرى الاستقلال المجيدة تعد مناسبة أخرى لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل أرغد وخدمة لقضايا الوطن وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته والدفاع عن سيادته وتعزيز نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
وفي هذه المناسبة، يحدونا الأمل أن يجتمع اليمانيون على طاولة واحدة، وأن يجسّدوا استقلالهم ويحوّلوه إلى حقيقة، لأن اليمن القوي بوحدته، كبير بقيمته، وعظيم بشعبه وقيمه.ولهذا يجب أن يظل الشعب اليمني وفيا لتلك القيم الوطنية والنضالية والإنسانية السامية التي جسّدها أولئك الأبطال الذين صنعوا الثورة وأنجزوا الاستقلال.. وأن يظل يعمل من اجل تجسيدها واقعيا .

القيم الوطنية
* القيم الوطنية للثورات اليمنية , هل ترجمها اليمنيون إلى واقع ملموس ؟
– بقدر ما لهذه المناسبات من احترام وإجلال لدى أبناء المجتمع الواحد، فإنها تحمل معاني ودلالات تَفرض علينا التوقف عندها، كي لا يُقتصر الاحتفال بهذه المناسبات على الجوانب الرمزية التقليدية فقط، وإنما إعطاء المناسبة القيمة التي تستحقها واستخلاص الدروس التي تُعيننا على رسم مستقبلنا، بهدف استكمال الأهداف الحقيقيّة لأولئك الذين ضحوا بالغالي والنفيس لإنجاز الاستقلال.
إنها ليست مجرد تبادل التهاني والتبريكات، إنها ليست فقط في اليوم الذي نأخذ فيه عطلة رسمية عن العمل، إنها عيد الاستقلال، وقد سميت بهذا الاسم لأنه في هذا التاريخ من عام 1967م، تحقق حلم الحرية. وهو لم يكن فقط تاريخا لولادة الحرية في ذلك اليوم، بل كان تاريخ ولادة الحرية في جميع الأيام. وهذا هو السبب الذي يجب علينا تأكيده عندما نتداعى للاحتفال بهذه المناسبة، مع ضرورة إبراز التجليات الحقيقية لمعاني هذا الاستقلال في حياة الناس.
حيث يرتبط معنى ودلالة الاستقلال بتأكيد أبرز أهدافه، الوحدة اليمنية،  بأنهم أحرار في وطنهم، خاضعون لإرادتهم، ويحتكمون لقوانين الأرض التي يتساوون فيها بغير عزل أو تمييز. وإنه إذا كان لنا أن نتعلم شيئا من هذه المناسبات الوطنية العزيزة على نفوسنا، فهو معنى الحرية ومغزى الكرامة. ومثلما استطاع أجدادنا وآباؤنا نيل الاستقلال بجهدهم وتضحياتهم، فإن فرصنا في إحداث تغيير حقيقي يعتمد على ما نستطيع بذله من جهود وتضحيات من أجل تحسين واقعنا وضمان رفاهية مستقبلنا.

توحيد الصفوف
* كلمة أخيرة لكم ؟

– إن أي تجاهل لخطورة الواقع الذي تمر به بلادنا.. وما نعانيه ونعيشه بمرارة مصحوبة بالخوف، وعدم توحيد الصفوف لمعالجته على المستويين الرسمي والشعبي، كمنظومة متكاملة، فإننا في الأخير لن نستقر.. ولن نفهم مشكلتنا.. ولن تنضج عقول شعبنا…. وسنعيد إنتاج عوامل التخلف ونبتكر كل وسائل وتقنيات الدمار المعزز بأفكار جاهزة، أثبتت التجارب نجاحها في سحقنا.
وختاماً، كلمة لابد منها.. آمالنا كبيرة في قدرة شعبنا على تجاوز كل ما يحيط بنا من معيقات..

قد يعجبك ايضا