صنعاء تحترق
مايكل عادل
يرتدون الحزن جسداً وروحاً، يحلمون بالعزاء وحسب في ظل الموت المُلقى على رؤوس العباد من ذيول الغربان العملاقة المُحلّقة في سماء المدن. المدن التي طال صراخها عنان السماء ولم يمس قلبا من القلوب التي تنبض بإذن السفارة. لم يطل جفناً من تلك الجفون التي تحرّكها الأهواء ولم تهطل دمعة من الدموع مدفوعة الأجر.
يرتدون الحزن جسداً وروحاً ويحلمون بالعزاء ولكن أعداء الحياة كانوا قد أعدّوا العدّة لهدم العزاء وإحراق من فيه كبيراً وصغيراً. ثم عادوا ليغيروا مرة أخرى للتأكد من تفحّم الجثث حتى تصلهم رائحة الموت الذي زرعوه في الأرض زرعاً، فتلك الرائحة هي غذاء أرواحهم التي ملأت العالم كراهية وبغضاء.
إن تلك اللحظات العجيبة التي يتبنّى فيها محور الخليج نظريات الديمقراطيّة التي يكفّرونها في بلادهم حينما يتعلق الأمر بالحالة السوريّة، هي أكثر اللحظات المعبّرة عن شرّ البليّة الذي يُضحِك، ففي ساعة نجد رجلا على شاكلة الجبير واقفاً في منبره متحدثاً عن ضرورة تحقيق الديمقراطية على أرض سوريا بينما تقوم بلاده بطحن اليمنيين طحناً، ناهيك عن الحالة الديمقراطية في المملكة والتي وصلت فيها حريّة الرأي والتعبير إلى ما يدق الأعناق ويطيح بالرؤوس، وبينما يقف أولئك الذين حوّلوا أعين الجميع عن الصراع الإنساني مع السرطان السياسي المسمّى بإسرائيل رافعين أيديهم الملطخة بدماء المنطق والعقل والضمير حزناً وبؤساً متصنّعين الأسى على سوريا، نجد أن حملاتهم الحمراء لم تطل اليمن ولو بكلمة مواساة واحدة.
لم يذكّرنا أحدهم بأن صنعاء تحترق كما كانت تحترق حلب حينما بدأ المسلّحون في الاحتماء والتمترس بالبشر وحينما دار الصراع وكانت الكتائب المشبوهة طرفاً فيه. فحينما يتعلّق الأمر بجبهات الإرهاب نتذكّر فقط أن تلك المدينة تحترق، ولكن حينما يموت الأبرياء بطائرات العدو تندثر الإنسانية وتتدثّر بألحفة البترودولار وتغط في سبات عميق.
ليس لليمن من يندب حظه، ليس لليمن من أعين تبكي الإنسانية المقتولة بصفة يومية. فليس في اليمن من يفتح الدكاكين التي تبيع الإنسانية بيعاً في أسواق النخاسة السياسية ويمضي بها كالباعة الجائلين متسولاً تمويل مشبوه يستخدم مبادئ الإنسانية بما يخدم فقط مصالح أولياء النعم، ليس من تلك العصابات التي ترى الإنسانية بعين واحدة من يقود حملة فقط للحديث عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب اليمني الذي أبت الحياة أن تمنحه فرصة تقرير مصيره بنفسه، بينما يمكث ساسته في قصور وفنادق الخليج يحكمون بالريموت كنترول، يشاهدون بيوت بلادهم وهي تتساوى بالأرض وأبناء شعبهم وهم يتلقّون القذائف فوق رؤوسهم فيُدفنوا في أماكنهم.
يالك من شعب صبور وقوي ومناضل وأقوى من الموت نفسه. شعب لا يتسوّل على مأساته بل يقف ويعيش وينظر للأعلى بينما تقابله طائرات العدوان بالموت. شعب لم يسع لاستثمار كارثته في جني تبرعات من هنا وهناك وفي إنشاء محال تبيع القضية بأوراق خضراء. للصمود أناسه وللعظمة أهلها، وبالكاد سيتذكر التاريخ من فتحوا أبواب جيوبهم على مصراعيها لتمتلئ بدماء الأبرياء، بينما لن ينسى التاريخ أبداً صمود شعب اليمن وسط حقارة تحاصره من كافة الجهات من تجار الإنسانية العمياء والسياسيين الخونة حاصدي الرؤوس والجوائز ورسل الموت المحلّقين في سماء صنعاء ليلاً ونهاراً.
كاتب صحفي مصري “البديل”