مجزرة الصالة الكبرى

توفيق الحرازي
بحق السماء.. ما كل هذا الذي يحدث في اليمن؟؟ ما الذي أصاب عقول الناس؟؟
ربما اعتدنا ذرف الدموع عقب كل مجزرة وحشية يرتكبها الطيران التحالفي المخبول لأكثر من عامين في بلدي الذبيح.. أما بالنسبة لمجزرة الصالة الكبرى بصنعاء فعلى غير المعتاد انتابتني رعدة وخفقان هذه المرة وأنا اتابع أحداثها أمام الشاشات والمذياع والمواقع متسمراً في مكاني لساعات لم أشعر معها بمرور الوقت!
رعدة غريبة.. ليس لهول الفاجعة وحجم الضحايا والاضرار فحسب، بل لمدى الجرأة التي قد تصل بخصمٍ ما- أياً كان- إلى مثل هذا المستوى من الكراهية والحقد الاسود ضد خصومه- أياً كانوا- وان تبلغ عقدة الانتقام لديه الى حد استهداف خليط بشري له حُرمته؛ وفي مراسم عزاء إنسانية تسقط أمامها كل الذرائع والمبررات والدوافع- أياً كانت- ولا يشبهها سوى ثقافة القاعدة واخواتها، وهذا واضح جداً!!
هل هي الحماقة التي اعيت دواءها؟؟ هل طياروهم ينطلقون مخمورين أو مخدرين حين تبدأ مراسم العربدة الجوية المعتادة فيضربون بلا رشد؟؟ هل يتجلى الله في خواطرهم لحظة تنفيذ ضربات بشعة كهذه تحت سمائه؟؟ أم قلوب على أقفالها؟؟ كم اهتز عرش الرحمن في هذه الليلة؟؟
ثم حين يتلقون أوامر الضربات الممنوعة, هل يتحسسون دخائلهم ليتأكدوا إن كان فيها قلوب أو ضمائر- كسائر البشر- أو ذرة إنسانية تنهرهم قبل تنفيذ الأوامر؟؟ هل الأموال والمصالح يمكن أن تفعل كل هذا الحقد المنفلت بلا مكابح؟؟
ثم سرعان ما تداعت الصور والأخيلة امامي وأنا أرقب المشهد.. تخيلت كيف لو أن كل هذا الجبروت الجوي والبري والبحري امتلكه خصوم النظام بالأمس- عام2011م- قبل ان يتحولوا شركاء في وفاق اجباري!
كيف لو أن جزءاً من هذه الترسانة الخليجية الضخمة كان في ايديهم حينها؟!! ماذا لو أن هذه الحرب الكارثية وقعت وفي قبضتهم كل هذا الجبروت والتفوق العسكري؟؟ هل كان غرور القوة سيدفعهم لصب جام غضبهم وكل هذا الحقد على خصومهم والتمثيل بهم، وإلحاق كل هذا الأذى بوطنهم؟؟
لو كانوا وصلوا الى سدة الحكم واستأثروا وحدهم، كما وصل الأخوان واستأثروا في مصر أو ليبيا، ما الذي كان سيحدث؟؟ هل كنا سنشهد منهم حقدا أسود كهذا؟؟!!
أكاد أجزم وأقسم أنهم ما كانوا سيبلغون مثل هذا المستوى من الحقد والكراهية مطلقاً، مهما امتلكوا من قوة.. فقد كانوا يومها اعقل من الآخرين بمراحل- وإن تشنجوا جزئياً.. فما بالهم اليوم فقدوا عقولهم كلياً، وباتوا يتلذذون بضرب الخصوم على يد الغرباء ويسرفون في الانتقام والمثلة والقتل أضعافاً مضاعفة؟؟
اياً كانت شرعية هادي أو غيره يستحيل أن يكون ثمنها كل هذه الدماء من أهله وابناء جلدته، وكل هذا الدمار الشامل!!
اياً كان مبرر العداء لإيران وتدخلاتها المرفوضة لا يمكن أن يكون ثمنه يمنيون.. ما بالنا بأكثر من عشرين الف يمني بين شهيد وجريح لا علاقة لمعظمهم بإيران؛ دون أن تتوجه رصاصة واحدة باتجاه طهران!!
أياً يكن حجم الألم والشعور بالغبن في نفوس الاصلاحيين والسلفيين وهادي وبعض الجنوبيين ومن معهم، ومهما كانت المبررات والذرائع يستحيل ان يكون الثمن تدمير بلد بأكمله وهدم المعبد على رؤوس الجميع، وكل هذه الدماء البريئة والكلفة المهولة وشهوة الاجتثاث والاسراف في الحقد والكراهية والتشفي والتمثيل بالخصوم- المحظور شرعا وإنسانياً!!
روي أن النبي صلى الله وعليه وآله وسلم – حين مر بجثث شهداء غزوة أُحُد- شاهد أحشاء عمه حمزة وكيف مثّلت به آكلة الأكباد- زوجة ابي سفيان- فانتابه البكاء وأقسم أن يكون رأس حمزة برأس ثلاثين قرشياً والتمثيل بهم فقال صلى الله وعليه وآله وسلم: (ولئن اظهرني الله على قريش لأمثّلنّ بثلاثين رجلا منهم).. واقسم اصحابه بأشد منه فقالوا (والله لئن مكننا الله منهم لنمثّلن بهم مثلةً لم يمثِّلها احد من العرب بأحدٍ قط.. وكان لهم كل الحق في ذلك، لعظمة حمزة وبشاعة مقتله.. لكن جبريل سارع لتهدئة النبي بأمر إلهي رادع، وأبلغه بقوله تعالى: “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين”.. حينها عفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصبر وأمر بالصدقة ومنع اصحابه نهائياً عن الانتقام والمثلة، وأن لا يسرفوا في القتل والحقد إلا بمقداره، رغم ان قتلة حمزة كفرة مشركون!!
ثم وأنا اتأمل هذه البحيرة الكبيرة من الدماء والوليمة الدسمة من الأسماء في الصالة الكبرى لا أدري كيف عاد بي شريط الذكريات الى حادث جامع الرئاسة المسؤوم عام 2011م.. وربما طوّحت بي الوساوس الى الربط وعقد مقارنة خبيثة بين الحادثين.. ووجدتني اتقمص دور شارلوك هولمز!!
ما دخل هذه المقارنة؟؟ لا أدري.. ربما لتشابه المبررات والطريقة والمعلومات الاستخبارية بين الأمس واليوم وتكرار فكرة “التواجد الدسم للقيادات”.. فأولئك بالأمس تلقوا معلومات أو ربما توقعات بوجود معظم قيادات الدولة في ذلك المسجد وتربصوا.. وهؤلاء استخدموا نفس التوقع بوجود معظم قيادات الخصوم في هذه الصالة، أو ربما تلقوا معلومات لوجستية من حليف محترف.. بمعنى أن الفكرة هي ذاتها!!
الشاهد هنا أن كليهما أراد أن تكون الحصيلة دسمة وانتهاز الفرصة لحسم المعركة بأي ثمن!
والشاهد الثاني, أن تلك المعركة طال امدها حد الضجر، فكان لابد من فكرة للخلاص.. وهذه الحرب أيضاً طال أمدها حد الخزي!
والشاهد الثالث, أن كلتي الضربتين تمت دون اعتبار لقداسة المكان وحساسية التوقيت.. فتلك وقعت في صلاة جمعة ضد مصلين في مسجد له حرمته.. وهذه حدثت في مراسم عزاء لها حرمتها وفي شهر محرم!!
واضح أن من ارتكبوا هذه المجزرة هم ذاتهم الذين ارتكبوا حادثة مسجد الرئاسة عام2011م.. لتشابه الفكرة والطريقة والحرمة والأدوات الاستخباراتية.. ما يعني أنها خرجت من مشكاة واحدة، وثقافة واحدة!!
عن أي خطيئة نتحدث؟؟ عن أي مستوى من الضغينة في هذا الزمان؟؟ وأي خلط للأمور ومنطق معكوس وتزوير للحقائق وتزييف للوعي واستهانة بالشرائع الإلهية والسنن الكونية؟؟ اللهم أجرنا!! نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق!

قد يعجبك ايضا