الراتب
أحمد ماجد الجمال
من فوائد نقص السيولة النقدية في اقتصاد أي دولة في الوضع الطبيعي، المساهمة في تخفيض معدل التضخم ,وكذلك في ارتفاع القيمة الشرائية لعملتها، وكلما ازداد النقص في النقد في الأسواق، كان حجم الانخفاض في معدل التضخم أكبر,هو القاعدة العامة التي تتحكم في سلوك الاقتصاد في بيئة واحدة غير متأثرة بعوامل داخلية وخارجية شديدة.
والأكثرية من أفراد المجتمع في مثل تلك الدول المستقرة ربما يصبحوا مستفيدين من نقص السيولة النقدية (أو تخفيضها) سواء أولئك الذين ليست لهم رواتب أو أجور من قطاعات التوظيف، ويستفيد كذلك الذين لهم رواتب ثابتة كموظفي القطاع العام أو الخاص والمتقاعدين ، فما دامت مدخولاتهم النقدية ثابتة وتصرف لهم أولاً بأول، فاستفادتهم تكون غير نقدية وغير مرئية، وإنما مكونها من العوامل الاقتصادية الناتجة من انخفاض معدل التضخم الذي يتيح لهم انخفاضًا في أسعار المواد والمؤن التي يشترونها من ناحية، ومن ناحية أخرى ارتفاع القيمة الشرائية للعملة، فيمكنهم بذلك شراء كميات أكبر من احتياجاتهم بنفس العملة, ومع ذلك لا ينأى عن البال الاستثناءات القائمة لمثل هذه الحالة في وضع اقتصادنا نتيجة الحصار والحرب.
كانت ولازالت المشكلة ليست موعد نزوله، بل بالراتب نفسه ومقداره وفي كيفية صرفه , فهناك من يشتكي بأن الراتب لا يكفي حتى باستخدام كل أدوات التوازن والاعتدال بالصرف لا يحقق النتيجة المرجوة ،فكان من التصورات أن المهم أن يصرف الإنسان راتبه بشكل يستطيع أن يوفّر من خلاله ما يساعده على أن يمتلك أساسيات الحياة فقط ويتأقلم مع الظروف والمتغيرات الحياتية،ومع ذلك مهما اجتهد الشخص في توزيع وترشيد الراتب فهناك ألم الضرر على قوته وقوت أبنائه.
وجاء تأخر صرف الرواتب في الفترة الحالية مختلف عن بقية الشهور بسبب تراجع الموارد العامة للدولة ونقص حاد بالسيولة لدى البنك المركزي ولم يكن لآلية الاقتصاد الطبيعي دور في تخفيض معدل التضخم وكذا ارتفاع القيمة الشرائية للعملة إن لم يكن لعبت الآلية سلباً وعكس تيار الاقتصاد في حالة السلم ,ولأن قضية الراتب محور أساسي في حياة الأفراد، ويشار إلى أن الصرف في المواعيد المحددة شهرياً يسهل على الموظفين التحضير كي يستطيعوا تلبية احتياجاتهم الأساسية ولا سواها ،ويبقى أكثر من سؤال: هل خططنا لكل ذلك؟،كون الراتب لا يغطي جميع المصاريف وفي الحدود الدنيا ؟ هل هناك بدائل أخرى غير الاقتراض أو السلف ومن أين طالما الجميع في مركب واحد ؟ وميزانيات كثير من الأُسر تعاني من الضغط في هذه الفترة تحديداً, بسبب غياب موازنة الصرف على المستوى اليومي أو الشهري، كنتيجة طبيعية لتدني وضعف وتأخر الرواتب ، إلى جانب الزيادة في أسعار السلع والخدمات، وهو الأمر الذي يصعب من عملية التخطيط المبكر لميزانية الأسر، وطرح الأولويات وجدولتها، وفتح بنود للمصروفات كالعلاج والطوارئ ..وغيرها, أما الأمور الحتمية لا يستطيع التغاضي عنها، أو تأجيلها إلى اجل غير مسمى كالغذاء والسكن مثلا وهي الأهم ونسبتها تتجاوز التسعين في المائة من حجم الراتب إن لم يكن أكثر.
ولكن عندما ينام الناس في أمان الله ثم يصبحون على وضع مفاجئ يمس أساسيات حياتهم، أو يتعلق بالمحرك الأساسي الوحيد لحياتهم «الراتب»دون أن يفهموا لماذا ودون أن يدركوا كيف يتدبرون حياتهم ويفون بالتزاماتهم ويصبحون تحت مغبة التسول, وعندما نسمي الأحداث بمسمياتها فأن ذلك يعني الضريبة الناتجة عن الحرب التي يشنها تحالف العدوان على اليمن.
باحث بوزارة المالية