يَوْمَ خَوْلانَ
كريم الحنكي
حَمَدتُّ سُرَى خَوْلانَ مَا امْتَدَّ لَيلُها
ويُحْمَدُ، قبلَ الصُّبحِ، لَيلٌ وليلانِ
عَرَفْتُ سَجَاياها؛ فَطِبْتُ، كأنما
تَصَفَّحْتُ في مرقومِها سِفْرَ حُدْثانِ
وأدْرَكْتُ ما لم أستَرِبْ فيهِ، سابراً
سَرِيرَةَ أرضٍ مِن شُجُوني وَسُكَّاني
إذَا اجْتَمَعَتْ خَوْلَانُ، خِلْتَ اجْتِماعَها
قيامةَ جُلَّى الْأمْرِ، قامَتْ عَلَى الْجاني..
لقد قُصِدَتْ بِالْقَصْفِ، دونَ جِنايةٍ
على غِرَّةٍ منها، بِغَدْرَةِ خَوَّانِ
غَدَاةَ عَزَاءٍ في كريمٍ لأهلِها
سُوَيْعَةَ أمْنٍ مِنْ تأسٍّ وسُلْوانِ
بِمَجْمَعِ جَبْرٍ للكُـلُــــومِ، وملؤه
ضُيُوفٌ أتوا بِرَّاً بِها، دونَ حُسْبانِ
جِنايَة جانٍ لم يَرَ الدَّهْرُ مِثْلَهُ
سُقُوطَاً، ولُؤْماً، واجْتِراءً، بإنسانِ.
ألا إنَّها خَوْلانُ، يا مَنْ جَهِلْتَها
فجِئْتَ بِفُجْرٍ في أعِزَّةِ أوطاني
تَوَهَّمْتَ أحْرَارَ الطِّيالِ مُقيمَةً
عَلَى الْهَونِ، يا مَن لن تُقيمَ على شانِ
خَسِيْتَ؛ فلم تعلَمْ بِسَبْعٍ إذا سَرَتْ
سَرَتْ مَعَهَا الدُّنيا؛ فَللَّيْلِ صُبْحَانِ.
*
هي السَّمْحُ ما امْتَدَّ السَّماحُ لِسِلْمِها
وَلَكِنَّها هَوْلٌ على كُلِّ عُدوانِ
فَكَيفَ بما أحْدَثْتَ مِنْ مُنْكَرٍ بِها
وأسْرَفْتَ، فَاسْتَخْفَفْتَ أكرَمَ فُرْسانِ
معادِنُها من خالِصِ الْبَرْقِ، لم يُشَبْ
ولا انتقَصَتْ مِنْهُ دَخَائِلُ خُذْلانِ
ولَا اعْتَرَفَتْ، إلّا بِما يَكْرُمُ الْفَتَى
بِهِ، مِنْ إباءٍ لا يشيخُ، وإيمانِ
ولَا انْتَسَبَتْ، إلا إلَى الْمَجْدِ والذُّرَى
ولم تَسْرِ، إلا كانَ لِلْفَجْرِ عَينانِ
حَمِيَّةُ قَومٍ مِن أناةٍ وشَوكةٍ
وقد عَلِمَ التَّاريخُ شَوكَةَ خَوْلانِ
هِيَ الْخَوْلُ، وَهْيَ الْحَولُ والطَّولُ واللوا
ومَعْقِدُ أحلامِ الْمُرُوءةِ في آنِ
مَآثِرُها في كُلِّ غَرْبٍ ومَشْرِقٍ
وشاهِدُها من أرْوَعِ الْبَأسِ عَدْلانِ
إذا ذُكِرَتْ لَذَّ النَّسِيمُ لِذِكْرِها
شَمِيماً تَمُرُّ الرِّيحُ مِنْهُ بِرَيْحَانِ
ومَا افْتَرَقَتْ ما بَينَ عَمْرٍو وعامرٍ
إذِ الْتَحَمَتْ وَسْمَاً بها خَيرُ أقرانِ
هي اللُحْمَةُ الْعُلْيا، وعُمْرَانُ عُرْفِنا
وَعِزُّ عَوَالي حِمْيَرِيٍّ وكَهْلاني
*
أعَاليةٌ في مُسْنَدِ النَّقشِ أعْرَقَتْ
وصاعدةٌ في كُلِّ زَهْوٍ ببُنيانِ
ويَجْهَلُها مُسْتَحْدَثُ الْمُلْكِ، شُبْهَةٌ
صَنِيعَةُ سِرٍّ، مِن لّحَائِقِ عُرْبَانِ
ويَعْدُو عليها -في السِّكِينةِ- نُكْرَةً
وَهَلْ مِثْلُها يُعْدَى عَلَيهِ بِنُكْرانِ؟!
لَئِنْ أجْمَعَتْ، لم يَرْتَبِ الْمَرْءُ أنَّها
قَضَــاءُ يَــدٍ للغَيبِ، ليسَ لَهُ ثَانِ
فَغَضْبَةُ أهْلِ الْحِلْم، قد قِيلَ، تُتَّقى
ألا لا اتَّقى مُسْتَكْبِرٌ حِلْمَ غضبانِ
يَرُدُّ على مَنْ صَعَّرَ الْكِبْرُ فِعْلَهُ
وَفَاءً لأعْرَاقٍ، وَعُرْفٍ، وضِيفانِ
على هَوْلِ عَيبٍ أسْوَدِ الرُّوحِ مَسَّـها
ومَنْ جاءَها، كُرْمَى لها، آنَ أحزانِ
وما مَسَّها قد عَمَّ قَحْطانَ أرضِنا
وعَدْنانَها، من كُلِّ قاصٍ ومِنْ دَانِ
فَإنْ غَضِبَتْ، لم تَلْقَ في الْخَلْقِ راضِياً
وإنْ هَتَفَتْ، فَالْكُلُّ قلبٌ وأُذْنَانِ
وإنْ عَزَمَتْ، شَدّتْ بهَا الْأرضُ عَزْمَها
ويَومَئِذٍ، بُشْرَاكَ، فالحَرْبُ حَرْبَانِ
وإنْ نفَرَتْ، كانَتْ بِلادَاً بأسْرِها
فكلُّ يَمَانٍ ، يومَ خَوْلَانَ: خَوْلاني.
صنعاء، 19 أكتوبر 2016.