العالم ما قبل وما بعد الاعتراف السعودي
حمدي دوبلة
في الأسبوع الأول لجريمة العدوان بحق مقدمي واجب العزاء في القاعة الكبرى بصنعاء كان العالم على قلب رجل واحد في التنديد والمطالبات بالتحقيق في المجزرة وإحالة مرتكبيها إلى العدالة والقصاص الرادع على جناح السرعة ودون إبطاء كون المذبحة مروعة وترقى في وحشيتها إلى مستوى جريمة حرب وجرائم الإبادة الجماعية.
اعتقدنا للحظة بأن العالم المفتون ببريق المال السعودي قد استفاق من غيبوبته وبدا ينفض عن عينيه آثار السبات العميق لتتحرك الحياة مجددا في ضميره المغشي عليه منذ أمد بعيد..لكننا سرعان ما اكتشفنا بأن ظنوننا لم تكن في محلها البتة وان مرًد تلك الاستنكارات والدعوات المثالية بسرعة معاقبة الجناة وجعلهم عبرة لكل من يتجرأ أو يفكر في الاعتداء على الإنسانية أويمس بقدسيتها وأن كل ما قيل من مثاليات وروائع تعود في الأساس إلى الأماني التي داعبت قلوب وعقول العالم بأن النفي السعودي لتورطه في الجريمة صحيحا وبالتالي فإن المقصود بالمحاكمة والردع والزجر لم يكن السفاح السعودي بطبيعة الحال وإنما كانت جهات أخرى بالغت وسائل إعلام العدو وأبواقه في الترويج والتلويح والجزم بمسؤولياتها المباشرة في الجريمة في إطار ما أسمته تلك الأبواق مسلسل التصفيات والمكايدات بين حلفاء الجبهة الداخلية.
لم يكن النظام السعودي موفقا في محاولة الإنكار والذي استمر طيلة أيام الأسبوع الأول عقب الجريمة إذ كان له الأثر الكبير في توسع الانتقادات والمطالبات بكشف المجرم ومعاقبته على المستوى الدولي لينعكس الموضوع سلبا على تحالف سلمان الذي بدا له بأن الإسراع في الاعتراف سيضع حدا لكل ذلك الصخب الكاذب وهو ما كان فعلا بمجرد إعلان ما سُمي بنتائج لجنة التحقيق “السعودية” في جريمة قصف قاعة عزاء آل الرويشان ليخيم الصمت مجددا على أفواه هذا العالم الرخيص وكأن كل ما كان يٌرتجى هو معرفة الجاني فحسب دون أي حاجة للمحاسبة والاقتصاص .
لم يضف الموقف الدولي من مذبحة قاعة العزاء وتناقضاته الفاضحة في ما قبل وبعد الإقرار السعودي إلا المزيد من القبح والنذالة التي بات يتصف بها عالم اليوم الذي تكممت أفواهه بدراهم آل سعود التي جعلته صغيرا وحقيرا أمام الشعب اليمني العظيم وعاجزا عن توضيح خفايا مواقفه المهينة والمعيبة إزاء انهار الدماء اليمنية المسفوحة دون وجه حق.
لن ينتظر اليمنيون جوابا فقد خبروا هذا العالم جيدا طيلة التسعة عشر شهرا الماضية من عمر العدوان الذي يبدأ اليوم شهره العشرين وكشفوا حقارته وأكاذيبه وزيف مزاعمه عن الحقوق الإنسانية وسيبقى لسان حال اليمنيين جميعا إزاء التواطؤ والصمت العالمي المريب ما جادت به قريحة الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني منذ عقود في إحدى قصائده العصماء الشهيرة “وان لم تجب عن سؤالي فصمت الجواب يجلل في الأفق ما أنذلك”