حكومة المغرم
علي أحمد جاحز
كانت ولادة الحكومة مساء أول أمس بشارة مهمة للشعب اليمني ، وان لم يظهر ذلك على تقاسيم وجهه التي خانتها وعود البشارات وأنهكتها صفعات الخيبات مرارا ، إلا أن ثمة فرحة وارتياحاً في قلب اليمن الصامد الشامخ ، وفي خلجات الإنسان اليمني الحر الشريف يتراقص استبشار ملفوف بالحذر والترقب ويتنفس الصعداء ارتياح متأن في الإعلان عن نفسه ، فليس هينا ما عاناه اليمن و ليس سهلا ما تجرعه الشعب .
حكومة الإنقاذ الوطني التي جاءت ثمرة الاتفاق السياسي وتشكيل المجلس السياسي الأعلى ، خطوة متأخرة كان لابد أن نخطوها بأي شكل وفي أي مرحلة و تحت أي ظرف ، و تأخرها الذي قد يكون ضارا في أمور ، ربما كان مفيدا لتفادي الكثير من النتائج والتبعات الأكثر ضررا في أمور أشد حساسية من أي أمور أخرى ، وعلى سبيل المثال دفع تبعات الحرب الاقتصادية لأطول مدى وإتاحة الفرصة لتثمر التحركات السياسية وإسقاط الذرائع وإقامة الحجج على العالم .
وفي كل الأحوال، لن تكون حكومة الإنقاذ الوطني أمام مهمة اعتيادية أو سهلة في ظل الظروف الغاية في التعقيد خلال أخطر مرحلة تمر بها اليمن ، بل جدير بنا أن نطلق عليها حكومة مغرم وليست حكومة مغنم ، وكل القوى والتيارات السياسية التي شاركت في تشكيلها و قبلت تحمل المسؤولية في قوامها سواء رئاستها أو حقائبها السيادية أو الحقائب الإدارية ، تعي وتدرك تمام الإدراك أنها أمام مسؤولية كبيرة وخطيرة وان العبء الوطني ثقيل جدا عليها ، في ظل انعدام الموارد وتواضع الميزانية وعظم الأولويات وضخامة المشروع وسمو الأهداف .
ولذلك فليس من الواقعي أن ننتظر من هذه الحكومة مثلا ان تنهض بالاقتصاد بل ننتظر أن تدير الاقتصاد الموجود بأقصى درجات الكفاءة لتحافظ عليه من الانهيار ، وليس منطقيا أن ننتظر من الحكومة الحالية ترميم ما دمره العدوان بل ننتظر ان تحافظ على المؤسسات وتعيد لها الحياة لتعمل كل مؤسسة ضمن جبهة مواجهة العدوان ، وليس معقولا أن نطالب الحكومة بتحسين الوضع المعيشي والاستثماري والثقافي والعملي وإعادة الأوضاع إلى حالة النمو ، بل ننتظر أن تطبع الوضع عموما ولاتتركه ينهار ويتفاقم .
لكنها مطالبة بأن ترمم الصف الوطني وتنهض بالحس الوطني وتعمل حثيثا على تقوية جبهة الدفاع عن الوطن في كل المجالات بشكل منظم و مؤسسي و تغلق الباب أمام المؤامرات التي تستهدف الجبهة الداخلية ، و ترقى بالعمل الوطني المشترك بعيدا عن الشخصنة والكيدية وتحميل الأطراف بعضها البعض مسؤولية إدارة الواقع السياسي والعسكري والإنساني والاقتصادي ، كما يريد العدوان وأياديه في الداخل والخارج ان يكون سلاحا بأيديهم .
الحكومة التي أخيرا خرجت إلى النور بعد مطالبات وصلت حد الإحباط ، باتت هي المسؤول الأول أمام الشعب اليمني وأمام التاريخ ، وهي المؤسسة الدستورية التي تحمل اللوم والانتقاد في حال قصرت أو فشلت ، وتستحق الشكر والتقدير في حال نجحت وانتصرت وتغلبت على العقبات ، فهي الآن الإطار المتفق عليه الذي يمثل الأطراف الوطنية وهي من يمتص بدلا عنهم العبء والتعب وتبعات المواقف والانتقادات بعيدا عن حساسية تبادل اللوم بين الأطراف أو حساسية ادعاءات الفضل بين الأطراف أيضا.
شخصيا ، لن أكون بدعا من الشعب واتفاءل أو ادعي أنني راض عن التشكيلة وعن معايير اختيارها بأي حال ، لكنني أحمل تفاؤلا حذرا ورضى نسبيا عن التشكيلة ، وذلك مراعاة لمعيار وحيد وهو أننا في مرحلة حرب ونحتاج حكومة تواجه الحرب بالشخصيات القادرة على فعل ذلك سواء من خلال امتلاكها الروحية الكافية لحمل المسؤولية أو من خلال فاعلية وجودها في منظومة أداء جبهة الصمود والتصدي ، فضلا عن تأثيرها بشكل أو بآخر في تغيير معادلات الواقع عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا فيما يقوي الجبهة الداخلية ويعززها .
سننتظر ونقيم أداء الحكومة لكن بعد أن نعطيها فرصة سانحة لتنجز وترتب الأوراق المبعثرة على طاولة العمل الحكومي الواسعة ، وبالقدر الذي نسأل الله أن يكون لهم عونا في مهمتهم الصعبة والمعقدة ، فإننا أيضا سنكون لهم سندا وعونا و عضدا في كل ما يحتاجونه وهو بأيدينا .
تحيا الجمهورية اليمنية ..