تعقيدات الخلافات الروسية – الأمريكية ..لن تحل بوصول ترامب!؟

هشام الهبيشان

رغم بعض الحديث والتحليل المتفائل الذي يبديه البعض بخصوص نشوء حالة من التقارب بين الروس والامريكان على خلفية وصول ترامب لسدة البيت الابيض، ولكن الواقع المؤكد بهذه المرحلة أن كلا الدولتين الروسية والامريكية تعيشان الآن بحالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطور مستقبلاً لصدام عسكري غير مباشر ، وعلى الأغلب سيكون مسرح هذا التصادم العسكري هي الأراضي الشرق أوكرانية الانفصالية وتحديداً من مدينتي دونيتسك ولوغانسك ، أو منطقة شرق المتوسط ، وهنا نقرأ أن جميع المؤشرات المتولدة من قرار بوتين المشاركة وبقوة بمسار مكافحة الإرهاب بشرق المتوسط ، تؤكد بأن الروس بهذه المرحلة تحديداً، وأكثر من أي وقت مضى أصبحوا بشكل أكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع امريكا وحلفائها، فهم اليوم باتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الامريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطراً محدقاً بأمن المنظومة العسكرية الروسية ،وخطر خسارة اوكرانيا لصالح الغرب، واحتمال فقدها لكثير من مناطق نفوذها بالشرق الاقصى والشرق الاوروبي وبالشرق العربي، وسندان تقويض جهودها التوسعية والوصول إلى مناطق ومراكز نفوذ جديدة والاستغناء عن مراكز نفوذها القديمة لصالح القطب الاوحد الامريكي والانكفاء على نفسها ، وليس بعيداً عن كل ذلك الملف السوري وغيره من الملفات وخصوصاً الثروات الطبيعية وملفات حقول الطاقة بالدول التي تتحالف مع الروس “الثروات الطبيعية الايرانية- كمثال” ، ومن جهة أخرى يدرك الروس حجم المؤامرة الامريكية ، والتي أفرزت ما يسمى “بحرب النفط” ، والتي تستهدف اركاع القوة الروسية ، والحد من تصاعد النفوذ الروسي بالإقليم العربي.
البعض يعتقد أن الروس كسبوا عندما انفصلت شبه جزيرة القرم عن اوكرانيا أو أن الروس سيكسبون أيضاً إذا أعلنت بعض مناطق الشرق الاوكراني انفصالها عن أوكرانيا ، وهذا الموضوع بالذات هو خسارة كبيرة لروسيا والروس أنفسهم يدركون ذلك فهم خسروا ماكان بالأمس يحسب بالمطلق عليهم وربحوا اليوم جزء من ما كان بالأمس يحسب عليهم ، فهم خسروا تقريباً الكل واستطاعوا ان يعيدوا جزءاً من الكل لهم وهذا بتحليل وقراءة الجغرافيا السياسية وبعلم السياسة الدولية هو خسارة سياسية وأمنية فادحة بالنسبة للروس ، فاليوم هم أصبحوا شبه محاصرين فمن الشرق والشمال نصبت الدرع الصاروخية الامريكية والجنوب والغرب بدأ تدريجياً يخرج عن نفوذهم، وبوتين نفسه يدرك حقيقة هذه الأخطار.
والسؤال: هل ستسمح روسيا لأمريكا بأن تملي عليها وتفرض عليها واقعاً جديداً؟؟.
وخصوصاً بعد الضربة القاسية لروسيا بعد خسارتها لاوكرانيا لصالح الغرب، فاليوم الروس يواجهون مشروعاً غربياً الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديدة ومناطق نفوذ أوسع تحقق لهم قوة دراما تيكية على الصعد السياسية وحينها ستكون روسيا واحدة من القوى الأكبر دولياً المؤثرة اكثر من أي وقت مضى بصناعة القرار الدولي، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي وانقسام جمهوريات الاتحاد إلى كانتونات متفرقة ومع تعدد انتمائاتها وولائاتها ، اصبح الغرب يتطلع اكثر وأكثر إلى كسب هذه الجمهوريات إلى صفه لتكون ورقة ضغط على الروس في أي تسويات دولية مقبلة لتقاسم مراكز القوة والنفوذ والثروات في العالم ، وحينما ادرك الروس أن الغرب تمادى أكثر واكثر بهذه الممارسات الاستفزازية ، وبدأ الحديث عن نظام الدرع الصاروخي المنصوب شرقاً وعلى مقربة من الدولة الروسية في بعض الجمهوريات التي كانت تحسب عليهم في حلفهم واتحادهم السابق وهو الاتحاد السوفيتي في بعض جمهوريات الشرق الاوروبي وبعض دول الشرق الآسيوي ، بالإضافة إلى تركيا وبعض دول جوارها الاوروبي ، حينها ايقن الروس وأخذوا القرار بأنهم عليهم التكشير عن أنيابهم أمام هذه الغزوة الكبرى والتهديد المحدق بهم.
بمطلع شهر آب من عام 2008م قامت القوات الجورجية بهجوم عسكري من جورجيا على مقاطعتي أبخازيا وجنوب أوسيتيا المواليتين للروس، وبعدها قامت القوات الروسية بهجوم مضاد سريع وعنيف على جورجيا لتحسم المعركة بوقت قصير جداً، ويعلم جميع المتابعين لخفايا ماوراء الكواليس ان الروس لم يقرروا الولوج بمعركة جورجيا إلا لايصال رسائلهم للغرب وامريكا ، وحينها وصلت الرسالة وبدأت هذه الدول وخصوصاً امريكا باعادة دراسة لسياستها الخارجية اتجاه روسيا بعد حرب جورجيا ، بعدما وصلتهم الرسالة الروسية شديدة اللهجة والانذار الاخير لهذه الدول بأن روسيا سترد على كل من يهدد امنها ومراكز نفوذها ، فمنذ تلك الواقعة نرى الموقف الغربي في تشدد احياناً اتجاه روسيا ببعض قضايا دولية وبتوافق بأحيان اخرى وبخلاف سياسي ببعض حالات، مع العلم أن هناك مجموعة من الخلافات حصلت بعد حرب جورجيا خلافات دبلوماسية احياناً واقتصادية احياناً أخرى وامنية ببعض احيان وتشابك وتعقيدات ببعض الملفات مثل ملف ايران النووي وكوريا الشمالية وافغانستان وغيرها من الملفات.
في مطلع عام 2011م، أنطلق ما يسمى “الربيع العربي” وبدأت هنا مرحلة جديدة فمراكز النفوذ بدأت بالتحول ومراكز القوى تغيرت، وهنا قرر الغرب انه يجب اعادة تقسيم الكعكة العربية، ومن هنا أنطلقت أولى هذه الخلافات حول الربيع العربي وتوزيع مراكز القوى فيه، بين الغرب وروسيا، وأولى هذه الخلافات كانت في ليبيا وعندها طعنت دول الغرب روسيا بالظهر في ملف ليبيا وحينها خسر الدب الروسي مركز نفوذ في المغرب العربي وشمال افريقيا كان يشكل عامل امان للروس وقوة في هذه القارة ومعبر أمان للدولة الروسية للاتساع والولوج اكثر بعلاقاتها مع باقي دول المغرب العربي وشمال افريقيا وشرقها فبعد ان ادرك الروس انهم طعنوا من دول الغرب وادركوا ان هناك مؤامرة كبرى تستهدف مراكز نفوذهم بالمنطقة العربية . وعندما أتسع نطاق هذا الربيع العربي ووصل الى سوريا برزت إلى الاحداث “الورقة السورية” وهنا استمات الروس بالدفاع السياسي والامداد اللوجستي العسكري والاقتصادي للدولة العربية السورية وجيشها العربي ،ومن مبدأ انها اذا خسرت سوريا فأنها ستخسر نفوذها وقاعدتها الأخيرة وحلفها الاخير مع دول المشرق العربي، فهي بسوريا تسير بخط ونهج مستقيم غير قابل للتشكيك لأنها تدافع عن نفسها اليوم من سوريا فاذا سقطت سوريا فالروس يدركون ان الهدف القادم للغرب ولو تدريجياً سيكون روسيا ولذلك هم اليوم يستميتون بسوريا ، فساسة وجنرالات موسكو يؤكدون بمواقفهم أنهم يسيرون بسورية بخط ونهج مستقيم غير قابل للتشكيك ، ومن مبدأ أن موسكو تدافع عن نفسها اليوم من دمشق فاذا سقطت دمشق فالروس يدركون ان الهدف القادم للغرب ولو تدريجياً سيكون موسكو ولذلك هم اليوم يستميتون بسوريا ، فهم ادركوا حقيقة المؤامرة الكبرى عليهم أولاً وثانياً على الدولة السورية.
ختاماً ، يبدو واضحاً أن روسيا لن ترضخ امام كل هذه الضغوط، التي تفرضها عليها واشنطن وحلفاءها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً ، والواضح أن الدب الروسي سيكشر عن انيابه من جديد ليعيد الكرة الى الملعب الاول عن طريق الولوج بمعركة مفتوحة سياسية وعسكرية مباشرة وغير مباشرة مع قوى الناتو والهدف من هذا العمل العسكري “المتوقع? هو ايصال رسائل موسكو مجدداً للغرب وحلفائه بأن الروس موجودين ولن يتنازلوا وسيستمروا بالتوسع بكل الاتجاهات، والمرحلة المقبلة من المؤكد انها ستعطينا صورة أوضح لملامح وشكل موازين القوى بالعالم الجديد التي يتم صنع موازين القوى ومراكز النفوذ فيه من جديد.

قد يعجبك ايضا